كاظم فنجان الحمامي
هلا سأل أمراء المنطقة الخضراء أنفسهم في لحظة من لحظات تبطرهم السياسي عن ماهية الظروف القاهرة، التي دفعت أولاد الخايبة لمغادرة العراق إلى غير رجعة ؟، وكيف توجهوا مع أطفالهم وشيوخهم نحو سواحل البحر الأبيض المتوسط، ليتشبثوا بحطام قوارب الموت، ويغرقوا في قيعان أغواره السحيقة ؟.
ألم يسمع أمراء الخضراء بأسطول سفن الأحزان التي غادرت سواحل (صقلية) برفقة الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون)، وبعض زعماء الاتحاد الأوربي لتقييم الأوضاع الإنسانية بعد سلسلة الكوارث التي راح ضحيتها مئات العراقيين الهاربين من جحيم التراكمات الأمنية والخدمية الخانقة ؟.
أيعقل أن تمد المستشارة (أنجيلا ميركل) يد الرحمة والشفقة لأهالينا في المنافي الألمانية، فتحتضنهم وترعاهم وتوفر لهم الأمن والأمان، ولا تمتد لهم أيادي المتظاهرين بالإحسان من الذين لا يحسنون شيئا سوى جني ثمار المزايا السخية وشفط رحيق العطايا البرمكية ؟. أيعقل أن ينشغل السياسيون العراقيون بتحقيق المزيد من المكاسب النفعية على حساب الطبقات المسحوقة من أولاد الخايبة من دون أن يحاولوا ترقيع الأوضاع المعيشية المزرية، ومن دون أن يكون لهم أي موقف وطني في هذه الفواجع المتكررة ؟.
ألا يعلم أمراء الخضراء بمحطات القطار الهنغارية، التي تحولت في (بودابست) إلى ملاذات طارئة ومخيمات تغص باللاجئين العراقيين ؟. ألم يشاهد الأمراء تلك اللقطات المخزية التي ظهرت فيها صور الجثث العراقية المبعثرة على الشواطئ الأوربية ؟. ألم يسمعوا بفضيحة الصهاريج التركية المعبئة بأجسادهم المضغوطة، والتي راح ضحيتها العشرات ؟، ألم يخجلوا من أنفسهم وهم يشاهدون هذه المناظر المأساوية المؤسفة ؟.
أي ضمائر معطوبة هذه التي فقدت مروءتها وتنكرت لأبناء جلدتها ؟، وأي مصيبة هذه التي وقعت فوق رؤوسنا حتى يتحول أهلنا إلى مهاجرين غير شرعيين، يسبحون بأجسادهم العارية في بحار الله الواسعة، ويتنقلون مذعورين من مرفأ إلى أخر، تتقاذفهم الأمواج العاتية، وتبعثرهم التيارات المائية العنيفة فوق صخور السواحل اليونانية والإيطالية والتركية ؟، وأي مصير أسود هذا الذي ظل ينتظرهم في الجزر النائية، ويطاردهم في عرض البحر ؟.
العالم كله يقف الآن بحزم مع العراقيين الفارين من مخيمات السيرك السياسي، والمدن الأوربية تحتضن الهاربين نحو مخيمات الذل والهوان من دون أن نسمع كلمة مواساة واحدة يطلقها أمير من أمراءنا المنشغلين هذه الأيام بتسفيه احتجاجاتنا الوطنية المصيرية، وآلاف القنوات الفضائية الغربية تنقل للعالم مسلسل اللقطات المفزعة لقوارب الموت الغارقة في جوف البحر. بينما تنشغل معظم الفضائيات العراقية باستعراض الوعود الكاذبة التي يطلقها بعض المحسوبين على إدارات تلك الفضائيات الرخيصة. ألا يحق لنا بعد هذه المآسي الوطنية المؤسفة أن نطالب الحكومة بإلغاء وزارة حقوق الإنسان العراقية، التي لم يكن لها أي دور إنساني في هذه الفواجع المؤلمة.