السيمر / الجمعة 01 . 04 . 2016
شيرزاد شيخاني
حين بدأنا نحن مجموعة من الكتاب الغيورين على تجربة شعبنا الكردستاني بكتابة مقالاتنا التحذيرية من تحول التجربة الديمقراطية بكردستان الى تكرار نموذج الدكتاتوريات السابقة التي توالت على حكم الشعب الكردي طوال ثمانين سنة وإقترفت أبشع جرائم الإبادة الشاملة ضده،كنا نتوقع من خلال ممارسات الإدارة الحزبية لمقاليد السلطة ومارافقتها من صراعات حزبية ضيقة وتكالب الأحزاب السياسية على السلطة بالإقليم،أن تسير تلك التجربة نتيجة تلك الصراعات والممارسات نحو الهاوية، خاصة بعد أن لمسنا من بعض قادة الأحزاب سلوك نفس أساليب الحكم التي ثار ضدها شعبنا في إنتفاضة ربيع عام 1991.
ففي تلك الإنتفاضة هبت الجماهير ضد الدكتاتورية،وكانت الآمال معقودة على الأحزاب السياسية التي خرجت من رحم معاناة الأمة وذاق قادتها نصيبهم من الويلات والمآسي التي حلت بشعبهم، وكان أملنا أن نبني في كردستان تجربة ديمقراطية تكون نموذجا للشعوب المقهورة والمظلومة بأيدي الدكتاتوريات الحاكمة،لكن يبدو بأن الرياح لم تجر بما تشتهي سفن الشعب.
فكانت الخلافات والصراعات الحزبية الضيقة التي أدت في النهاية الى إندلاع الحرب الداخلية وقتال الأخوة، ثم تزوير الإنتخابات والتسلط على مقدرات الشعب وتضييق الحريات بما فيها الحريات الإنسانية والإستئثار بالحكم وتكريس سلطة الحزب والعشيرة وتقسيم إدارة الحكومة الى نصفين،هي بمجملها شكلت العناوين الرئيسية للأحداث التي شهدتها كردستان خلال ربع القرن الماضي.
لم تقف الأمور عند هذا الحد حتى ظهرت خلال الفترة الأخيرة بوادر لتأسيس حكم ديكتاتوري بغيض خارج عن القانون من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود بارزاني.. فعلى الرغم من إنتهاء ولايتيه الأصلية والممدة وحكمه المتواصل لإقليم كردستان لعشر سنوات متتابعة، لكن يبدو بأنه غير مستعد للتنازل وترك منصبه تحت أي ظرف كان، وقال ذلك صراحة متحديا جميع الأعراف والقوانين السارية بالإقليم والعراق والتي تحدد مدة ولاية الرئيس،بل أنه إتخذ جملة من الإجراءات الغريبة على الواقع السياسي حين عطل البرلمان وطرد رئيسه بقرار حزبي من مكتبه السياسي لمجرد أنه حاول إدراج موضوع إنتهاء ولاية رئيس الإقليم بجدول أعمال البرلمان، ثم طرد أربعة وزراء من الحكومة ليشلها بدورها فأصبحت كردستان بلا برلمان وبلا حكومة فاعلة.
لقد حذرنا في السابق من مخاطر التدخلات الحزبية في شؤون الإدارة، ولكن لا أحد إستمع إلينا حتى تجرأ المكتب السياسي لحزب بارزاني بالتدخل في أمر ليس من شأنه أن يتدخل فيه وهو تعديل قانون رئاسة الإقليم الذي هو شأن برلماني صرف ولايجوز للأحزاب السياسية أن تتدخل فيه،لكن هذا الحزب عطل البرلمان ووضع نفسه فوقه وفوق القانون.كما حذرنا من إنزلاق كردستان الى فرض حكم العائلة على مؤسسات الدولة وحكرها، ولكن كان هناك إصرار وخاصة من حزب بارزاني على تحدي كل المقاييس والمعايير السليمة حين فرض أفراد العائلة والعشيرة على معظم مرافق الحكم الحساسة من رئاسة الإقليم الى رئاسة الحكومة الى رئاسة الأجهزة الأمنية الى القيادة العامة لقوات البيشمركة، فيما وزع بقية الوزارات الحساسة (الداخلية والنفط والتخطيط) على أعوانه المخلصين، فكرس بذلك حكم العشيرة والعائلة الواحدة على كردستان التي عانت أساسا من مثل هذه التجربة السقيمة بالحكم في العراق.وبفضل تلك السياسة أصبح كل فرد من أفراد العشيرة البارزانية ذا مهابة وسطوة في السلطة، أنظروا الى الصورة المرفقة بالمقال لكي تتأكدوا بأن هذه العائلة تخطط للبقاء في السلطة الى أبد الآبدين غير آبهين بالشعب وحاجة المجتمع الى التغيير..الإمعان بالصورة ذاتها يؤكد بأن هذه العائلة سوف تتناقل السلطة بالقوة جيلا بعد جيل وأنه لا أمل لأي تغيير بالنظام السياسي،وأن الصورة تعبر أصدق تعبير عما آلت إليه الأمور بكردستان وما ينتظرها من نشوء حكم دكتاتورية العائلة.
ويجب أن لايغيب عن بالنا التصريحات الأخيرة التي أدلى بها مسعود بارزاني لموقع المونيتور الأميركي حين أكد أنه باق بالسلطة الى حين تأسيس الدولة الكردية، وهي الدولة التي حلم بها الشعب منذ أكثر من مائة عام ولم يحصل عليها، وقد يتأخر تشكيلها لمائة عام أخرى، وهذا بحد ذاته هو هدف العائلة البارزانية التي تريد أن تبقى في السلطة الى ذلك اليوم،رغم أن العديد من القوى الكبرى بما فيها أميركا وبريطانيا تعارضان تأسيس هذه الدولة في الظرف الدولي الراهن،بل أن هناك دولا تستكثر على شعبنا بغربي كردستان إعلان فدراليتهم،في ذات الوقت الذي يتحدث فيه بارزاني عن إعلان الدولة وتمزيق خارطة المنطقة.إن بارزاني الذي أصبحت سياسياته ومواقفه الأخيرة مثار إستهجان كبير في المحافل الدولية،ولإمتصاص غضب شعبه من إدارته يسعى الى إستغلال قضية مقدسة لدى الشعب وهي قضية تأسيس الكيان المستقل، ويربط مصير رئاسته بهذه القضية السياسية محاولا التغطية على فشله في تحقيق غطاء قانوني لبقائه في السلطة فيريد عبر العزف على هذا الوتر أن يكسب الشعب الى جانب حكمه العشائري.
إن السياسات الخاطئة هي التي تدفع بكتاب من أمثالنا وسياسيين مخلصين للغيرة على تجربة شعبهم وأنهم حين يتخذون موقفا من هذه السياسات إنما يريدون إيقاظ بارزاني وتنبيهه من سلوك الطريق الخاطيء الذي يسلكه وحزبه وجربه الآخرون،وما نكتبه أو نقوله ليس ناجما عن موقف شخصي أو عداء حزبي بقدر ما هو نابع من الحرص والشعور بالمسؤولية الوطنية تجاه نضالات شعبنا وتضحياته الجسام من أجل الديمقراطية،ولايجب أن يرد على هذه الدعوات المخلصة بالنار والقتل أو تهديد الكتاب والسياسيين لأن هذه التجربة خاضها قبل بارزاني وحزبه العديد من الأنظمة الدكتاتورية فكان مصيرهم معلوما للجميع وهو نصب المشانق و إستئصال أحزابهم للأبد..فهل يتعظ بارزاني وحزبه من تجارب التاريخ ويعود الى صوابه لكي يحقق آمال شعبه التي ثار من أجلها لسنوات طويلة وخاض غمار نضال طويل بجبال كردستان لتحقيقها؟ هذا هو السؤال..
المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا علاقة لجريدة السيمر الإخبارية بذلك