د . صادق اطيمش
كانت غصة تتلكأ في حناجرهم، لا يقدرون على الجهر بها لا خوفاً، فكيف يخافون وهم اهل السلاح والمال والجماهير التي انتخبتهم ويحسبون انها ستظل دوماً تقف رهن اشارتهم ما بقيت احزابهم، احزاب الإسلام السياسي، تصول وتجول وتلعب شاطي باطي بارض وشعب وخيرات هذا البلد الذي ابتلي بهم بعد ان اوكلهم الإحتلال الأمريكي شؤونه إثر سقوط البعثفاشية المقيتة وحزبها المجرم. ولا خجلاً ايضاً، فالخجل قد غادر ثناياهم وتكاياهم وتجمعاتهم الذين ما انفكوا يمارسون كذبهم فيها منذ ثلاثة عشر سنة، واعدين في كل عام بتحقيق ما تعجز عن تحقيقه اعظم الدول تقدماً، فإذا حال العام القادم اسوأ من سابقه في كل شيئ. بل تقية يعملون بها لا من اجل صيانة دين او حماية عقيدة، كما ارادتها التعاليم الدينية التي يومنون بها، إذ ان هذه المسألة الفقهية جداً، في نظرهم، ظلت تلازم فقههم الأعوج هذا في اعلان الحرب على كل ما لا يصب في دهاليز وثنايا هرطقاتهم حول الإيمان وتفسيراتهم له والتي اوصولوها إلى حد التنكر للوطن وهويته، مغلبين عليها هوياتهم الطائفية وانتماءاتهم المذهبية بحيث اصبح المؤمن الحق لا يدري هل هو يؤمن بدين السماء ام بدين هؤلاء الفقهاء.
لقد نطق البعض من مريدي الإسلام السياسي مؤخراً، بعد ان ازعجت جنابهم المظاهرات الأخيرة التي تطالب من خلالها الناس ببعض حقوقها المشروعة والمنهوبة منهم ومن احزابهم الحاكمة، متوكلاً هذا البعض على كل ما يؤمن به ومتهماً العلمانيين والشيوعيين بوقوفهم خلف هذه المظاهرات والإعداد لها وتنظيمها. لا نريد التعمق في مناقشة هذه الإتهامات وصحتها من عدم صحتها، إذ ان ذلك لا يجدي نفعاً مع مثل هؤلاء الذين لم تزل ادمغتهم مشبعة بفتاوى معاداة الشيوعية وكل فكر يعتقدون، حسب معلوماتهم البدائية، قربه منها. وقد اثبتت لنا تجربة العراق في السنين التي تلت سقوط دكتاتورية البعث بأن هؤلاء الإسلاميين الذين كانوا يحبذون انتهاج نفس طريق البعث في محاربة الشيوعية وانصارها في العراق، ويحبذون عدم التقاطع مع فكر البعث الأسود في كل ما يتعلق بالحرب على الحزب الشيوعي العراقي ومؤيديه ومناصريه في وطننا، قد استعاضوا عن ذلك بالعلمانية التي اخذوا يطلقون عليها اوصافاً يستهزء بها كل من يفقه المبادئ العامة للعلمانية، لا تفاصيل تطبيقاتها التي عاشها اكثرهم في دولها التي تشكل عطاياها لهم نصف ما في لشتهم من لحم ودم.
هذه الورقة الأخيرة التي يحاول بعض الإسلاميين خداع الناس بها سوف لن تجديهم نفعاً ايضاً وسوف يلاحقهم الفشل الذريع من خلالها، كما لاحق الذين من قبلهم، فذهبوا هم وبقي الحزب الشيوعي العراقي يناضل دون هوادة مقدماً الآلاف من حياة مناضليه على مختلف سوح النضال في سبيل وطن حر وشعب سعيد.
في الحقيقة إن دل هذا التوجه الجديد لدى بعض الإسلاميين على شيئ فإنه يدل على امور كثيرة هامة اولها نفاذ كل ما في جعبة هؤلاء المتدينين، حتى النخاع، بان دينهم الذي خرجوا به على الناس لا علاقة له بدين الأكثرية من المؤمنين بدين السماء لا بهرطقاتهم هذه. وثانياً ان هؤلاء المؤمنين يعيشون اكاذيب ووعود الإسلاميين العرقوبية لهم منذ ثلاثة عشر سنة وقد نفضوا ايديهم منهم بعد ان عاثوا في الوطن سرقات ونهباً وإثراءً فاحشاً على حساب قوت الجماهير الفقيرة التي اصبحت لا تهمهم في شيئ بعد ان امتلأت حساباتهم المصرفية، خاصة خارج العراق، وبعد ان ازدادت عماراتهم الشاهقة طوابق فوق اخرى، فخرج الشعب بآلاف متزاحمة، لا بالعشرات كما ادعى بعضكم، ليقولها بوجوهكم … تباً ثم تباً لكم. وثالثاً، ومما زاد في دعم هذا الحراك الجماهيري الذي تحيلونه إلى العلمانيين والشيوعيين، وهذا فخر لهم إن صح ذلك، هو كشف الغطاء عن فسادكم من قبل المرجعية الدينية الرشيدة التي دعت إلى التضامن مع المتظاهرين و” الضرب بيد من حديد” على المفسدين واعوانهم وكل من يسير على خطاهم، وهؤلاء المفسدون ليسوا بغريبين عنكم، فهم اما أخوة لكم في الحزب او شبيه لكم في اللصوصية والحرمنة والتلاعب بخيرات البلد وحقوق الفقراء والأيتام والإثراء الفاحش على حسابهم، ولا غرابة في ان تقف بعض احزابكم صراحة ضد الإصلاحات التي اطلقها مؤخراً السيد رئيس الوزراء وبطلب من المرجعية الدينية، وبذلك اثبتم بما لا يقبل الجدل بان ما تدَّعونه بتمسككم بتعاليم المرجعية الدينية ما هو إلا كذبة من اكاذيبكم الكثيرة التي تمارسونها منذ سنين طويلة. ورابعاً خوفكم الذي لا حدود له، خاصة بعد ان علت الصيحات بتفعيل قانون من اين لك هذا؟ والذي سيطالكم جميعاً لا محالة، ويوم لا ينفع ندم ولا يغني عن العقاب جبهة مكوية او خواتم فضية او بسملات وحوقلات هرطقية. وخامساً ان هذه الجماهير التي هزت باصواتها كياناتكم الهزيلة، هزت في نفس الوقت كيان الإرهاب الاسود الذي يتصدى له المقاتلون العراقيون الأبطال. فالإرهب الداعشي وغير الداعشي الأسود ما هو إلا نتاج سياساتكم الفاشلة وباسناد من شركاءكم من البعثيين والإرهابيين داخل وخارج المؤسسات الحاكمة والذين اتيتم بهم انتم لا غيركم لكي تحافظوا على مناصبكم الهزيلة في الدولة العراقية الاكثر هزالاً، فانتعش الإرهاب بين صفوفكم وصفوف هؤلاء الشركاء الذين طالما حذرت الجماهير من تسلطهم على المؤسسات الحكومية وقيادتهم لبعضها وتفعيل اجندتهم الإرهابية من خلالها.
هناك امور كثيرة اخرى جعلت من هذه المظاهرات والإحتجاجات الجماهيرية الواسعة والمستمرة دون انقطاع حتى تتحقق مطالب هذه الجماهير، شوكة تدمي عيونكم التي لم تعد ترى ما يجري حقاً على ارض الوطن وكيف يعيش فقراؤه الذين تتكاثر اعدادهم باستمرار منذ استلامكم مقاليد امور هذا البلد وحتى الآن. إلا ان الأمر الذي يضج مضاجعكم فعلاً وما تعيشونه، حتى في احلامكم، وما تعتقدون به ويجعلكم في حيرة من امركم، فاقدي العقول كالمجانين، وما يقلق حياتكم التي لم تعرف القلق طيلة هذه السنين، هو السؤال الذي بدأ يتمحور في عقولكم : هل ان هذه الجماهير الغفيرة الثائرة والقوية العزيمة والتي لا تتلكأ عن مواصلة النضال في سبيل حقوقها هي حقاً جماهير الشيوعيين والعلمانيين او انهم يشكلون نسبة منها؟ قلقكم هذا يفرحنا ايها السادة، فطالما عشتم بعيدين عن هذا القلق الذيب تعيشه هذه الجماهير منذ سنين، فتذوقوه هذه المرة. وحسب هذا التصور الذي يقلقكم لابد للمرء هنا من ان يهنئ الشيوعيين والعلمانيين على هذه ” التهمة “. ولا ندري فقد يعود البعض لإحياء تراث نوري السعيد وبهجت العطية وجلاوزة البعث بطلب إعلان براءة الشيوعيين والعلمانيين من هذه التهمة وإحياء النص المقبور ” يتهمني البعض …”
لكننا نقول لكم بصراحة ان هذه الجماهير التي تتظاهر اليوم والتي ستستمر على التظاهر لا تخلو من الشيوعيين والعلمانيين الذين لهم الشرف مشاركتها والسير معها دون ان يعملوا على اعطاء هذا التحرك الجماهير اية صبغة حزبية او اي توجه سياسي معين غير ذلك التوجه العراقي البحت الملتصق بالعراق والعراق فقط واهله. انها حركات شعبية دعت لها منظمات مختلفة من منظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية والتجمعات الشبابية وكلها تدعوا إلى الإصلاح والإصلاح فقط الذي لا يمكن تحقيقه إلا بإزالة المفسدين واللصوص من منتسبي احزاب الإسلام السياسي والأحزاب القومية الشوفينة العربية منها والكردية وكل من يقف في هذا الصف، صف اللصوص اعداء الشعب والوطن.