عبد الجبار نوري
في مقابلة متلفزة في 4-11-2013 لرجل القانون الدكتور ” مالك دوهان الحسن ” وزير سابق بعنوان دراسات وأبحاث قانونية قال : الدساتير نوعان ، الدساتير الجامدة والتي يمنع بها المشرع الأجتهاد والتأويل بشكلٍ مطبق ، ويقيدها تقييداً كاملاً ، والأخرى الدساتير المرنة فيها يعطي المشرع الحرية في معايشة بعض الفقرات حسب الظروف المستجدة ، ويضيف على اللجنة المكلفة بكتابة الدستور أنْ تضع نصب عينيها ” عبارة الصياغة في الدستور ” وأهميتها تكمن في هذا السؤال هل الفقرة كذا قابلة للتطبيق ؟ أم عصيّة مثيرة للجدل ، ويتمحور كتابة الدستور حول 1- النظام العام 2- الآداب العامّة / أنتهى.
أي دستورٍ نريد ؟؟
ونحن لا يهمنا النوع بقدر ما يهمنا أن يتضمن الدستور بين دفتيه ما يمنع خرقهُ ، أو التحايل عليه ، وأن يكون واضحاً وشاملاً لا يقبل التأويل ، ويرفض مبدأ حمالة الأوجه ، ودستور يوحد العراق ولا يقسمهُ ، ودستور يؤكد على أستقلال القضاء ، والفصل بين السلطات ، ويحقق الضمانة لظهور جميع مؤسسات الدولة التي هي ركيزة الديمقراطية ، ودستور يحقق مباديء حقوق الفرد في الحريات الشخصية التي كفلتها المباديء الأممية في فوانين الأمم المتحدة .
وللأجابة على السؤال أعلاه أجاب الدكتور والباحث منذر الفضلي في كتابه ( مشكلات الدستور العراقي ) ويبدأ بشكلية الكتابة وأخرى متعلقة بفن الصياغة ومن بعدها مشكلة التفسير للنصوص الدستورية ، وتحديد الجهة المختصّة بالتفسير ، وذكر الباحث ثمانية مفاهيم حول تعديل الدستور :
1-أنّ الدستور كُتب وسط أجواء كان فيها أستعجال بلغت المحاصّة ذروتها .
2- بسبب المخاوف من الماضي ، وُضعتْ نصوص الدستور بصورة قيدت سلطات المركز في الحاضر والمستقبل .
3- يجب أنْ لاتكون اللامركزية هي الدكتاتورية ، وما يخشى منه أنْ تكون الفيدرالية تصادر الدولة .
4- وجود حيرة من النصوص ” الغائمة ” والغير واضحة .
5- أنّ هناك تجاوزات من أطراف الأقليم والمحافظات في النظام الفيدرالي ، ولا بُدّ أنْ تكون حكومة المركز قويّة .
6- أنّ حصر صلاحيات الحكومة الأتحادية وفتح باب الصلاحيات للأقليم والمحافظات غير صحيح أي أن تكون للحكومة الأتحادية الصلاحيات الواسعة دون الأقليم والمحافظات .
7- أنْ يكون الأمن مركزبيد الحكومة الأتحادية فقط ، وأنّ السيادة مسؤولة عنها حكومة المركز .
8- أنْ يجري تعديل الدستور المطلوب وطنياً عراقياً وفقاً لهذه المفاهيم .
في 15-10-2005 كتب الدستور العراقي الجديد في ظل مجلس الحكم في بأشراف بريمر – في عهد الأحتلال الأمريكي- كتب على عجل ولم يدرس من قبل جميع خبراء القانون ، وتنقح بآراء وأفكار الأحزاب الوطنية ذات التأريخ العريق ، وكذلك الأطلاع على دساتير العالم المتمدن التي قطعت زمنا طويلا في الديمقراطية، بل كتبت بأقلام المحاصصة للكتل الكبيرة المسيطرة والمؤيدة من قبل المحتل ، فوضعت كل فئة متطلباتها المستقبلية وبسقوف عالية للحصول على الأمتيازات العالية فلذلك ولد حاملا فايروس الشحن الطائفي والأثني في المحاصصة ،ومليئة بالألغام ، بشهادة رئيس الوزراء في حديث متلفز في شهر آب 2013 قائلا: (أن الدستور العراقي ملغم ) أنتهى . و أنه حمالة أوجه في التفسير، فكل يفسره على هواه وتحقيق آمال كتلته المشروعة والغير مشروعة ، حينها أصبح الدستور الباب الواسع لتقسيم العراق الى كنتونات صغيرة ودويلات متنافرة ومتخاصمة ،فعندما يحتدم الصراع والمماحكات والنقاش بين ساسة المحاصصة تنعكس تداعياتها السلبية على الوضع الأمني والسياسي والأجتماعي والأقتصادي، لأن كتابة الدستور لم يفصلوه على العراق بل على مقاساتهم هم ، وكأن العراق مشروع غنائم حرب بأسهم غير عادلة حسب قوة ومركز الكتلة ونفوذها وقربها من المحتل – كما كان يجرى في زمن الفاتحين في غزواتهم(فذاك له الذهب والفضة وآخر له الجمال والخيول المسومة ، والسبايا الجميلات للقائد الأوحد ، ولعامة المقاتلين الشعير والتمر-، وعندما صوت 12 مليون من الشعب العراقي على هذا الدستور كان محبطا محاطا بالفقر والجهل والمرض واليأس والقمع وكم الأفواه مدة 40 سنة من الدكتاتورية والحروب العبثية الطاحنة وأهدار ثروات العراق في نزوات حكامه فوافقت ووقعت على بياض (على الثقة) ، – ولو أن القانون لايحمي المغفلين- وتنطبق على الناخب العراقي هذه الحكمة { الشعب الذي ينتخب الفاسدين والأنتهازيين والمحتالين والناهبين للمال العام والخونة لا يعتبر ضحيّة بل شريكاً في الجريمة } جورج أوريل / روائي كوبي .
ومن هذه الألغام التي طفت على السطح، وأكتشفها الشعب العراقي ليس عن طريق المجسات الآلكترونىة بل عن طريق فوضوية مجلس النواب وأسلوب التسقيط السياسي المجرد من أخلاقيات وقواعد المناقشة ، فهي كثيرة –لكل لغم وقته و رجاله- منها اللغم الكارثي {المادة 41 }هي مادة دستورية خلافية تنص:على (أتباع) كل دين أو مذهب أحرار في ممارسة الشعائر الدينية ،وحرية كل دين او مذهب في رسم خارطة طريق في حل أشكاليات أتباعها في مجال الأحوال المدنية ، والمآخذ على هذه المادة من الدستور ترسيخ لحالة التباين الطائفي بين أفراد المجتمع الواحد ذي الديانة الواحدة ، ووضع حواجز (كونكريتية)بين الطوائف المذهبية وأعترفت بظاهرة التعدد المذهبي والطائفي بين المواطنين وشرعنها الدستور بصفة رسمية في الدولة،بل أعطتها أساسا دستوريا في تكريس وتعميق حالة الخلافات والمماحكات والتي تدفع الفرد للولاء والتخندق الطائفي – في الدين الأسلامي – والذي رفع القانون رقم 188/ 59جميع هذه التداعيات بأتفاق فقهي بين رجال الدين والقانون والتمحور حول المشتركات بين المذاهب والديانات،وتعتبرالمادة 41 الخطوة الأولى لأظهار اللغم الكبير الذي وضع في الدستور لنسف جميع المنجزات البسيطة التى حققتها المرأة العراقي .
فهو دستور قدمه الأمريكان لشعب العراق الغارق بالدماء سابقا حيث الحروب العبثية ولاحقاً حيث الفلتان الأمني والغارقة بالأزمات ، ولسابقة خطيرة في تأريخ المستعمرين أنْ يعلن الأمريكان أنهم محتلون بالرغم من معارضة الأمم المتحدة ، فولادة الدستور كان غير عراقياً ” خديجاً” ناقصاً لكون ولادته كان من صفقة بين كتلة الأئتلاف الوطني والكردستاني تحت مظلة التواجد العسكري الأمريكي ، فأصبحت التشريعات القانونية وكيفية تنظيمها والتصويت عليها متأثرة بتوجيهات المحامي الضليع بالقانون الدولي ” بريمر ” وتسهيلات المعارضين الذين دخلوا مع المحتل ، لذا علينا أنْ نعلم من خلال تقييم مضمون مسودة الدستور العراقي الصادر من مجلس الحكم العراقي أنّ الغزو الأمريكي للعراق وأحتلاله ، والمشروع الأمريكي الشرق أوسطي الكبير والتي عبّر عنها وزير الخارجية الأمريكية في شهادة أمام الكونكرس الأمريكي بقوله { أنّ الهدف من أحتلال العراق هو أعادة صياغة الدستور العراقي الحالي بما يخدم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة والعالم }
أخيراً ليس لنا أختيار غير التعديل بهذه التوجيهات :
1-يجب أنْ تعرض التعديلات على مجلس النواب دفعة واحدة للتصويت عليها . 2- لا تقر هذه التعديلات ألابموافقة أغلبية مطلقة لعدد أعضاء المجلس ، أي ينال التعديل ما لا يقل عن 138 صوت . 3- طرح المواد المعدّلة للأستفتاء الشعبي خلال شهرين من تأريخ أقرار التعديل في مجلس النواب . 4- من الخطأ العجلة من أتفاق ثلاثة كتل وقوى سياسية لأحتساب الدستور دستوراً دائماً ، فكان من المفروض أنْ يبقى هذا الدستور مؤقتاً ليعطي فرصة مناسبة لمراجعة وتصحيح أي خطأ أو نواقص أو غموض في الدستور أثناء التطبيق .