السيمر / فيينا / الخميس 26 . 03 . 2020
اسعد عبدالله عبدعلي
قبل ازمة الوباء المستجد “الكورونا” كنت في شارع الرشيد ووجدت شاب يبيع الروايات وكتب, ومن بين الروايات وجدت نسخة جديدة وانيقة لرواية قواعد العشق الاربعون للكاتبة التركية اليف شافاق, وبترجمة رائعة للأستاذ خالد الجبيلي, والحقيقة ان هذه الرواية اخذت حيزا كبيرا من الاهتمام, بحيث لا تغادر رفوف المكتبات, والمهتمين يطلبوها بالاسم, صدرت الرواية في امريكا في شهر شباط عام 2010 وفي بريطانيا بشهر حزيران عام 2010 وبلغت مبيعاتها في سنة اصدارها 550000 نسخة عند صدورها باللغة التركية والانكليزية, ومع مرور 10 سنوات على طبعتها الاولى, لكن مازالت تجد مهتمين كثر.
ولنا ان نتسائل ما سبب كل هذا الاهتمام؟ وما اهم الافكار التي طرحت في الرواية, وهل هناك سلبيات جاءت فيها!
عندما شرعت بالقراءة, وجدت بدايتها جذابة وتسحر القارئ بانسيابية فصولها, ويسير القارئ معها لاكتشاف أسرار قصتين تدوران في الفلك نفسه، ولكن تتحول فيما بعد الى رواية مملة جدا، لاسيّما أن شخصيات رواية جلال الرومي تتحدث عن نفسها، أما شخصيات ايلا فهي تصف كراوي.
الرواية تتكلم عن العلاقة المثيرة للجدل ما بين الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي (604 – 672 للهجرة) ومعلمه شمس الدين التبريزي ( 582 – 645 للهجرة), برسم خاص للكاتبة التركية, لكن يؤخذ على الكاتبة انها لم تهتم بالقراءة التاريخية لبيئة ابطالها, مع ان ثلثي الرواية تاريخي, لقد كانت معلوماتها جدا سطحية مما اوقعها في الخطأ المتكرر, اعتقد كانت مستعجلة جدا, لذلك كمية الاخطاء الموجودة في الرواية غير مسبوقة, لا يرتكبه الا شخص غير محترف لصنعة الرواية! بالإضافة للأفكار الغريبة التي كانت من اهم اهداف الرواية, ونضيف اليها بعض الاخطاء التاريخية العجيبة ان تنطلق من انسان واعي ومثقف.
· من اخطاء الرواية
هنالك عشرات الاخطاء التي وقعت بها الكاتبة, والتي تؤكد على سطحية الكاتبة وعدم مبالاتها بل كانت مستعجلة جدا, وهنا نشير لخطأين وعلى القارئ اكتشاف الباقي الكثير:
الخطأ الاول: في الصفحة ص109: “خلال الأيام التالية… كنت أمضي وقتي وحيداً في البستان، أتأمل أمنا الطبيعة الراقدة حالياً تحت ملاءة ثقيلة من الثلج”. [ثم] في صفحة 112 “وفي صباح أحد الأيام، رأيت لوناً مبهراً، بهيجاً مثل أغنية جميلة، ينبعث من تحت أكوام الثلج”
الخطأ : هنا الكاتبة اختلط عليها الامر فأي ثلج يغطي الطبيعة في بغداد! هنا تتصور الكاتبة ان بغداد كإسطنبول من ناحية الطبيعة! وهذا قصور فاضح للكاتبة, ويمكن اعتبار هذا لامبالاة من قبل الكاتبة وثقافة هشة, حيث كان لها ان تسأل عن طبيعة بغداد قبل ان تكتب عنها بشكل خيالي, لتتحول سطورها الى سطور سذاجة مضحكة.
الخطأ الثاني: صفحة ص283: “عندما سمع [الخليفة الرشيد] أن شاعراً بدوياً يُدعى قيس قد هام في حب ليلى وجُنّ من أجلها، وأُطلق عليه (المجنون)، أصبح الخليفة متلهّفاً للتعرف على المرأة… ومارس كل الحيل والسبل المذكورة في الكتب ليرى ليلى بعينيه هو، وذات يوم، أحضروا ليلى إلى قصر الخليفة هارون الرشيد“.
الخطأ: هنا تنكشف ثقافة الكاتبة التركية الهشة جدا, حيث تظن ان قيس وليلى عاشا في زمن الخلافة العباسية وبالتحديد في زمن هارون الرشيد! وقد فاتها ان قيس وليلى عاشا قبل هارون الرشيد تقريبا بمائة عام! يبدو ان الكاتبة تأخذ معلوماتها من المقاهي والمنتديات, من دون ان تتأكد من صدق تلك المعلومات.
· فكرتين من الرواية
الاولى: تطرح الرواية فكرة ان القلب هو ميزان الحكم, وان الطريقة التي نرى بها الله سبحانه, ما هي انعكاس للطريقة التي نرى بها انفسنا, فاذا كان نرى الله عبر الخوف, فهذا يعني اننا نعيش بخوف من كل شيء, اما اذا كنا نراه من خلال الحب, فهذا يعني اننا نحب كل ما حولنا, واجد هذه الفكرة خاطئة تماما, حيث ان العقل هو الميزان, ومن خلاله يتم معرفة الله, والكاتبة تتبع قاعدة مخالفة للمنطق, بل ان من يتبع قلبه يقع في اخطاء جسيمة, ويمكن القول ان الكاتبة متأثرة بشطحات المتصوفة التي تنطلق من هكذا سفسطات لا اساس لها واقعا.
الثاني: هي المبالغة بالتصوف والاشادة به, بل تحاول الكاتبة خلق فئتين من المسلمين, الاولى المتصوف المحب للناس والطبيعة والانسان الراقي, والثاني المسلم المتعصب والجاهل والارهابي بانعكاسات الحاضر, وذلك لإعطاء صورة قبيحة عن الاسلام, فالقارئ الغربي الغير مطلع على الاسلام هكذا فهم الرواية (مع الاسف), ويبدو ان الكاتبة تنتمي لجهة تحاول النيل من الاسلام عبر تشويه افكاره بواسطة الصنعة الروائية.
· حب يدفع نحو الخطيئة
حاولت الكاتبة رسم صورة سيئة للشيخ جلال الدين الرومي! عبر اعتباره ضعيف الشخصية واقع تحت سيطرت الدرويش شمس, وهو حب الرجل لرجل, فصورت اعتكاف الرجلين لأربعين يوما يحبان بعضهما فيه شطحة غريبة جدا, تنتمي لثقافة الغرب التي تروج للمثلية! ثم حب الرجل دفع بالشيخ الرومي ان يطيع حبيبه “التبريزي”, فيتلف كتبه التي كان يهتم بها جدا, ويتقبل ان يشتري خمرا ويشربه بحجج حبيبه الدرويش الساذجة, ثم يأتي ببنت عاهرة تعيش في بيت الشيخ! واخيرا يقنعه الدرويش التبريزي بالرقص وانه من صميم الدين, فيسمع كلام الدرويش ويرقص.
أي حب هذا الذي يخرب على الإنسان عيشه وحياته, بل ويهينه ويذله ويجعل سمعته سيئة عن رجال الدين, بل فكرة الكاتبة هو الاساءة للعلماء باعتبار داخلهم قذر فقط يحتاج من يخرجه, وهذه الافكار الخبيثة, والتي لا تنطلي على القارئ الواعي.
الغريب ان الكاتبة لم تتطرق الى اشعار جلال الدين الرومي وشمس التبريزي, كأن هدفها كان تحطيم الشخصيتين عبر الرواية,
اعتقد يجب ان تحاسب الكاتبة على محاولتها النيل من الاسلام ومن شخصيات تاريخية عبر رواية مشبوهة الاهداف.
· مغالطة تاريخية فضيعة
في الصفحتين 257 – 258 تروي الكاتبة رواية تاريخية على لسان شمس التبريزي: ” ان عليا خليفة النبي واحد صحابته, كان يقاتل مشركا شرسا فطال بينهما القتال, وفي النهاية تمكن رضي الله عنه من خصمه, وسقط المشرك جريحا تحت علي بن ابي طالب ولما هم بقتله, بصق المشرك في وجه علي والسيف في الهواء يوشك ان يهوي به, فما كان من علي الا تركه وانصرف عنه ولم يقتله, فلما سئل قال: لقد كنت اقاتله لله فلما بصق في وجهي احسست باني اريد الانتقام لنفسي فتركته. وهكذا اطلق علي الرجل, فتأثر المشرك كثيرا واصبح تابعا من اتباعه, ثم اعتنق الاسلام بمحض ارادته.”
انها مغالطة كبيرة لقصة الامام علي (ع) في معركة الخندق, وهي معروفة لكل مسلم, وكيفية قتل الامام علي (ع) للمشرك عمر بن ود العامري, ثم وصف الرسول الخاتم (ص) ضربة علي بانها تعدل عبادة الثقلين, فكأن الكاتبة تسعى لنفي منقبة الامام علي بنفي قتل عمر بن ود العامري, فيجب ان تسائل الكاتبة قضائيا عن اهدافها الحقيقة, ولماذا سعت لتشويه التاريخ الاسلامي بسفسطة من خيالها.
هذا المقطع يبين هدف الرواية الاساسي وهو تشويه صورة الاسلام, حيث جاء منسجما مع طرح الرواية الخبيث للتقليل من شان الاسلام .
الخاتمة:
اجدها رواية مشبوهة الاهداف: بسبب ما تحمله من اخطاء في البناء, وافكار خبيثة واخطاء تاريخية مقصودة, ويجب على الاقلام تعرية هذا السرد المشبوه.