السيمر / الجمعة 19 . 02 . 2016
د. عبد الحي زلوم / فلسطين
كتب مؤخراً الصحفي الصهيويني توماس فريدمان مقالاً في جريدة النيويورك تايمز أن عصر امكانية حل الدولتين قد ولى امره وبدأ الان حل الدولة الواحدة من البحر الى النهر . يقول ذلك وهو يشعر بمرارة لان اسرائيل العنصرية التي ستفرق بين اليهود والسكان الفلسطينيين ستكون افريقيا جنوبية اخرى وسوف يتم تنمية حركة BDS Boycott, Divestment and Sanctions) ) ( حركة قاطعوا لا تستثمروا وعاقبو).
وهذا مقتطف من مقال فريدمان :
(يعيش سياسيونا في عالم الاحلام في ما يتعلق الامر بالشرق الاوسط . فلنبدأ بإسرائيل . لقد اصبحت عملية السلام في عداد الموتى . لقد انتهت ايها الناس وتوقفوا عن الكلام عنها … على رئيس الولايات المتحدة القادم أن يتعامل مع اسرائيل مصممه على احتلال دائم للاراضي من البحر الى النهر بما في ذلك 2.5 مليون فلسطيني في الضفة الغربية .
كيف وصلنا الى هذا الوضع ؟ العديد من الناس قد وضعوا سكاكينهم في عملية السلام بحيث اصبح غير واضح من الذي ضرب الضربة القاضية ؟ هل كان المستوطنون المتعصبون المصممون على تمدد نفوذهم في الضفة الغربية وتمكنهم من تعطيل اي مبادرة لسياسي أو ضابط جيش مِن مَن عارضهم ؟ أو كان اصحاب الضربة القاضية اصحاب اليمين المتطرف من المليارديرات اليهود مثل (Sheldon Adelson,) والذي استعمل نفوذه لاجهاض اي انتقاد من الكونغرس على تصرفات نتنياهو ؟
أو هل كان السبب هو نتنياهو وحبه للسلطة الذي لم يزد عنه شيء سوى فقدانه لاي تصور للانفصال عن الفلسطينيين ؟ …
لقد قتل جميع هؤلاء حل الدولتين . فلتبدأ الان مرحلة الدولة الواحدة . انها تعني استمرار حرب اهلية ولو بوتيرة مختلفة بين الفلسطنيين والاسرائيليين وزيادة العزلة لاسرائيل في اوروبا وفي نطاق الجامعات والذي على الرئيس الامريكي القادم ان يحاول ايجاد طريقه بينها . )
هذه هي اراء الصهاينة الليبراليين الذي ينتمي اليهم فريدمان . فماذا عن اليهود غير الصهاينة ومنهم فليبس ويس (Philip Weiss) حيث كتب مقالاً في 10/2/2016 على موقعه موندو ويس (Mondoweiss) وهذا بعض ماجاء فيه : “لاحظوا ان فريدمان يلوم اللوبي الاسرائيلي لقضائه على حل الدولتين وخصوصاً شيلدون ادلسون . لقد قال ذلك البروفسوران (Mearsheimer &Waltt) قبل عشر سنوات وقامت القيامة ضدهما ولم تقعد ؟ نحن الان بين مقارعة اليهودي ضد اليهودي لبيان من الذي اضاع اسرائيل ؟ المحافظون الجدد سيقاومون بشدة . كذلك فالصهاينة الليبراليون سيستعملون في النهاية ما حققته اسرائيل الا وهو الابارتيد ( الفصل العنصري ) . لقد ثبّت فريدمان ان الكونغرس مُشترى من اللوبي الاسرائيلي بينما كان يقال عن مثل هذا القول بانه قولٌ معادي للسامية . كذلك عندما اخبر فريدمان جمهوراً بريطانياً بأن الساسة الامريكيين قد تعلموا الدرس من جورج بوش الاب حيث هُزم سنة 1992 لانه لم يساند مشروع المستوطنات الاسرائيلية مقابل حاكم مغمور لأفقر ولاية امريكية وهو بل كلينتون .
الصهيونية فكر عنصري مهما تَلَون :الا تطبق اسرائيل اليوم حرفياً ما قاله جابوتنسكي Jabotinsky؟
كان المهاجر الروسي جابوتنسكي Jabotinsky ، الذي غير اسمه لاحقاً إلى زئيف Ze’ev ، خلف تشكيل فرقة عسكرية من المتطوعين تحمل اسم اللواء اليهودي الذي رافق الغزاة البريطانيين لفلسطين . كان جابوتنسكي صحفياً وكاتباً وخطيباً . ومع ذلك ، فقد كان من أشد اليهود تطرفاً ودموية ، لدرجة دفعت بمؤسس دولة إسرائيل ديفيد بن غوريون إلى تسميته بفلاديميير هتلر Vladimir Hitler. أسس جابوتنسكي الاتحاد العالمي للمجددين اليهود ، وحركة الشبيبة التابعة له باسم بيتار Bitar . كان المجددون يرفضون ما اعتبروه اعتدال الحركة الصهيونية ، وكانوا ينادون بتوسيع حدود إسرائيل لتشمل شرق الأردن والصحراء السورية ، طبقاً لما كان يرد في صحيفة الحركة ” الجبهة الوطنية ” . وكان محرر الصحيفة ، التي ظهرت لأول مرة عام 1931 ، المدعو آبا اخيميير ، يطلق على نفسه صفة الفاشي. وجاء في افتتاحية نشرتها الصحيفة ذات مرة لعضو الحركة زفي كوهين Zvi Cohen القول ” لو أن النازيين الهتلريين أسقطوا العداء لليهود من برنامجهم ، لكنا أول من يقف إلى جانبهم ، فلو لم يظهر الهتلريون في ألمانيا لكانت ألمانيا قد ضاعت … نعم ، لقد أنقذ هتلر ألمانيا من الاختفاء “.
نظم جابوتنسكي حركة بيتار Bitar على طريقة تنظيم الميليشيا الفاشية الإيطالية نفسها في عهد موسوليني Mussolini. كان جابوتنسكي ورفاقه في الحركة يعتبرون منظمة العمل الصهيونية سرطاناً في جسد الجالية اليهودية في فلسطين ويزداد انتشاراً وخطورة “. مثل هذه المواقف المتشددة من جانب جابوتنسكي ، دفعت بن غوريون في اجتماع عام لحزب ماباي الرئيسي في فبراير 1933 للدعوة بعدم ” الاستهانة بقوة هذا الخطر الهتلري في الشارع الصهيوني اليهودي ” ، بعدها أشار إلى جابوتنسكي مطلقاً عليه اسم فلاديمير هتلر. ومجدداً أعلن بن غوريون في 15 مارس 1933 بأن الوقت قد حان لمواجهة هذه المشكلة الخطيرة ، وقال بأنه يعتقد بأن الوقت حان لإعلان الحرب على ” هتلر بيننا … نحن نواجه حرب حياة أو موت ” . ومع ذلك ، وفي 16 يونيو 1933 ، اغتال أحد أتباع جابوتنسكي رئيس الإدارة السياسية في الوكالة اليهودية حاييم ايوسوروف Chaim Arlosoroff.
بدأت الحركة الصهيونية في التحول نحو اليمين ، واستمر حزب العمل الذي أفرزته حركة ماباي Mapai ، وكذلك الحركة العمالية ، في فقدان السيطرة على المجددين المتطرفين ، أو الهتلريين كما وصفهم بن غوريون ، والذين استمد حزب الليكود جذوره منهم . وقبل إعلان دولة إسرائيل على أرض فلسطين ، أسس المجددون منظمات إرهابية هدفها اغتيال البريطانيين والعرب على حد سواء ، فكانت عمليات مثل نسف فندق الملك داوود . وكان قادة إسرائيل اللاحقون ، مثل اسحق شامير ، وميناحيم بيغن ، من بين قادة هذه المنظمات . كان بيغن أحد أكثر المطلوبين على قائمة الإرهاب في الإدارة البريطانية لفلسطين .
وحول هذا الموضوع ، كتب آفي شلايم Avi Shlaim يقول ” تعود مشكلة جابوتنسكي مع القيادة الرسمية للصهيونية إلى تصوره المختلف للدولة اليهودية . فقد وضع مبدأين رئيسيين يشكلان قلب الأيديولوجية الصهيونية ، كما يراها المجددون ، وكما يصورها برنامجه السياسي . الأول ويتعلق بحدود ” دولة إسرائيل الكبرى على طرفي النهر، والثاني الإعلان الفوري بحق اليهود في السيادة السياسية على كامل المنطقة ” . ولكن ماذا سيؤول إليه وضع العرب داخل الدولة اليهودية ؟ يرى جابوتنسكي بأنه سيكون من الطبيعي جداً وقتها أن يلجأ الفلسطينيون ، الذين يشكلون أغلبية السكان في فلسطين ، إلى مقاومة الهجرة اليهودية وتحويل بلدهم إلى دولة يهودية . وفي ظل استحالة التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين ” حالياً وفي المستقبل المنظور ، ” فإن الجواب يكون ” بالستار الحديدي” . يقول جابوتنسكي ” إن التوصل إلى اتفاق طوعي مع الفلسطينيين أمر غير متاح … وعليه فإننا أمام إما تعليق جهودنا الاستيطانية أو الاستمرار فيها دون الالتفات إلى ردة فعل الأهالي ، وهكذا ، فبالإمكان تطوير الاستيطان في ظل حماية القوة المسلحة ، التي ستضع الأهالي خلف جدار حديدي يستعصي على الانهيار “. ويعتقد جابوتنسكي بأن جداراً حديدياً من القوة العسكرية اليهودية من شأنه أن يقنع الفلسطينيين بأنه ما من خيار أمامهم سوى القبول بدولة يهودية . وفي ذلك كتب جابوتنسكي يقول ” وبعبارة أخرى فإن الوسيلة الوحيدة للتوصل إلى تسوية في المستقبل ، تكمن في التجنب التام لأي محاولة للوصول إلى تسوية في الوقت الحاضر ” . وما زالت هذه هي سياسة الليكود غير المعلنة.
وفي مقالة أخرى عن أخلاقية الجدار الحديدي ، كتب جابوتنسكي يقول ، رداً على انتقادات البعض بأن على كل صهيوني أن يقرر ما إذا كانت الصهيونية ظاهرة أخلاقية أم لا ، وإذا كان الجواب بنعم فإن ذلك يبرر الجدار الحديدي من الناحية الأخلاقية . بقي جابوتنسكي على قناعة بأن القوة العسكرية هي وحدها القادرة على إيجاد والحفاظ على استمرارية الدولة اليهودية . بل إن حزب العمل الصهيوني بدأ في التحول التدريجي لإعتناق مذهب جابوتنسكي هذا . ولهذا نجد أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تزداد تشدداً واستعداداً لتبني سياسة التوسع الإقليمي . وفي ظل تلامذة مدرسة جابوتنسكي ، مثل شارون ونتنياهو ، فإن اديولوجية فلاديمير هتلر هي التي تسير حكومة الليكود ، وحتى حكومة حزب العمل ، وتسيطر على المشهد الإسرائيلي .
لكن المشكلة ليست في اسرائيل وإنما في الولايات المتحدة والتي أسميتها في عنوان أحد كتبي ” اسرائيل الكبرى ” . لم أصدق عيني وأنا أقرأ نص الرسالة التي وجهتها هيلاري كلينتون مؤخراً الى حاييم سابان أكبر متبرعٍ لحملتها الانتخابية والذي قام بنشرها بدوره لتكون ملزمةً لها . جاء في رسالة هيلاري كلينتون حسب موقع جريدة الغارديان البريطانية على الرابط :
http://www.themideastbeast.com/clinton-to-donor-in-next-war-i-will-let-israel-kill-200000-not-just-2000-gazans
“بصراحة تامة فإن اسرائيل لم تلقن حماس درساً قاسياً في حربها الاخيرة … بل وكان اوباما ايضاً قاسياً على حليفنا الديمقراطي وناعماً مع عدونا الاسلامي الفاشي …اذا انتُخِبتُ رئيساً سوف أعطي الدولة العبرية كل الدعم العسكري والدبلوماسي والاقتصادي والمعنوي للقضاء على حماس لو كان ذلك يعني قتل مئتي الف (200 000) من سكان غزة . اذا كان ذلك لازماً فليكن . ” ليس بعد هذا العهر سوى عهر من اتخذ مثل هؤلاء اولياء لهم . هؤلاء هم الاعداء . إنهم فاشيون لا انسانيون .
حسب وصف بن غوريون لافكار جابوتنسكي أبو الليكود بانها فاشية ونازية فمصير هذه الدولة إلى زوال هي ومن يحالفها من العرب والاعراب، والمسلمين والمستسلمين.
مستشار ومؤلف وباحث