المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية / الثلاثاء 05 . 01 . 2016 — شهد العام 2015 تأزما كبيرا في العلاقات بين #روسيا و #تركيا على خلفية قيام سلاح الجو التركي بإسقاط المقاتلة الروسية فوق سوريا يوم 24 تشرين الثاني. يومها صفت موسكو الخطوة الروسية بـ “الطعنة في الظهر”، ما تسبب بتأجج الازمة بين البلدين والتي كان بدأت بالفعل على قبل أشهر على شكل أزمة سياسية، نتيجة إتهام تركيا روسيا بدعمها للنظام السوري في وقت تتهم فيه موسكو #أنقرة بدعم الفصائل المسلحة في سوريا، بالاضافة الى دعمها للتنظيمات التي تعتبر إرهابية.
الازمة والعقوبات
ما بعد يوم 24 تشرين الثاني 2015 ليس كما قبله. يومها قررت روسيا شن حرب إقتصادية على تركيا لإجبارها على إعلان ندمها والاعتذار لإسقاطها طائرة السوخوي، فإستعانت بسلاح العقوبات وبدأت معركتها الفعلية. منذ بداية شهر كانون الاول الماضي، فرضت الحكومة_الروسية سلسلة من العقوبات ضد تركيا، حيث منعت الشركات التركية من العمل بقطاعات التشييد والسياحة والفنادق والخدمات لحساب الدولة والمحليات، بالاضافة الى فرض قيود طالت صادرات تركيا للسوق الروسية من المنتجات الزراعية والمواد الغذائية. كما حظرت موسكو رحلات الطيران التركية غير الرسمية “تشارتر” ومنع الشركات السياحية الروسية من تنظيم الرحلات الى تركيا، ومنعت الخطوط التركية من الهبوط في المطارات الروسية، إضافة الى تحذير كل المواطنين الروس من السفر الى تركيا. كما تضمنت المراسيم، فرض تأشيرات دخول على الرعايا الأتراك، وحظر استخدام الأيدي العاملة التركية بروسيا. وكل هذه الاجراءات دخلت حيز التنفيذ يوم الجمعة 1 كانون الثاني 2016.
وما برز حتى اليوم من جراء ردة الفعل الروسية، يبدو كبيراً بنتائجه الاقتصادية على تركيا، ومن غير المؤكَّد ان تتمكن انقرة من تعويض خسائرها. فالمراسيم لي وقعها الرئيس فلاديمير بوتين ضد المصالح التركية، واسعة ومُتشعِّبة، ولها انعكاسات قاسية على الاقتصاد التركي.
تطور العلاقات
بحسب الارقام الرسمية، زار تركيا في العام 2014 اكثر من 3,3 ملايين سائح روسي، ومعدل إنفاقهم الاجمالي قدر بنحو 3,5 مليارات دولار في وقت كان متوقع ان يتضاعف هذا العدد، خصوصاً بعد سقوط الطائرة المدنية الروسية فوق سيناء المصرية يوم 30 كانون الثاني 2015 وتحوُّل السياح نحو تركيا. وفي ما يتعلق بالقطاع الزراعي، تشير الارقام ايضا الى ان تركيا تبيع الى روسيا نحو 40% من صادراتها الخارجية من الفواكه والخضر، وقد بلغت قيمة هذه الصادرات أكثر من 1,7 مليار دولار في العام 2014، وكان مُقدراً لها ان تزيد عن ذلك، بعد اعطاء المنتجات التركية افضلية روسية. (إشارة الى ان تركيا تعتمد بنسبة 70% من استهلاكها للقمح على روسيا). وفي سياق آخر، من المتوقع ان تشهد الاسواق التركيا أيضا إرباكا كبيرا في ما يتعلق بمواد الحديد والصلب نظراً الى اعتمادها على الصادرات الروسية من الحديد والالومينيوم والنحاس، بأكثر من 20% من حاجاتها، وتعويض هذه الكمية من مصدرٍ آخر يحتاج الى اتفاقاتٍ واجراءات، تأخذ وقتاً. وشملت العقوبات_الروسية ايضاً قطاع النقل والترانزيت، مما يتوقع ان يؤدي الى إرباك للاستثمارات واعمال المواطنيين الاتراك في روسيا التي منعت شركاتها من توظيف اتراك. كما شملت العقوبات يتوقع ان يتحمل قطاع النقل التركي خسارة كبيرة حيث يوجد أكثر من 8000 شاحنة نقل تجارية تعبُرُ الاراضي الروسية، وتنقُلُ المنتجات التركية الى دول آسيا الوسطى. أما في حال قررت روسيا فرض عقوبات على قطاع النفظ والغاز التركي، فهكذا خطوة ستشكل صدمة كبيرة للإقتصاد التركي، لكون تركيا تستورد 27 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنويا، وقد لا تتمكن من تأمين بدائل له بسهولة لوجود صعوبات لوجستية.
كما تشير الارقام الرسمية الى ان مستوى التبادل التجاري بين روسيا وتركيا بلغ العام 2014 اكثر من 31 مليار دولار، وكان البلدن يطمحان الى وصول هذا التبادل لنحو 100 مليار في السنوات المقبلة، وتركيا كانت خامس اكبر شريك تجاري لروسيا. اما الاستثمارات المُستقبلية فكانت متوجِهة نحو قطاعات استراتيجية، كبناء روسيا محطة نووية لإنتاج الكهرباء بتركيا بقيمة 12 مليار دولار، بالاضافة لمشاريع مُشتركة تشمُل انشاء مصانع للصلب، واستثمارات تركية في روسيا في القطاع السياحي والزراعي.
تحييد الغاز
رغم إشتداد الازمة بين الطرفين، أعلنت روسيا أنها ستواصل إمداد تركيا بالغاز، موضحة أنها لن تتخلى عن مشروع مد خط أنابيب الغاز الاستراتيجي “تركيش ستريم” بتكلفة تصل الى 20 مليار دولار والذي يمر عبر البحر الأسود والأراضي التركية متفاديًا المرور بأوكرانيا. ونهاية العام 2015، صرح وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك ان روسيا تمتلك الغاز وهو رخيص بشكل كاف وتحظى بالبنية التحتية الضرورية، لذا فاننا مستعدون لامداد تركيا بالغاز ورفع أحجامه”. وتتلقى تركيا، خامس شريك تجاري لروسيا حتى دخول العقوبات حيز التنفيذ، من موسكو أكثر من 50% من حاجاتها من الغاز (30 مليار متر مكعب)، بجانب ثلث واردات النفط. وقبل اندلاع الأزمة، طالبت أنقرة كونسورتيوم غازبروم الروسي برفع حجم الضخ إلى ملايين الأمتار المكعبة. وأعرب نوفاك عن ثقته في تنفيذ مشروع «تركيش ستريم» لامداد جنوب أوروبا بالغاز الروسي عبر البحر الأسود والأراضي التركية متفاديًا المرور بأوكرانيا. وكان خط أنابيب الغاز، الذي كان سيبدأ العمل في عام 2019، سيحل بديلًا عن خط “ساوث ستريم” الذي تخلى كونسورتيوم غازبروم الروسي عن تنفيذه إزاء معارضة الاتحاد الأوروبي للمشروع. وكانت روسيا تتوقع الحصول قريبا على تصريح لبدء أعمال خط أنابيب الغاز الاستراتيجي بهدف بدء العمل به في كانون الاول 2016، وتعرقلت المفاوضات عقب مطالبة أنقرة موسكو بتخفيض سعر الغاز قبل توقيع الاتفاق.
أنقرة تخسر المليارات
وفي هذا السياق، قدر أعضاء في حزب الشعب الجمهوري، المعارض للرئيس رجب طيب أردوغان، أن تصل خسائر تركيا جراء فرض موسكو قيودا اقتصادية عليها إلى نحو 20 مليار دولار، أو ما يعادل 3% من حجم الناتج المحلي للبلاد. وبحسب النائب في حزب الشعب الجمهوري عثمان بوادك، إن عائدات تركيا من الصادرات إلى السوق الروسية بلغت نحو 6 مليارات دولار، ونحو 7 مليارات دولار من السياحة، وهناك أيضا “تجارة الشنطة” التي تراجع حجمها في العام الماضي إلى نحو 6 مليارات دولار”. ورأى النائب في حزب الشعب الجمهوري الذي يعتبر أقدم الأحزاب السياسية التركية، أن منتجع أنطاليا الشهير سيكون أكثر المنتجعات التركية تضررا، وقال: “إن نحو 40 ألف روسي يعيشون في أنطاليا، ونحو 200 ألف تركي في روسيا.. الأزمة بين تركيا وروسيا يجب حلها في أقرب وقت ممكن”.
لا حل قريب…
منذ أيام أعلنت روسيا البيضاء استعدادها للقيام بوساطة في الخلاف بين روسيا و تركيا، بحسب ما كشفه وزير خارجية روسيا البيضاء، فلاديمير ماكي، موضحاً أن القيادة السياسية في روسيا البيضاء شرحت رؤيتها للنزاع لكل من روسيا وتركيا ولكنها لا تريد أن تفرض وساطتها على الدولتين لحل النزاع بينهما. ورغم هذه الوساطات، يبدو انه أصبح من المؤكد ان الدب الروسي ماض في حربه الاقتصادية على أنقرة، مع دخول العقوبات حيز التنفيذ مطلع 2016، حتى إعتذار أنقرة، وهذه الفرضية مستبعد الى حد كبير في الوقع الراهن، بإنتظار ان تقول ارقام خسائر الاقتصاد التركي كلمتها. حينها، قد ترضخ تركيا، وتنال موسكو الاعتذار المطلوب.