الرئيسية / مقالات / السعوديون والوهابية في مأزق وجودي…وهذه هي الاسباب

السعوديون والوهابية في مأزق وجودي…وهذه هي الاسباب

السيمر / الثلاثاء 05 . 01 . 2016

عباس صالح / لبنان

هل تمثل الوهابية الاسلام الحقيقي؟ وماذا يمثل آل سعود في نظام هرمية الاسلام؟ وما هو مدى تأثيره على المسلمين فعلياً؟
ثمة أسئلة كثيرة مرتبطة بالحراك والغليان الذي تشهده المنطقة منذ مدة طويلة، تشكل الاجوبة عليها مادة جذب للباحثين والمهتمين والقراء والمثقفين..لذا سنحاول الاضاءة في هذا المقال على بعض الجوانب المفيدة في سيرة نظام آل سعود الذي يجهد في الواقع لتكريس نفسه قيماً على مذاهب اهل السنة والجماعة، ومرجعية شبه رسمية، دينية ومالية، والاضطلاع بدور محوري يجسد مهد دولة الخلافة الاسلامية نتيجة الاستفادة من عوامل عديدة ليس أقلها طبيعة الموقع الذي يحوي قبلة المسلمين وقبور نبيهم وآله وصحبه والاولياء الصالحين ووجود الحرمين الشريفين وعدد من المقدسات الاسلامية، معطوفاً على الامكانيات المالية الضخمة التي تجعل آل سعود في موقع الواهب الذي يمكن ان يمول كل النشاطات الدينية والخيرية والرعائية والتنموية في دول المسلمين المطبوعة بشكل عام بالفقر والفاقة والحاجة الدائمة الى نظم الرعاية والعطاء.
وهذه الرغبة لدى العائلة التي حكمت ارض شبه الجزيرة العربية باسم الدين ، تضاعفت اكثر بعدما افلت منها بعض المذاهب الاخرى كالشيعة على سبيل المثال.
على ان التفلت الشيعي من سيطرة مغريات الهيمنة السعودية لم يكن خيارا مجرداً، كما لم يكن قرارا عدائياً، لكنه نشأ بفعل عدم الحاجة الناتج عن ارتباط الشيعة الوثيق بمرجعات أخرى بفعل رؤيتهم المتعلقة بمفاهيم التقليد وما يعنيه ذلك من ارتباط مباشر بالمرجعية الدينية والمذهبية والتي اختارها المقلِّد بإرادته، وذلك يعني ارتباطاً مباشراً للمقلد بمرجعيته والعمل بفتاويه وبتوجيهاته في امور الدين والدنيا معاً اي على مستوى العبادات والمعاملات.. وهذا ما جعل ابناء الطائفة الشيعية يبتعدون عن التماهي أو حتى التقارب مع اتباع المذهب الوهابي الذي ينهل من فكر ابن تيمية وهو فكر يقضي بتكفير عموم المسلمين ممن لا يتبعون نهجه المتطرف لمجرد عدم انباعهم له، ومن هنا فإن ابناء اتباع المذاهب السنية الاسلامية سواء على الطرق المالكية او الشافعية او الحنبلية او اي من اتباع الطرق والمدارس الصوفية، وحتى ابناء المدارس التجديدية والاصلاحية ترفض بمجملها الارتباط بالفكر السعودي السلفي الوهابي، ارتباطاً تبعياً باستثناء بعض الفئات التي تقدم عوامل الاستفادة المالية عما سواها على اعتبار ان المدرسة الوهابية السلفية كانت وما تزال الاغنى والاكثر سخاءً على الاتباع والمريدين بين المذاهب والمدارس والرؤى والطرق الاسلامية الاخرى، ولا سيما تلك المذاهب التي تحاول الاستفادة المالية من عطاءات الوهابية من دون الانخراط فيها تماماً على المستوى الفكري.
وانطلاقاً من هذا الواقع يمكن وضع “صمت” ابناء المذاهب السنية الاخرى على الممارسات الوهابية المنافية لتعاليم وروح الاسلام، في خانة التملق وغض النظر عن تلك الاساءات الواضحة للدين في مقابل انتظار مكافآت مالية، من خلال النظريات التي تشرع التملق للحاكم وللسلطان المهيمن على المال، من دون التفريط بروح الاسلام كدين ودولة وفقاً لمناهج المذاهب الاخرى.
وقد كان لهذه المعادلات المستمرة منذ امد بعيد، آثاراً سلبية على واقع الوهابية بشقيها السياسي والديني فالاول استفاد من التواطؤ غير المعلن على مستوى العالم الاسلامي مع مشاريعها التسلطية على معظم دول المنطقة ولا سيما دول الجوار وقدم لها مبايعة جزئية في مقابل هباتها وعطاءاتها ومننها الاقتصادية، من دون ان يأبه او يلتفت لأطماعها السياسية التوسعية، والثانية استفادت من فرض نفسها بقوة المال كمذهب منافس من مذاهب المسلمين السنة، وانتهجت التشدد لرفد عملية فرض الذات والهيبة على الساحة الدينية، وهذا ما أدخل السعودية الى صلب المعادلتين السياسية والدينية في المنطقة ليس كمنافس فحسب لدول كبرى ومهمة بحضارتها وتاريخها ونفوذها وريادتها بل كنقطة ارتكاز في قيادة المنطقة، لا سيما بعد استفادتها من نسج علاقات ووشائج وطيدة بدول الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية وتكريس نفسها كمزود بالوقود للدول الكبرى التي كانت في حال قطيعة مع دول نفطية اخرى كإيران وغيرها.
هذه المؤهلات مجتمعة جعلت من السعودية محوراً أساسياً في المنطقة يصعب تغييبه لدى اي كلام عن اي مكوِّن من مكوناتها او اي تفكير بتغيير في المنطقة، واستطاعت ان تحافظ على هذا التوازن الدقيق مع علم قادتها المتعاقبين منذ عهد المؤسس عبد العزيز آل سعود في خمسينات القرن الماضي وصولا الى مرحلة حكم ابنه عبدالله في مطلع القرن الحالي، بأن هذا التوازن هو توازن هش مبني على العطاءات والمنح على المستويين الديني والسياسي وغير متجذر في باطن ارض المنطقة لانه مشروع غير مرتكز الى منطق قوي، ولكنه استمر حتى وصول الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز الذي تنسج حول شخصيته اقاويل عديدة وروايات عن عدم أهليته الفكرية والذهنية لقيادة مملكة كالسعودية، وان كثرا من ابناء العائلة الحاكمة انفسهم صُدِموا بتسلمه مقاليد الحكم في البلاد وراهنوا على خراب المملكة التي تدر عليهم الذهب الاسود وتخول الدرجة العاشرة منهم العيش كأباطرة بشكل يعجز عن استيعابه عقل بشري.
وقد بقي الرهان لدى البعض معلقاً الى اللحظة التي اتخذ فيها الملك الجديد قرار الحرب على اليمن في آذار – مارس من العام 2015 وادخل منظومته العسكرية في حرب استنزاف لن تنتهي بنهاية الحرب متى توقفت بل ستترتب عليها تداعيات على كل المستويات وستكون خسائرها المضمرة اكثر من المعلنة وهي هددت ملك ال سعود ببقائه بعد ان فضحت هشاشة نفوذه على المستويين الدولي والاسلامي…لا سيما وانها مع انطلاق صافرة حربها على اليمن اعلنت تحالفاً اسلامياً تحت قيادتها يضم عددا كبيرا من الدول الاسلامية وغيرها ليكتشف العالم في اليوم الثاني ان عددا من هذه الدول ولا سيما الدول ذات السمعة القوية عسكرياً كباكستان ومصر وتركيا واندونيسيا وماليزيا وغيرها من الدول الكثيرة لا علم لها بهذا التحالف وهي ليست جزءا منه..،ولم توافق اصلا على ان تكون عدوة لابناء الشعب اليمني الذين يبحثون عن قوت عيالهم في اعالي الجبال ولا يشكلون تهديداً أو استفزازاً لأحد من جيرانهم بل على العكس من ذلك فهم سبق وان تنازلوا طوعاً عن محافظتين مهمتين جدا وغنيتين بالموارد النفطية في اطار الصراعات الحدودية مع السعودية خلال اوقات سابقة في مقابل وعود بتسويات متعلقة بتوحيد شطري البلد الشمالي والجنوبي، ووعود أخرى لم يكن قد نفذ منها شيء حتى لحظة اندلاع الحرب.
وفي سوريا ايضاً خسر الملك السعودي الجديدكل رهاناته السياسية والعسكرية وتراجعت كل الدول والقوى التي كانت مؤيدة علنا لتحركات اسقاط النظام والداعية اليها في مرحلة سابقة، الا هو لم يقرأ مجريات الامور وبقي مصرا على دعم التنظيمات الارهابية على اختلافها… الى ان اصطدم بدول المحور الغربي التي باتت تنتقده علنا وتطالبه بسحب تأييده للتنظيمات الارهابية وتتهمه ضمنا بصناعة الارهاب ودعمه وهو ما اثار اكثر من مرة حفيظة اميركا والاتحاد الاوروبي وفرنسا تحديدا، ناهيك بالحساسيات التي حركها مع روسيا ومع الصين ومعظم دول البريكس، فضلاً عما تسبب به من مشكلات مع النظام العراقي، وامعانه في استعداء ايران مجاناً مقابل خطب ود واضح لاسرائيل، رغم ما جلبه هذا الامر من عداوات واضحة للسعودية، كان ابرزها الرسالة الاميركية الشديدة اللهجة والحاسمة والتهديدية المباشرة لدى اقرار الاتفاق النووي الايراني وابرام تلك الصفقة الشهيرة، عندما اعتبرت الادارة الاميركية ان الملك السعودي يحاول عقد تحالف متضررين مع اسرائيل والتحرك لتأليب الرأي العام ضدها…وكان رد الاميركيين قويا في حينه اننا لن نسمح لا للسعوديين ولا للاسرائيليين باجهاض الاتفاق مع ايران، وانتهى البيان.
عند هذه النقطة عرف السعوديون انهم تحت حكم ملك هو اشبه ما يكون بمتخصص في تخريب علاقات بلاده الدولية والاقليمية، وانه داعية حروب وعداوات ودمار وسفك دماء. وانه لم يصن عهدا كان قد قطعه للايرانيين ولبعض الغربيين والمبعوثين الدوليين، بعدم تنفيذ حكم الاعدام بحق المرجع الشيعي السعودي المعارض له الشيخ نمر النمر، ومع ذلك فانه ابقى عليه سجين رأي،. بل وتحين فرصة استرخاء في العلاقات مع ايران واعدمه بشكل بدا معه وكأنه ماضٍ في الاستفراز والتحدي وانه يمارس هواياته في القتل والقتال ولا يعير العوامل الدبلوماسية ولا الانسانية ولا حتى السياسية الدولية اي اهتمام، وهو ما كرس صورته كشخصية غير سوية، مهجوسة بالحروب والقتال والقتل، وهو أمر طبعاً لا يستسيغه العقلاء ممن يودون الحفاظ على امتيازاتهم في السيطرة على مملكة الذهب الاسود، والذين بدأوا يفتشون عن سبل أخرى لغايتهم ، خاصة وان الرهان على خلفائه ليس مجدياً بما فيه الكفاية لأن الطاقم المحيط بالملك بمجمله ليس ذا سمعة افضل منه على هذه المستويات كلها، بل ثمة من يقول ان ولي عهده هو الذي نصحه بالحروب لاثبات الذات، وان ولي ولي عهده وهو ابنه ليس افضل من ابيه ابدا بل انه على الارجح اكثر تهورا وحبا بالمغامرة.
لذلك ولاسباب أخرى كثيرة لم يعد من مجال لذكرها، ترى ان المستفيدين من حكم آل سعود لاراضي شبه الجزيرة العربية، بدأوا بتحسس مصالحهم والنظر في امكانية نقلها الى الخارج لتيقنهم بأن موعد النهاية اقترب.

اترك تعليقاً