جريدة السيمر الاخبارية / السبت :07 . 11 . 2015
روزانا رمّال / لبنان
قريباً، سيكون على المملكة العربية السعودية الوقوف ملياً عند المشهد اللبناني لمعرفة واقعها الجديد في المنطقة. فهذا البلد الصغير ليس سوى صندوق بريد يتلقى رسائل الدول الكبرى، والقوى الإقليمية والدولية وهو الذي يطلقها أيضاً وهي، بدورها، لطالما استخدمته لهذا الغرض. من هنا فإنّ بعض التدقيق في أولوياتها سابقاً وأولوياتها حالياً، قد يفيد ويؤدّي إلى الكثير من الاستنتاجات، مقارنة ببعض من واقعها.
تحدّد المملكة، التي تعتبر لاعباً إقليمياً أساسياً، من خلال سياساتها مصير المنطقة العربية.
وعليه، باتت المملكة التي كانت تسهم في صناعة الحدث أمام انتظار مقلق وطويل اليوم، لمعرفة مدى قدرتها على الاحتفاظ بما أمكن من مؤثرات، وفحص ما إذا كانت تلك المؤثرات لا تزال موجودة فكلّ شيء يتغير بسرعة من حولها، داخلياً وخارجياً، وهي ليست قادرة على التحكم بتدحرجها الدراماتيكي وها هي غارقة في حربها في اليمن والتي تخطت الستة أشهر لتدخل النصف الثاني من السنة الأولى، خصوصاً أنّ خصومها لم يستسلموا بعد أمامها ولا أمام التحالف العربي الذي تقوده، وهذا يُعتبر أول المؤشرات على متغيرات تتعلق بأمنها القومي، لأنّ اليمن الذي كان جزءاً لا يتجزّأ من الأمن السعودي وأحد مراكز النفوذ السعودي لعقود، لم يعد اليوم كذلك، وهو في الوقت عينه، خاصرة السعودية التي لا يمكن لها التهاون في المحافظة على بقائها واقعة ضمن سلطتها أو نفوذها وهذا ما لن يحصل، بحسب ديبلوماسي عربي، لا بل يُتوقع أن تزداد الضغوط على السعودية لأنّ الحوثيين سيتقدّمون بحرب برية متوقعة، وبالتالي فإنّ هذا الكلام، إذا حصل، يُعتبر مؤشراً خطيراً على أنّ هناك من يدعم حركة أنصار الله ويريد للحرب أن تفرض شروطها، أي أنّ مَن يصمد لا يتنازل عن حقوقه.
عند ربط الأمن السعودي والاستراتيجيات بالمتغيرات، يبقى الأهم هو الحديث عن حرب اليمن، لأنّ باقي الملفات تعتبر أقلّ أهمية بعد هذا الحضور اليمني الصارخ، حتى الملف السوري الذي كان يُعتبر أولوية لدى السعودية، وُضع اليوم على طاولة المفاوضات التي لن تستطيع السعودية الانسحاب منها لكي لا تفاقم أزمات حضورها في المنطقة ونفوذها المثير للشبهات.
التفاوض حول سورية مع الدول الكبرى يعني، بطريقة أو بأخرى التفاوض على بقاء الرئيس بشار الأسد لمرحلة تسميها تلك الدول «انتقالية»، لكنّ عنوانها لا يهمّ مقابل حضور الرئيس الأسد بعد خمس سنوات، كقوة أمر واقع.
أما الملف النووي الإيراني، فقد أحدث ما أحدث في الجسم السياسي والأمني السعودي، بالإضافة إلى انعكاساته على معنويات العائلة الحاكمة. فقبول إيران نووية غربياً، يعني تزعُّمَها الخليج، بطريقة أو بأخرى، ما يعني، أوتوماتيكياً، دخول إيران على خط الملف التفاوضي اليمني وهنا تبلغ دقة المشهد في اقتسام الملف مع الإيرانيين، وهذا ما لم تكن تحسبه السعودية على الإطلاق.
ثلاثة ملفات كبرى إذاً، تتعلق مباشرة بالسعودية التي كانت تنعم باستقرار واضح في سنوات ما قبل «الربيع العربي» الذي لم يكن دعمه ضربة موفقة، وهو حساب لا يزال مفتوحاً بانتظار لحاقها بالواقع الجديد.
بالعودة إلى لبنان، فهو يعتبر أبرز مواطن النفوذ السعودي، لكن، على ما يبدو، فإنّ هذا النفوذ لم يعد موجوداً بقوة كما كان سابقاً، ففي لبنان أيضاً كلّ شيء يتغير وها هي المملكة، تواجه على أرضه مشكلتين حسّاستين تعكسان قلقها الذي ينعكس على علاقاتها بأصدقائها توتراً ملحوظاً.
ألم تعد السعودية تمون في لبنان؟ سؤال يُطرح اليوم بعد غرقها بين المخدرات وحريات الإعلام فهي التي التزمت الصمت حيال ملف توقيف أمير من أحفاد المؤسِّس عبد العزيز وتبدو عاجزة عن الضغط على الحكومة اللبنانية لإخراجه. وربما الأمر الأكثر لفتاً للانتباه هو تعامل الأمن اللبناني معه منذ إلقاء القبض عليه، فمعروف أنّ السعودية كانت توفر الدعم لأحد الأجهزة الأمنية وتتمتع بامتيازات ضخمة لدى الحكومة اللبنانية التي تمثل صوتها غالباً، كراعية للكرسي السني الرئيس في لبنان، لذلك فإنّ مجرد إلقاء القبض على الأمير وبثّ الخبر عبر وسائل الإعلام لينتشر كالنار في الهشيم، يعني تحولاً كبيراً في القرار اللبناني قرأته الرياض وفهمته جيداً.
المملكة عاجزة أيضاً، عن الضغط على السلطات اللبنانية المعنية لطرد قناة «الميادين» من الأراضي اللبنانية وهي تدرك أنّ معركتها مع الإعلام، ومن لبنان تحديداً، هي فضيحة كبرى نظراً لما يمثله هذا البلد كجاذب ومحرّك للرأي العام العربي، نتيجة تقدّمه في احتضان المهنة وأصولها ورموزها على باقي الدول العربية بمراحل متقدّمة، وقد بات رمزاً في هذا المجال، برغم الملايين التي رُصدت من أجل المنافسة، خليجياً وهذا ما يفسّر قلق السفير السعودي في «ويكيليكس» من بعض الإعلام اللبناني.
إذاً المملكة لا تمون، ويبدو أنّ هناك قراراً قد اتخذ، واتُّخذت المقاومة بموجبه شريكاً في صنع الهوية اللبنانية، قاطعاً الطريق على محاولات تشويه المعادلة الذهبية الجيش والشعب والمقاومة ومحاولات النأي بالنفس الواهية، ويؤكد أنّ الأراضي اللبنانية لم تعد لقمة سائغة، بل فيها نفوذ يمثل محوراً برمّته لن تنفع معه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. ستقرأ السعودية من لبنان جيداً واقعها الجديد…
البناء