الرئيسية / مقالات / عاشوراء.. صيام و فقهاء

عاشوراء.. صيام و فقهاء

معمر حبار / الجزائر

قضيت مساء يوم التاسع من عاشوراء مع العالم الفقيه بوعبد الله، أسمع منه في القضايا الدينية، فهو رجل أوتي الفقه والفكر، وصلابة في المواقف أعرفها عنه منذ التسعينات من القرن الماضي.
وحين عودتنا إلى البيت طلب مني أن أوصله لمسجد الحاج براهيم رحمة الله عليه بالبقعة، لأنه مدعو للفطور.
أوصلته ودخلت المسجد أصلي المغرب، وحين خروجي، يقول لي: صاحب البيت يطلب منك أن تحضر معنا الفطور، خاصة بعد أن علم أني صائم التاسع من عاشوراء. و تبدو علامات الغنى واليسر على صاحب البيت.
أخذت مكاني، إذ بصاحب البيت يطلب مني أن أنتقل إلى مكان لآخر لضيق المساحة في الجلسة التي إخترتها، فقلت له: لن أغيّر مكاني، وأترك شرف الجلوس مع العلماء والفقهاء، فقد كان المجلس يضم..
العالم الفقيه بوعبد الله، والإمام الفقيه الشيخ عمر مقدود، والإمام الشاب الجديد لمسجد الحاج إبراهيم، رحمة الله عليه، فما كان من صاحب الدار إلاّ أن نزل عند رغبة ضيفه، وأسرع في إكرامي وضيافتي.
وحين هممت بالجلوس أرضا، وهي عادة عهدتها منذ الصغر، خاصة حين لا يكون داعي لاستعمال الكرسي. هرع صاحب البيت وأعطاني كرسي لأستعمله في الجلوس، فوضعته جانبا وبهدوء تام، قائلا له: أيعقل أن أكون أعلى من العلماء والفقهاء، ورفضت الجلوس فوق الكرسي لهذا السبب.
وقد إستنكرت على الإمام الشاب جلوسه فوق الكرسي، وشيوخه وفقهاء المنطقة يجلسون أرضا، وما كان عليه أن يظهر أعلى من شيوخه. وربما أجد له عذرا بسبب صغره وشبابه، على أن لا يكرر مثل هذا التصرف الذي لايليق بالإمام وطالب العلم، ويسئ للعلماء والفقهاء.
في الختام طالب صاحب البيت من العلماء والفقهاء والقراء، قراءة سورة يس، بقراءة جماعية وبصوت واحد، كما هو معهود لدى جميع مجتمعات المغرب العربي عامة والجزائر خاصة، ثم رفعوا أيديهم إلى السّماء داعين المولى عزوّجل لصاحب البيت وأهله وأبناءه والمدعوين وللجزائر ولجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
وبعد أدينا صلاة العشاء في مسجد الحاج إبراهيم، من طرف الإمام الشاب، أقول له: لاحظت أنّك تملك صوتا حسنا، وأداء جيدا، وثقة كاملة في الحفظ والقراءة، وأوصيك بالرياضة حتى تحافظ على جمال الجسد الذي رزقت إياه، ويبقى صوتك سليما جميلا طيلة حياتك، تتمتّع به وتمتّع به عباد الله المحبين لقرآنه وآياته.
ما يجب الإشارة إليه في هذا المقام، حين جلست أنا والفقيه بوعبد الله، في المقهى التي نجلس فيها عادة، لا حظت أن المكان الذي جلست فيه أعلى من المكان الذي يجلس فيه الفقيه، فغيّرت مكاني على الفور، لأكون مساويا له في الارتفاع، فلا يحق للتلميذ أن يعلو شيخه، ولو كان في مقهى ومكان عام.
وقضيت يومي التاسع والعاشر، أتابع الفضائيات اللبنانية والعراقية، بمختلف ميولاتها السياسية والدينية، لأقارن عن قرب كيفية قضاء عاشوراء عند إخوتنا المشارقة، وتلك التي تمارس عند أهل المغرب العربي وخاصة الجزائر، فوقفت على فوارق عظيمة كبيرة، ليس هذا مجال شرحها ولا التطرق إليها.