السيمر / الأربعاء 03 . 02 . 2016
كاظم فنجان الحمامي
اذهب حيثما شئت، وتجول كيفما تشاء في عموم المؤسسات العراقية، ثم ابحث عن المتغيرات الوظيفية بين الهيئات والأقسام والشعب الفاعلة، ستجدها تخضع لظاهرة التنقلات الرتيبة المطابقة تماماً لتنقلات البيادق الصماء البكماء البلهاء فوق رقعة الشطرنج. فقد بات في حكم المؤكد إن رياح التغيير في دوائرنا الحكومية لا تمتلك قوة اقتلاع الكيانات الملتصقة بكراسي المناصب الرفيعة، ولا قدرة لها على انعاش نسيم التجديد عبر نوافذ المحاصصة الطائفية المغلقة.
تخيل إن مدير القسم (X) يعمل في المؤسسة (Y) وأنه يقبع فيها منذ سنوات، لكنك ستصاب بدهشة عظيمة إذا اطلعت على سجل تنقلاته، لأنك سترى مسار قفزاته الوظيفية من الموقع (n)، إلى الموقع (n+1)، إلى الموقع (n+2)، ثم يعود مرة أخرى إلى الموقع (n) في متوالية متكررة، تحوم حول أسافين الفساد المغروسة في أروقة معظم مؤسساتنا الخاسرة.
فمدير قسم المبيعات في المؤسسة (Y) قد يحل محل مدير قسم الانتاج في المؤسسة نفسها، في الوقت الذي ينتقل فيه مدير الانتاج ليصبح مديراً لقسم المبيعات، وربما تُعاد تطبيقات الاحلال الوظيفي، بالتبادل التمويهي، أو بالتنسيق والتراضي، أو بالاتفاق مع الأطراف التي تمتلك مفاتيح اللعب بقواعد التغيير ضمن حدود المؤسسات المعرضة للتخريب في ظل التوجهات المنحازة، التي لا علاقة لها بالتوصيف الوظيفي الصحيح، ولا علاقة لها بخطوات الاستعانة بأصحاب الكفاءات النادرة، ولا دخل لها بقواعد الاعتماد على أصحاب المواهب الإدارية الواعدة، ولا ارتباط لها بذوي المهارات الميدانية المفيدة، فالخاضعون للتغيير الحصري يُعدَّون على اصابع اليد، ويندر أن ترصد غيرهم في أي مؤسسة من المؤسسات الخاضعة لظاهرة الاحلال الوظيفي المتكرر.
وعلى العكس تماماً، فقد انتهجت المؤسسات المنتجة نهجاً جديداً في البلدان المتحضرة، وسعت نحو تطبيق سياسة نظام تبادل الأدوار الوظيفية بين الموظفين على اختلاف درجاتهم.
نذكر إن إدارة فندق (نوفوتيل) في أبي ظبي، تلجأ من وقت لآخر إلى تفعيل هذه الفكرة، التي يطلقون عليها اصطلاح (احذو حذوك) أو (اتقمص دورك وشخصيتك)، فيصبح المدير حمالاً، والطباخ مديراً، فارتدى الموظفون أزياء الحمالين والطهاة من أجل اكتساب المزيد من الخبرات، ومن أجل فهم التحديات التي تواجه موظفي الخط الأمامي. فاختار مدير الحسابات أن يكون نادلاً، واختارت مديرة المشتريات أن تكون مضيفة.
فهل يأتي اليوم الذي يغادر فيه المسؤولون في العراق سياراتهم المصفحة، ويتخلوا عن أفواج حراساتهم وسرايا حماياتهم ؟. وهل يتوقفوا عن تسيير مواكبهم الاستفزازية المتقاطعة مع أنظمة السير والمرور في الطرق الخارجية ؟. أنا شخصياً غير متفائل. خصوصا بعدما تحولت التنقلات الشطرنجية إلى قاعدة مقدسة غير خاضعة للتغيير.