الرئيسية / مقالات / الغرب العاقر والشرق الولود!

الغرب العاقر والشرق الولود!

السيمر / الثلاثاء 15 . 03 . 2016

ملهم الملائكة

البرود الذي يعيبه الشرقيون على الغرب هو في الحقيقة الحياد الاناني المطلق. فالغربي يرى نفسه أولا، ولا يريد أن يعبر عليه أحد كما لا يريد أن يعبر على احد. لكن هذا فيما يعني أنّه لا يملك روح تضحية وإيثار تدفعه لأن ينجب اطفالا، ولغياب هذه الروح تنقرض اوروبا ويغزوها المهاجرون.

( كُتب هذا الموضوع بحسن نية مغسولة بالتفاؤل)

لحسن حظ العرب ولسوء حظ أوروبا انهما الاقرب الى بعضهما، ويتصلان برا عن طريق جسر البوسفور الذي يجمع ضفة اسطنبول الاوروبية الغنية بضفتها العلوية الفقيرة.
فالعرب الولودون طالما ترحّلوا بحثا عن المراعي والكلأ حين كانت الصحارى ارضهم . وقد اوصلهم ترحالهم الى اعالي العراق و البحر المتوسط شمالا، والى المحيط الاطلسي غربا.
ثم تركوا الترحال حين جاء الاسلام وصنع لهم حضارة خلدت آثارها حتى اليوم، واستقروا. لكن زمن الربيع العربي(المصنوع رقميا وبتروليا ) اعاد رسم الخرائط، فطلع العرب هاربين من نعيم الاسلام المحترق بالصراع السني الشيعي، والداعشي التركي السعودي المشتبك بحزب الله والحشد الشعبي والحوثي الايراني.

المال والبنون في اوروبا
في اوروبا الباردة الغالية، بات الانجاب وتشكيل اسرة مطلبا مكلفا في كل شيء، ماليا هو مكلف جدا رغم ان أغلب الحكومات الغربية تدفع مساعدات سخية للأسر التي تنجب اطفالا، والمساعدات تصاعدية، كلما زاد عدد الاطفال ارتفع حجم ومبلغ المساعدات. لكن كل ذلك المال لا يقنع الاوربيين بالزواج اصلا الذي يعدونه مؤسسة رجعية تعيق تقدم الانسان وتقضي على طموحه، واغلبهم يفضلون العلاقات العابرة او العيش مع شريك حسب الطلب.
اما في العالم العربي والشرق عموما فما زال انجاب الاطفال مستحبا ويمثل جزءا من مشروع الانسان الناجح ( وظيفة، بيت، زوجة، اطفال وسيارة). واغلب الشرقيين يرون ان الاطفال حين يأتون يجيء الرزق معهم على اجنحة السعد، وهذا يدفع البعض الى الاكثار من الاطفال لحد يفوق حتى قدرات الكرم الشرقي.

هل نسمي الانجاب الشرقي حبا وعاطفة؟
هو كذلك، لكنه حب للذات اكثر منه حبٌ للطفولة ، فالأبناء امتداد حي للرجل، هي كروموسومات عبد الله العربي تنتقل الى ابنائه فأحفاده فبنيهم، وهكذا يظل عبد الله العربي حيا مدى الدهر.
هو حب وايثار لأن الانسان لا يمكن ان ينجب اطفالا ما لم يضحي بحياته وشبابه وملذاته وماله لأجل جيل جديد سيخربها ويكبر، وفي الغالب سيتنكر له الابناء وينسون ما بذله لأجلهم. انه حب بلا مقابل لأن الابناء في الغالب لا يستطيعون ان يفوا حق ذويهم.

الا يمتلك الاوروبيون هذا الحب؟
بلى فالعاطفة تملؤهم ، ولكنها مرهفة وحساسة الى درجة لا تقبل القسمة على اثنين، هم يذوبون للحن جميل، او لبيت شعر رائع، او تغمرهم دهشة الطفولة وهم يتأملون لوحة لرينوار والشمس تغرب في زوارقه الذاهلة الشاحبة في نهر السين بباريس. هم يبكون لسوناتة ضوء القمر بيتهوفن ويذرفون دموعا حقيقية لكلمات اديث بياف وهي تغني ايامها الصعبة مع حبيبها الملاكم الشرير، لكن هذا الحب يبقى مساحة محدودة في الأنا لا تقبل القسمة على اثنين.
إنجاب الاطفال يعني قسمة النفس والروح وما يملك المرء على اعداد لا نهاية لها، والاوروبي لا يفقه اليوم هذا المنطق ولا يقبله. هو مستعد ان يتبرع بمبالغ واشياء كثيرة للاجئين المساكين الهاربين من جحيم الحروب، لكنه غير مستعد ان يقتسم مشاعره المرهفة مع أي منهم.

العطف البارد لا يحل المشكلة
اوروبا تقبل اللاجئين عطفا على اناس رمت بهم حروب الاسلام السياسي على سواحل الانانية الباردة، واوروبا مستعدة ان تساعد هؤلاء المنكوبين كما لم تفعل بلدانهم الباحثة عن الفردوس السماوي. اوروبا تقبل ان تأوي هؤلاء وتمنحهم افق مستقبل مقبول. لكنها لا تقبل قط ان تعتبرهم جزءا منها، بل هم لا يرضون ذلك، لأنهم يحنون الى ثقافة الامتداد الانساني غير الممكن في اوروبا.
اوروبا تريد أناسا يعمرونها ويبذرون الخير في أراضيها ، ويديرون عجلة صناعتها وزراعتها ليبقى تاريخها مستمرا، وهؤلاء المحبون للحياة لا يستجيبون للبرود والأنانية الحنونة الاوروبية، ولا يفهمون برودة الفن التجريدي، ولا يفقهون جمال أن يعيش المرء لوحده ويموت غريبا فتحرق جثته ويجمع رمادها في زجاجة صغيرة ترسل الى اخته التي لم يرها منذ خمسين عاما، فتذرف عليه دمعة وتنام كعادتها في دفء غرفة طبية وسط برد فنلندا المثلج.
هؤلاء القادمون على اكتاف أمواج البحر الأبيض المتوسط الغادرة ما برحوا يسمعون صوت عواطفهم الشرقية المغرقة في الايثار والحنين لدرجة تجعلهم غرباء الى أبد عن هذا العالم العتيق.

اترك تعليقاً