الرئيسية / مقالات / سلسلة رحلتي الثانية إلى المغرب 5
معمر صحبة عاصم اللبناني وحسين السعودي

سلسلة رحلتي الثانية إلى المغرب 5

السيمر / الأربعاء 16 . 03 . 2016

معمر حبار / الجزائر

عاصم اللبناني
إسمه Assi Abdul Hussein، وأنا أناديه عاصم، ويعجبه كثيرا مناداتي له بعاصم، بل أصبح بعض الزملاء ينقلون عني اللقب الجديد وينادونه به، منذ اللحظة الأولى التي إلتقيته فيها أول مرة بالدار البيضاء، وألتقي به هذا الشهر للمرة الثانية خلال رحلتي الثانية للمغرب. يحدثني الأستاذ عاصم عن مستواه العلمي، فيقول..
” أحمل دكتوراه في علم التربية ( علم نفس عيادي ) مبنية على ثلاث إجازات جامعة: أدب عربي … علم نفس … سياسة واقتصاد.”.
عن حبه الشديد للجزائر، الثورة الجزائرية حين كان طفلا صغيرا يحدثونه عن بطولات المجاهدين الجزائريين. وبقيت هذه الصورة الناصعة عن الجزائر راسخة، وتزداد رسوخا بعد مرور عقود من الزمن. ثم يلتفت إلي بحزن شديد، ويقول بصوت حزين..
آلمني كثيرا ماتعرّضت له الجزائر إبّان العشرية الحمراء، حين قتل الجزائري أخاه الجزائري، وماكنا نعتقد أن الجزائري يصل إلى هذا الحد من العنف والدماء. ثم يأخذ نفسا عميقا، ويقول..
الحمد لله أن الجزائر تعدت محنتها بسلام وأمان، رغم الجراح التي تركتها العشرية الحمراء.
أتدخل لأضيف، فأقول.. إمتازت الجزائر بكونها عالجت مشاكلها الدموية بأيدي أبناءها ولم يتدخل أحد من خارج الدار. ولو عولجت قضايا العرب بأيدي أبنائها لما حدث مايحدث الآن من دمار ونسف وزهق.
يقول لي دوما، الجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد، وهو يفتخر بالجزائر. أشكره، ثم أجيبه مصححا ومضيفا، فأقول..
عدد المليون ونصف المليون شهيد يتعلق بالفترة الممتدة من إندلاع الثورة الجزائرية سنة 1954 إلى إسترداد السيادة الوطنية سنة 1962، لأنه لايعقل أن يظل عدد سكان الجزائر على حاله منذ الاستدمار الفرنسي للجزائر سنة 1830. ثم إستحضرت محاضرة الأستاذ محمد راتول، ألقاها بكلية العلوم الاقتصادية منذ 10 سنوات فيما أتذكر، يقول عبرها..
لو تم تجاهل عدد الجزائريين الذين ماتوا بالأمراض الفتاكة، والأوبئة القاتلة، لأصبح عدد سكان الجزائر اليوم 80 مليون نسمة، مايعني أن الاستدمار الفرنسي منذ سنة 1830، أباد 80 مليون جزائري وليس مليون ونصف مليون شهيد كما هو شائع، مايدل على فضاعة وحجم الدمار الذي ألحقه الاستدمار الفرنسي بالبنية البشرية للجزائر.
يحدثني بألم شديد عن الجهل الذي فرضته تركيا على جنوب لبنان إبّان الحكم العثماني، بدليل أنه حين أراد لبنان أن يختار من كل جهة من يمثله في البرلمان الجديد، شريطة أن يكون صاحب شهادة جامعية، فلم يجدوا من يمثل جنوب لبنان، لأنه لم يكن من يحمل شهادة جامعية. وكانت هذه جريمة نكراء في حق أبناء الجنوب، فيجيب عاصم بالحرف الواحد..
” قسّم لبنان إلى خمس محافظات عندما نال استقلاله عام 1943، ولما كان ابن الجنوب ( وما يعني مذهبيا ) من حيث عدد السكان هو الثاني … ولما كان على من يكلف برئاسة المحافظة أن يحمل إجازة جامعية .. فلم يجدوا في كل لبنان من هذه الطائفة من يحمل إجازة جامعية … فعين خمسة محافظين من بقية المذاهب “.
واضح جدا أنه يحمل الهم العربي ويدافع عنه من خلال جنوب لبنان، التي يعتبر قادتها بأنهم الأفضل والأحسن. وأبقى أخالفه النظرة الضيقة والمحصورة في جغرافية معينة، أو شخص بذاته، أو مذهب بعينه ، لكن بأدب واحترام، ودون إثارة المشاعر الدينية والعاطفية، وأجزم أنه يبادلني نفس المحبة والشعور.
خلال 5 أيام التي قضيتها في ضيافته، ورغم أنه يسكن بمفرده، فإن عاصم الذي يحرص دوما على أن يريح ضيوفه العرب، ويمتّعهم بكل أنواع الطعام والشراب.
وواضح جدا أنه يحسن تقديم أنواع الطعام بشكل صحي، فكان في كل مرة يعرض على علي الجانب الطبي للفاكهة الفلانية والطعام الفلاني.
يفتخر دوما بأنه يقدم لنا الشاي اللبناني، وأطعمة وأشربة لبنانية أخرى، ويتفنن في عرضها وتقديمها.
وقد أكرمني ربي أن تمتعنا بأكل وشرب عاصم رفقة زميلنا السعودي سامي حسين، أنواعا جديدة لم أعهدها من قبل.
تعلمت منه طريقة قلي البيض بالماء عوض الزيت، وأن أحسن الفواكه ماكانت صغيرة الحجم، وأن شرب الماء أثناء يفسد ويهلك، وأن القراءة أثنا السير يضر بالعين، والإنسان إذا لم يستطع النوم أغمض عينيه وأطفأ الأنوار، فإن ذلك راحة للعينين.
ومن الأطعمة التي أثرت وما زلت أحن إليها هي عسل الخروب، فقد أكثرت منه صباح مساء، ولو أن عاصم لم يعلمني أنه يسيب آكله بالإسهال، لأتيت على كل كمية العسل الموضوعة فوق الطاولة طيلة تواجدنا ببيته.
وعاصم يعيش بمفرده، ولا يشكو نقصا في مادة أو خدمة، اللهم إلا النقص الذي يعانيه من كان في سنه وصحته وبعده عن أهله.
فيجد المرء كل أنواع الأكل والشرب عبر الثلاجة والمبرد وبكميات كبيرة جدا، تجعله لايطلب العون من أحد، ويستغني عن أية مساعدة مادية، وأركز في هذا المقام على المادية.
لايتركنا أبدا ندفع ثمن العصير أو القهوة، وكم من مرة أدفع الثمن، إذ بصاحب المقهى يخبرني أن عاصم سبقني لدفع الثمن.
أقول له.. أتركني أسجل هذف الشرف، فيجيبني بابتسامة، لن أمنحك هذا الشرف مادمت في ضيافتي وضمن رعايتي.
يحدثني بحزن عن الفشل الذي أصاب مصنع الحلويات الذي أنشأه بضواحي دار البيضاء، وبأنه مازال يدفع مستحقات الماء والكهرباء وغيرها من المستحقات.
حين وصلت الجزائر، راسلته قائلا: السلام عليكم.. حاولت أن أتصل بك، لكن عطب أصاب المحمول.. قرأت كتاب “بين الله والإنسان” الذي أهديتني إياه في الطائرة، فبكيت مرتين للبعض المواقف التي ذكرها الكاتب.. الكتاب كان أفضل أنيس، سأواصل قراءته فيما بعد.. تستحق كل الشكر والثناء على الخدمة الطيبة والاستقبال الأخوي.. سلامي للجميع وللزميلة بشرى.. لنا لقاء عبر الأسطر.. في انتظار أن أرتاح من وعثاء السفر.. سلامي وتقديري.
فيجيبني قائلا.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : الحمد لله كثيرا على وصولك بالسلامة كما أحمده على رزقه لي بأخ مؤمن منفتح على الحقيقة طيب … كل الدعاء للعائلة بأن يحرسكم الله لتكملة الأمانة كما يطلب ويرضى …. أكرر محبتي ودعائي.

اترك تعليقاً