السيمر / فيينا / الثلاثاء 10 . 09 . 2019 — تأجيل فتح معبر القائم بين سوريا والعراق، الذي كان مقرراً خلال هذا الأسبوع، بسبب الغارات التي نفذتها مسيّرات إسرائيلية ضد مواقع لمجموعات عراقية في منطقة البوكمال السورية، يعني أن هذه الغارات حققت أهدافها. لم يكن سرّاً أن قطع طريق دمشق – بغداد – طهران، «أوتوستراد إيران إلى المتوسط»، بحسب واشنطن وتل أبيب، هو بين أبرز الأولويات الأميركية – الإسرائيلية في سوريا. أنصار بقاء القوات الأميركية في سوريا بعد إعلان ترامب إنجازها لمهمتها الرئيسة، أي المساعدة على الانتصار على «داعش»، برروا موقفهم بالتشديد على أهمية التصدي لما يعدّونه نفوذ إيران المتعاظم في هذا البلد، الذي تمدّد برّاً عبر العراق الذي يشكل معبر القائم إحدى «بواباته»، وفقاً لمزاعمهم. الحدود الممتدة بين سوريا والعراق تسمح طبعاً بوجود العديد من نقاط العبور الأخرى، لكن لإعادة فتح «القائم» أهمية رمزية – سياسية كبيرة، لأنها تظهر نجاح أطراف محور المقاومة في تجديد التواصل الجغرافي فيما بينها، في سياق تصاعد المواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين تجهدان للحؤول دون ذلك.
يكتسب، في ضوء هذه المعطيات، توسيع دائرة الاعتداءات الإسرائيلية، التي شملت العراق في الأسابيع الأخيرة، معنىً مختلفاً عن ذلك الذي راج في الكثير من التحليلات. فالغارات، بحسب تلك التحليلات، «أحرجت» واشنطن أمام بعض «حلفائها» العراقيين، الذين باتوا بدورهم في وضع صعب في مواجهة قوات «الحشد الشعبي» المستهدفة. رأت القراءات نفسها أيضاً أن الهجمات الإسرائيلية قد تُعرّض حياة جنود الولايات المتحدة ومصالحها في العراق للخطر، لأن قوات «الحشد»، على لسان أحد أهم قادتها، أبو مهدي المهندس، اتهمها بالمسؤولية عنها.
ما اتضح بعد قرار تأجيل فتح معبر القائم، أننا أمام تقسيم أدوار أميركي – إسرائيلي بكلّ ما للكلمة من معنى. الولايات المتحدة تستخدم العصا الغليظة الإسرائيلية لتحقيق أهدافها الحالية، المتطابقة تماماً مع أهداف إسرائيل، والمرتبطة مباشرة بصراعهما مع إيران ومحور المقاومة، وفي مقدمتها قطع التواصل الجغرافي قدر المستطاع بين أطراف هذا المحور، من دون أن تتحمل مباشرة مسؤولية ذلك. إسرائيل تقوم بالمهمات القذرة، كما قال ستيفن كوك في مقال نشره على موقع «فورين بوليسي»، والولايات المتحدة تتكفّل استكمال نتائجها من طريق تصعيد ضغوطها السياسية على قسم من القيادات العراقية النافذة، الأقرب إليها أو تلك الحريصة على مراعاتها وعدم الصدام معها، على رغم العلاقات التاريخية التي تجمعها بإيران.
تفاصيل أخرى تعزّز صحة القراءة التي تعتبر أننا أمام تقسيم أدوار أميركي – إسرائيلي، هي تلك الخاصة بالقواعد التي انطلقت منها المسيّرات التي استهدفت مواقع في العراق وفي سوريا أخيراً. معلومات من مصادر مختلفة، ولكن متقاطعة، تكشف أن بعض العمليات المشار إليها نفّذتها مسيّرات انطلقت من القواعد الأميركية في شرقيّ الفرات. هذه القواعد تحت السيطرة الأميركية الكاملة، ولا يملك أي طرف القدرة على معرفة هوية الطائرات المسيّرة أو غير المسيّرة التي تحطّ فيها أو تنطلق منها. لكن تسرّب المعلومات وانتشارها حول العمليات الأخيرة، أي استخدام الولايات المتحدة لقواعدها في المناطق الخاضعة لـ«قسد»، ستترتب عليه تبعات بالنسبة إلى الأخيرة، لأنها أصبحت متورطة مباشرة عبر سماحها بذلك وعدم اعتراضها عليه. المواجهة في الإقليم بين محور المقاومة والتحالف الأميركي – الإسرائيلي إلى احتدام، ولن يكون بمقدور من يتبع سياسة السعي لإرضاء الطرفين، وهو حال بعض القيادات العراقية، أن يستمر فيها.
المصدر / الاخبار اللبنانية