كاظم فنجان الحمامي
حتى المعلم الثاني (الفارابي)، الذي رسم ملامح مدينته الفاضلة فوق مروج الوهم والخيال، لم يرتق في خياله التوصيفي إلى سقوف المعجزات الكونية، ولم يمتلك الجرأة لإطلاق صفات الملائكة وسماتهم على أمراء جمهورية افلاطون. فكيف تحول العراق الآن في نظر بعض أقطاب الحكومة – رغم كل هذا الفساد المستشري في أروقتها – إلى دولة ملائكية من الطراز الفريد، وهل اجتماع الفرقاء حول طاولة واحدة يلغي تراكمات الفساد والإفساد، ويعيد لهذا الشعب الصابر ملياراته المسروقة، وثرواته المنهوب، وحقوقه الضائعة ؟.
ثم ما الذي يضطر سكان جمهورية الملائكة لمغادرة هذا الفردوس المزعوم، وما الذي يدفعهم للفرار منه خفافاً نحو المنافي البعيدة، ومواجهة أهوال الرحلات الشاقة، والأمواج المتلاطمة، والغرق في لجة البحر، والموت فوق رمال السواحل النائية ؟.
وأي قوى خفية هذه التي جعلتنا نحن أبناء العراق ننتخب الملائكة في صناديق الاقتراع من دون أن نعلم أننا السبب المباشر لمجيء هذه الحكومات الملائكية ؟، وكأننا نمتلك طاقات خارقة تجعلنا نختار الأفضل والأكثر عفة ونزاهة ؟، فلماذا تتهكمون علينا أنتم الملائكة، ولماذا تستخفون بنا من وقت لآخر ؟، رغم علمكم المسبق أننا نحن الذين صنعناكم ؟، ألا ترى ملائكة المنطقة الخضراء كيف جاء ترتيبنا في قعر الترتيب الأممي وفي ذيل القوائم الدولية في تقييم الأوضاع الأمنية، وفي تقييم المستويات المعيشية والتعليمية والتشغيلية ؟.
قد يصل جنون العظمة ببعض الزعماء إلى انتحال خصال الملائكة والأنبياء، وقد يشطح بهم جنونهم نحو ادعاء الألوهية، لكننا لم نسمع بحكومة مصابة بجنون العظمة، ولم نسمع بوزراء وسفراء ومدراء يحلقون بأجنحتهم الشفافة في فضاءات البروج الملائكية العالية.
أيعقل أن تتسامى الحكومة العراقية إلى هذا المستوى الملائكي رغم اعترافها على لسان قادتها بالفشل الذريع ؟، ورغم اقرارها بجرائم الوزراء المفسدين، الذين نخروا جسدها بالطول والعرض ؟. أيعقل أنها فقدت توازنها السياسي، وانزلقت في متاهات العظمة والسمو حتى جاء اليوم الذي زعمت فيه بانتمائها إلى طبقة الملائكة ؟.
لو افترضنا أن حكومتنا نزيهة 100%، وأنها مؤلفة من ثلة من المؤمنين، فأننا نذكرهم بآية واحدة وردت في سورة (الحشر) هي الآية الثامنة عشر. آية واحد يأمر فيها رب العزة جمهور المؤمنين بلهجة صارمة حازمة: أن يتقوا الله. مرتان لا مرة واحد. تتكرر عبارة (اتقوا الله) في كلام موجه مباشرة إلى المؤمنين وليس إلى الكافرين.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
فمن غير المعقول أن تكون حكومتنا مؤلفة من المؤمنين والمؤمنات، ومن الحواري والملائكة ؟. وحتى لو كانت كذلك. ألا يحق لنا بعد كل هذا العناء أن نقول لحكومة الملائكة: اتقوا الله، ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين