السيمر / الثلاثاء 05 . 01 . 2016
د. فوزى فهمى / مصر
اختار( أكرم دومانلي), رئيس تحرير صحيفة( زمان) التركية, لكتابه الذي يضم مقالاته علي مدي عام2014, عنوانا هو( ماذا يحدث في تركيا),
إذ من خلال تناوله للأحداث السلبية الجارية, يطرح التحديات التي تواجهها تركيا, مستهدفا الكشف عن تغلغل آليات الحجب, والعزل, والانصياع, والتعجيز, وتلك عوامل تفقد المجتمع حيويته. صحيح أن تأثيرها يتبدي في التنمية الاقتصادية, والوعي السياسي, والتحديث الفكري, بوصفها الثلاثية المترابطة ذات الفعالية في تطور المجتمعات, برفضها التوقف عند حدود الموروث, لكن الصحيح كذلك أن هذه الثلاثية لا تجلب قسرا, ولا تطبق تعسفا; بل لا بد لها من محرضات تستدعيها. ولا خلاف أن الحرية التي تشترط بالأساس استقلال الوعي, وتجاوب الإرادة مع توجيهاته, تعد رهان هذه الثلاثية, التي دونها يغلق المجتمع أفق مستقبله, وتحولاته المستجدة.
إن المؤلف في إحدي المقالات الواردة بالكتاب, بعنوان( مم تخاف تركيا؟), المنشورة في2014/9/16 تناول علاقة تركيا بتنظيم( داعش), حيث أشار إلي( شعور القلق الذي ينتاب الجميع إزاء دور تركيا في ظهور تنظيم داعش, وتطوره وانتشاره), طارحا التناقض المفضوح, الذي- لأسباب خافية- تبدي في عدم انضمام تركيا إلي التحالف الدولي لمحاربة داعش, وذلك ما تجلي لغزا تسكنه اللامعرفة; عندئذ تعددت دوائر الكشف عن أسباب امتناع تركيا, فأشار الكاتب إلي ما طرحته صحيفة( نيويورك تايمز) الأمريكية,( بأن تركيا شريكة في مبيعات النفط التي يقوم بها داعش, وأنها لم توقف تدفق النفط إليها, رغم الضغوط الممارسة عليها), كما أورد الكاتب أيضا تصريح( فرانسيس ريتشاردوني) السفير الأمريكي السابق في أنقرة,( أن الحكومة التركية- رغم كل التحذيرات التي تلقتها من واشنطن- دعمت تنظيم جبهة النصرة الذي يعد امتدادا لتنظيم القاعدة في سوريا), وقبل نشر مقال( مم تخاف تركيا؟), كانت الصحافة العالمية قد تداولت تقارير تفيد أنه في شهر يونيو2014, وخلال جلسة ضمت سفير الاتحاد الأوروبي ومجموعة من الصحفيين, طرح النائب الكوردي( أحمد تورك), رئيس بلدية مدينة( ماردين) التركية, تقريرا مفصلا, وموثقا, ومدعوما بالأدلة الدامغة, يؤكد الدعم الرسمي الذي تقدمه تركيا إلي( داعش). تري ما هي الأسباب الخافية التي منعت الولايات المتحدة عن مواجهة تركيا علنا, إذا ما كانت تقر بخطورة تنظيم داعش الإرهابي؟ أم تري أن ما يطرح هو محض تنسيق أدوار بين أطراف وأدوات جبهة التحالف, بقيادة الولايات المتحدة التي تستهدف وفق خطاب التحالف المعلن, الحرب علي الإرهاب وتنظيم( داعش) تحديدا, في حين أنها بالأساس تمارس في الخفاء تنفيذ هدفها المرتقب, بإعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط, عرقيا, وطائفيا, ومذهبيا, ترسيخا للقطيعة المطلقة التي تستولد الأزمات والحروب بين شعوبها, حتي تظل محكومة بذلك المصير؟ صحيح أنه في الثاني من أكتوبر2014, صرح نائب رئيس الولايات المتحدة(جو بايدن), في خطابه الذي ألقاه بجامعة( هارفارد), بتورط تركيا المباشر في تمويل المتطرفين وتسليحهم وتسهيل مرورهم إلي سوريا, وقد نقلت صحيفة( حربيت ديلي نيوز) التركية عن( بايدن) قوله إن( أردوغان) اعترف بخطئه في هذا الشأن, لكن الصحيح أيضا أن نائب رئيس الولايات المتحدة( جو بايدن), ولأسباب خافية قدم بعد يومين اعتذارا إلي الرئيس التركي عن تصريحاته, وأصدر بيانا عن تقدير واشنطن لدور تركيا وحلفائها في الحرب علي التنظيمات الإرهابية. تري أليس قصف العقل بمعلومات خاوية من المصداقية, ينهي دورها وفعاليتها, ويفضحها ويعريها, ويفقدها صحتها المنطقية التي تحرسها؟
إن اعتذار نائب رئيس الولايات المتحدة(جو بايدن) عن تصريحه قد تمفصل مع ما نشره الموقع البحثي(فيترانس توداي) في أكتوبر2014; إذ خصوصية هذا التمفصل أنه يجهض ذلك الاعتذار, ليتطابق مع تصريحه الأول الكاشف ويسانده, حيث أكد الصحفي الأمريكي(جوردن داف) في حديثه, أن الولايات المتحدة وأنقرة هما شريكان في( داعش), وأضاف أن الإرهابيين من مختلف الجنسيات يصلون إلي سوريا عبر تركيا, وأوضح أيضا أن( أردوغان) أكبر الشركاء في النفط المسروق من سوريا, وأن الشركاء الآخرين هم إسرائيل, والولايات المتحدة, والغرب الذين ينفقون المليارات في تدريب الإرهابيين لمكافحة الإرهاب. ثم تتعري المتناقضات, وشروخ الكذب والخداع, من خلال ما نشرته تفصيلا مجلة(دير شبيجل) الألمانية, في تقريرها المنشور علي موقعها الإلكتروني بتاريخ4 ديسمبر2014, الذي يكشف أن تركيا تزود المناطق التي يسيطر عليها(داعش) بالإنترنت, وتحديدا من محافظة( هاتاي) التركية التي تقع علي الحدود مع سوريا, وذلك ما يشكل جانبا حيويا للتنظيم في تمدده, وتضخمه, وابتلاعه أوسع المساحات, ونشره دعايته, وتبادل المعلومات, والتخطيط لشن الهجمات. وقد استوجبت تلك الممارسات فرض الكذب العام علي الناس, وأشباه الحقائق المشوهة في سياق وهج إعلامي دائم; لذا وضعت خطة صاغت من تنظيم( داعش) قصصا وحكايا, تشرع العنف بوصفه باعثا علي التصدع الداخلي واليأس لشعوب الشرق الأوسط, بنشر وعرض وقائع معدة بتقنيات فائقة لممارساته الهجومية, وانتصاراته, واستيلائه علي الأراضي العربية, ونهبه الاقتصادي لها, وعنف ذبائحه للبشر, وأسواق النخاسة لبيع النساء, وتدميره الآثار التي تئول إلي الثقافة, واعتصامه بإمكانات مالية, وعسكرية, وغيرهما, متعالية علي قدراته, حتي صار نجاة مستقبل الشرق الأوسط مرهونا بقيادة الولايات المتحدة في حربها وانتصارها عليه, ويتم ذلك في ظل تسلط شمولي علني, يستبد بمشاعر الناس وحواسهم, إذ تتصدر أخبار( داعش)- بكل إكراهاتها وإذعاناتها الصحف والإذاعات وشاشات التليفزيون والإنترنت, دون أن يلحقه ضرر; لذا نشرت صحيفة( الجارديان) البريطانية, مقالا للباحث الأمريكي(ديفيد جريبر) طرح خلاله سؤالا عن مدي جدية قادة الغرب في تصفية تنظيم(داعش), وشكك في مصداقية تلك الجدية المزعومة, ليقينه من تقارب هؤلاء القادة مع( أردوغان) الذي يعتبره- وفقا لدراساته- السبب الأول في استمرار( داعش) المسلح, مشيرا إلي قائمة أدلة تثبت مساعدة تركيا لتنظيمي( داعش)و( وجبهة النصرة).
أما الإجابة القاطعة عن سؤال البروفيسور والباحث الأمريكي( ديفيد جريبر), بشأن جدية تصفية تنظيم( داعش), فتأتي تحديدا في أغسطس عام2015, حين كشف المدير السابق لوكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية, الجنرال المتقاعد( مايكل فلين), الدور الخفي للرئيس الأمريكي(باراك أوباما) في تأسيس تنظيم( داعش) الإرهابي, وتصاعد نفوذه بالمنطقة, وفقا لوثائق سرية تفصح عن دور الرئيس الأمريكي, تم الحصول عليها بموجب قانون حرية المعلومات, كما أكد الجنرال( مايكل فلين) أن الإدارة الأمريكية تعمدت الادعاء المفاجئ بظهور( داعش), وهو أمر لا أساس له من الصحة, وأضاف أن ما يحدث حاليا هو نتيجة الدعم الذي قدمته الإدارة الأمريكية للمتطرفين. وأيضا لأسباب خافية لم تعلق الإدارة الأمريكية. تري هل جوهر الأمر يقتصر علي معرفتنا خداعا كنا نجهله, أم لا بد أيضا من الوعي بخطابات الواقع الخافية, وشحذ إرادة الاقتدار .
الاهرام المصرية