أحمد الشرقاوي / مصر
سـؤال: هل نسقت موسكو عملياتها العسكرية مع واشنطن في سورية؟..
جــواب: قال الرئيس أوباما جوابا على هذا السؤال، خلال حوار مع برنامج “60 دقيقة أجرته معه قناة “سي بي إس” الأمريكية نهاية الأسبوع المنصرم: “إن واشنطن علمت بأن روسيا تعتزم تقديم مساعدة عسكرية للرئيس السوري بشار الأسد، ولذلك لم تكن هذه العملية العسكرية الروسية في سوريا مفاجأة كبيرة لنا”.
أوباما يكذب حين يقول أن العملية العسكرية الروسية في سورية لم تكن مفاجئة كبيرة لإدارته، لأنه علم بها من جهة لم يحددها، وهي قطعا لم تكن موسكو، لأنه يعترف ضمنا بأنها كانت مفاجئة، لكن لم تشكل مفاجأة كبيرة كما يفهم من سياق الكلام.
وإلا، كيف يمكن تفسير طلب الكونجرس استجواب الإدارة الأمريكية حول إخفاق جهاز الاستخبارات الخارجية (سي آي إي) في توقع الإنزال الروسي على شواطئ سورية بشكل مبكر والتحذير من نشاطات روسيا في سورية؟..
كما وأن نفس الجهاز فشل في معرفة أهداف موسكو وأبعاد حملتها العسكرية التي لن تقتصر على سورية فقط، لتشمل العراق أيضا.. بدليل، أن غرفة التنسيق التي أقيمت في العراق بين (4+1) صدمت الإدارة الأمريكية وأثارت جنونها، وكان ضابط روسي هو من طلب من القيادة الأمريكية في العراق ساعات قليلة قبل بدء العمليات العسكرية في سورية بإخلاء المجال الجوي السوري من طائرات التحالف، في تحدي واضح من ‘بوتين’ لـ’أوباما’ يقول: “الأمر لي في سورية”..
وهو ما يفسر أيضا لجوء الإدارة الأمريكية لحملة ضغوط شديدة على الحكومة العراقية بعدم تقديم طلب رسمي يؤسس عليه الروسي شرعية دخول الحرب على الإرهاب في بلاد الرافدين كما فعل في سورية في التفاف ذكي على مجلس الأمن، برغم موافقة المرجعية الدينية والحشد الشعبي، كما أن واشنطن وعدت المكون “السني” بدولة مستقلة إن هو عارض الأمر عند طرحه للتصويت في البرلمان.
من جهته، علق الرئيس الروسي ‘فلادمير بوتين’ على قرار الإنزال العسكري في شواطئ سورية خلال حوار أجرته معه القناة الفضائية الروسية الأولى ضمن برنامج “مساء الأحد” بالقول: “الاستخبارات الأمريكية هي إحدى أفضل الأجهزة في العالم، لكنها لا تعرف كل شيئ، ولا ينبغي لها ذلك”، وهي لغة دبلوماسية رفيعة تقول للأمريكي بلغة الإشارة دون أن تفصح عن ذلك بصريح العبارة، أن الاستخبارات الروسية تفوق استخباراتكم ذكاءا وحنكة وقدرة.
بالمحصلة، ما كشف عنه الرئيسين كل من جهته، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أنه لم يكن هناك علم ولا تنسيق بين موسكو و واشنطن حول العمليات العسكرية الروسية في سورية، وأن موسكو بدخولها المفاجئ الحرب على الإرهاب في سورية، وضعت أمريكا وحلف الناتو أمام الأمر الواقع، وهو التحدي الذي لا تعرف الإدارة الأمريكية كيفية التعامل معه حتى الآن، ونالها من الانتقادات بسببه ما لم ينله ‘كافور الإخشيلي’ من المتنبي.
سـؤال: إذا كان الحل في سورية كما يؤكد جميع الفاعلين في الأزمة السورية هو سياسي لا عسكري، فلماذا قررت روسيا اعتماد الخيار العسكري وتأجيل الحديث عن الحل السياسي لما بعد الحسم مع الإرهاب؟..
جــواب: من تصريحات الرئيس ‘بوتين’ ووزير خارجيته ‘لافروف’ في الفترة السابقة، يستشف أن “الكرملين” وصل إلى قناعة حاسمة ونهائية مفادها، أن كل الجهود التي بدلتها موسكو من أجل توفير الظروف المناسبة لحل سياسي متوافق عليه بين النظام الشرعي في دمشق وفصائل المعارضة “المعتدلة” باءت بالفشل، لأنها كانت تصطدم بشروط بعض الفصائل التي لا تملك قرارها الوطني المستقل من جهة، ولأن هدف واشنطن من جهة أخرى، لم يكن إرساء الديمقراطية واحترام إرادة الشعب السوري في اختيار من يمثله، بل كانت تسعى بكل ما أوتيت من مكر وخديعة، ومن خلال توظيف الإرهاب حد الاستنزاف، لنقل سوريا إلى موقع غير الموقع الذي يريده الشعب السوري ويدافع عنه الرئيس الأسد بأمانة بلغت حد الإستماتة، ونقصد بذلك محور الممانعة والمقاومة..
وكانت نظرية أمريكا التي هي في الأصل نظرية “إسرائيلية” تقول: أنه “إذا كان لا بد للشر أن يسود، فانه يجب السماح للإرهابيين ان يسودوا على أن يسود الأسد”، ومرد ذلك يعود إلى قناعة الحلف الصهيوني الغربي والعربي مؤداها، أن “محور المقاومة الممتد من طهران إلى بيروت، يمثل الخطر الوجودي الأكبر على ‘إسرائيل’”، وفق ما أبلغه السفير الصهيوني السابق في واشنطن للإدارة الأمريكية في رسالة رسمية بعد انتهاء خدمته عام 2013، حسب ما أورده موقع “منت بريس نيوز” الأمريكي اليوم في تقرير عن الموضوع.
ومن وجهة نظر الكيان الصهيوني التي يتبناها حلفاء وأدوات أمريكا جميعا وفق نفس التقرير، فإن “إسرائيل”، كانت تفضل أن “يحكم الشام دمية مدعومة من الغرب، وإذا تعذر ذلك، فالأفضل بالنسبة لها أن تحاط بمسلمين غارقين في دوامات المذابح الطائفية على أن تكون على حدودها دولة علمانية ذات قيادة مستقلة عقلانية وجيش منضبط”. وهذا هو ما يفسر سبب دعم الكيان المجرم للعصابات الإرهابية في الجنوب بالمال والسلاح، والمعلومات الاستخباراتية، والتغطية النارية من الجو والبر كلما تطلب الأمر ذلك، بالإضافة لعلاج جرحى الفصائل التكفيرية في المستشفيات الصهيونية.
والمتابع لمواقف وتصريحات القادة الأوروبيين، يكتشف بسهولة، أن لا أحد منهم يعرف بالضبط ما المطلوب القيام به لحل الأزمة السورية، فكل تصريحاتهم تمويهية لا تعني ما تقول، ولا يستشف منها موقف مبدئي واضح يمكن البناء عليه لوضع تصور مقبول للحل السياسي في سورية، ومرد ذلك، أنهم ومن باب رفع العتب، يمررون الوقت بتصريحات جوفاء غامضة، في انتظار أن تتغير موازين القوى على الأرض، وتصدر من واشنطن التعليمات بما يجب عليهم القيام به.
لذلك، قالت رئيسة الوزراء ‘أنجيلا ميركل’ في مقابلة مع صحيفة “بيلد” الألمانية الاثنين 12 أكتوبر/تشرين الأول: إن “دبلوماسية الغرب كله وكذلك الدول العربية وروسيا والسلطات في المنطقة لم تحقق أي نجاح في سوريا حتى الآن، إنها حقيقة مرة”، مضيفة، أن أزمة الهجرة إلى أوروبا “تظهر لنا أن سوريا توجد على بوابة أوروبا”.. وبهذا المعنى، فأوروبا تدفع ثمن تبعيتها العمياء للسياسات الصهيو – أمريكية، ولا تحصد من ورائها غير الأزمات، ناهيك عن التوقعات التي تتحدث عن قرب انفجار الإرهاب في عقر دارها، بعد أن تسلل إليها عديد التكفيريين مندسين مع اللاجئين وفق ما أكدت الاستخبارات الروسية.
وبالنسبة للموقف من الإرهاب، قالت مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية ‘فيديريكا موغيريني’ الإثنين: “إن خطوات الأطراف المعنية يجب أن تكون موجهة ضد داعش وغيره من التنظيمات التي تعتبرها الأمم المتحدة إرهابية”. ويلاحظ المراقبون، أن المسؤولة الأوروبية لم تأتي بجديد، بل اكتفت بتكرار ذات الموقف الذي يقول به الجميع، بما في ذلك من يدعمون الإرهاب، وأن مثل هذه التصريحات الهلامية موجهة بالأساس للاستهلاك المحلي، ولا يمكن أن ينتج عنها شيئ إيجابي يذكر في غياب التوافق بين الأطراف حول تحديد تعريف واضح للإرهاب.
سـؤال: لكن، إذا كانت كل الأطراف الدولية تجمع على أن الهدف هو مكافحة الإرهاب، فلماذا لم تنخرط روسيا في حلف واشنطن لمحاربته؟..
جــواب: نظريا، كل القوى الدولية الفاعلة في الأزمة السورية تقول أن لديها موقف مشترك من الإرهاب، يستند إلى قرارات الأمم المتحدة المتخذة في هذا الشأن، لكن عمليا، واشنطن ترفض إخضاع حلفها الستيني لمظلة الأمم المتحدة، مت يؤكد أن هدفها الخفي في سورية هو غير المعلن، بدليل، أنها لا تقوم بأي مجهود يذكر لتطبيق القرارات المذكورة، خصوصا لجهة الضغط على أدواتها لوقف تجييش وتسليح وتمويل الإرهابيين كما نصت على ذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بل تسمح لهم ببيع النفط المنهوب وقطع الآثار المسروقة إلى “إسرائيل” وأوروبا، وهي من تتولى تدريبهم تحت يافطة المعارضة المسلحة “المعتدلة”، وقامت بتسليح داعش والنصرة بطريقة غير مباشرة من خلال “الجيش الحر” في سورية، ومن خلال ضباط عراقيين خونة دربتهم بمعرفتها فسهلوا للجماعات الإرهابية التمدد والانتشار والسيطرة على العتاد والسلاح والبنوك في العراق، ودعمت “داعش” بـ 800 “بيـك آب” ماركة “تويوتا” قالت أنها قدمتها للمعارضة المعتدلة، وفتحت تحقيقا مع شركة “تويوتا” اليابانية” لمعرفة مصدر بقية العربات، وهي تعلم أن “السعودية” وقطر هما من يشتريان هذا النوع من العجلات ويمررانه للإرهابيين في العراق وسورية.
بل وصلت بها الوقاحة حد تسليح الإرهابيين بطريقة مباشرة من خلال إلقاء السلاح من الجو في العراق في أكثر من مرة ومناسبة وفق شهادات وصور موثقة لدى الحكومة العراقية، واليوم الإثنين، ها هي وكالات الأنباء تتحدث عن أن واشنطن ألقت بـ 50 طن من السلاح من الجو للإرهابيين في الحسكة، تنفيذا لأمر الرئيس أوباما بـ”أفغنة” سورية لإفشال روسيا في حربها على الإرهاب وفق ما يتوهم.
وكان الرئيس ‘أوباما’ قد أعلن في حواره مع برنامج “60 دقيقة” مع قناة “سي بي إس” الأمريكية أمس، أن “واشنطن تنوي مواصلة دعم ‘المعارضة المعتدلة’ التي سوف تقاتل من أجل خروج الأسد، لكنها لا تخطط لعملية عسكرية في سوريا”، وبالتالي، أصبح سيناريو “الأفغنة” الذي تحدثنا عنه في مقالتنا ما قبل الأخيرة، بالنسبة للمرحلة القادمة واضحا وضوح الشمس في قبة السماء..
هذا بالرغم من أن الرئيس ‘بوتين’ أعلن رسميا في حديثه للفضائية الروسية الأولى أمس الأحد، أن بلاده لا تنوي التدخل عسكريا على الأرض في سورية، لأنها تتبع سياسة خارجية محبة للسلام، ولا تحتاج لأراضي وموارد الآخرين، ولا محاربة ومنازعة أية جهة، كما أنها لا تريد التدخل في النزاع الديني في سورية، ولا تفرق بين الشيعة والسنة..
وبالتالي، فخطة روسيا في سورية، تقتضي دعم الجيش العربي السوري من الجو ومرافقته في عملياته على الأرض، وأن العمل العسكري الروسي الداعم لن ينتهي حتى تنتهي القوات السورية من تطهير الأرض من التكفيريين، كل التكفيريين، لأنه بالنسبة لروسيا، لا وجود لمعارضة “معتدلة” في سورية كما تدعي أمريكا خلافا لما أعلنته أمام الكونجرس من أنه لم يبقى منها سوى 4 أو 5 عناصر فقط لا غير..
لكن ما يؤكد منحى “الأفغنة”، هو إقدام المهلكة السعودية، وفق تصريحات مسؤول سعودي كبير رفض ذكر اسمه للإعلام، على تزويد التكفيريين عبر تركيا بـ 500 منظومة “تاو” ضد الدروع، وأشارت مصادر إعلامية أخرى إلى وصول 1000 منظومة “تاو” بمخزون كبير من الصواريخ إلى سورية، وهناك حديث عن قرب وصول صواريخ “ستنجر” الأمريكية المضادة للطائرات، لمواجهة “طيران الأسد الذي يقذف شعبه بالبراميل المتفجر” وفق المصدر، خوفا من استهداف الطيران الروسي بعد رسالة الصواريخ المجنحة التي وجهتها موسكو أساسا لتركيا و”السعودية” وقطر، معلنة نهاية لعبة ضخ الإرهابيين والسلاح إلى سورية.
ويتضح من زيارة ولي ولي عهد “السعودية” الغلام ‘سلمان بن عبد العزيز’ إلى “سوتشي” واجتماعه بالرئيس ‘بوتين’ على هامش تنظيم مسابقة “الفورمولا وان” الدولية لهذه السنة في روسيا، أن الرئيس الروسي أبلغ ضيفه أن موسكو، ترفض إقامة “خلافة إرهابية” في سورية، وتسعى للحفاظ على وحدة الدولة السورية وتدعم الحكومة الشرعية وحق الشعب في تقرير مصيره واختيار حكامه، وترفض أي تدخل خارجي في هذا الشأن.
هذا في ما حاول بن سلمان إبداء بعض المرونة بالاصطفاف إلى جانب الموقف الأمريكي والأوروبي القائل بإقامة حكومة انتقالية بصلاحيات واسعة، وقبول بقاء الأسد لفترة انتقالية بسلطات رمزية تنتهي برحيله في الانتخابات المقبلة.
وكعادة أمراء مملكة الشر والإرهاب، حاول ‘بن سلمان’ رشوة بوتين بمجموعة فرص جيدة للتعاون في المجال الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي، لكن الرئيس بوتين لمح لضيفه الذي يبدو أنه حديث العهد بممارسة الخداع، أن مجموعة اتفاقيات وقعتها موسكو مع الرياض عام 2007 و 2008 و 2009، في المجال العسكري بمبلغ 4 مليارات دولار لم ينفذ شيئ منها حتى الآن، وأن العاهر المقبور ‘عبد الله بن عبد العزيز’، سبق وأن عرض على الرئيس بوتين خلال زيارته لموسكو عام 2003 توظيف استثمارات بمئتي (200) مليار دولار في روسيا، لكن الوعد بقى بدون تنفيذ، وفق ما أكده موقع “روسيا اليوم” نقلا عن صحيفة “كوميرسانت” الروسية..
وبالتالي، لا يمكن للوافد الجديد أن يشتري الموقف الروسي المبدئي من سورية، وكل ما تصر عليه “السعودية” اليوم هو عدم تحالف روسيا مع إيران، وهو ما سبق للرئيس حسن روحاني أن توقعه بدهاء السياسي الخبير، وقال من نيويورك أثناء انعقاد الدورة 70 للأمم المتحدة، إن بلاده “لا يمكن أن تتحالف مع روسيا لمحاربة الإرهاب”، وبوتين نفسه لا يتحدث عن تحالف بالمفهوم العسكري الذي يتوهمه “السعودي” ومن يقف خلف زيارته، بل أفهم ولي ولي العهد السعودي، أن تحالف موسكو هو مع سورية لأن سقوطها يعني سقوط روسيا، أما إيران فهناك علاقات صداقة وتعاون.
هذا يعني، أن حلف موسكو وإن كان قائما في الأصل، إلا أنه غير معلن رسميا بسبب الحساسيات السياسية، ولتجنب السقوط في أتون الصراع الطائفي والمذهبي الذي تدرك خطورته طهران وتحضر له واشنطن والرياض..
ولهذا السبب يقول الحكماء الروس، أن للرئيس بوتين وجه أبيض حقيقي يتعامل به مع حلفائه المخلصين في سورية وإيران وحزب الله، وله أيضا 5 أقنعة، يستعملها وفق الحاجة وحسب متطلبات الطرف المحاور، فيخاطب الجميع كل حسب نيته، لكن لا أحد يستطيع وضع ‘بوتين’ في جيبه.
وخلاصة القول، أن الرئيس ‘بوتين’ قطع الشك باليقين حين أعلن أن لا تفاوض حول الحل السياسي في سورية قبل الانتهاء من تنظيف البلاد من زبالة الإرهاب، وأن زمن فرض الحكام من الخارج قد ولى إلى غير رجعة وجاء زمن الشعوب، ومصير الأسد لن يحدده سوى الشعب السوري دون غيره، شاء من شاء وأبى من أبى.
بانوراما الشرق الاوسط