السيمر / الاحد 10 . 04 . 2016
نزار حيدر
فالدّولة، أَيّة دولة، تعتمد على سلطتَين أساسيّتَين، هما التشريعيّة والتنفيذيّة، امّا الثّالثة، القضائيّة، فهي تحصيل حاصل.
أولاً؛ لنبدأ من السّلطة التنفيذيّة، الحكومة، التي يجري الآن الحديث عن إصلاحها.
١/ كلّنا نعرف فان إصلاحها لا يتحقق بتغيير الكابينة فقط، فمهما كان الفريق الحكومي الجديد يتميّز بالمواصفات الدّولية المعمول بها في العالم الناجح الا انّهُ لا يستطيع تحقيق إصلاح ما أفسده السياسيّون على مدى الفترة الزّمنية الطويلة المنصرمة.
واذا اخذنا بنظرِ الاعتبار ان الكابينة الجديدة ستعمل بنفس الأجواء الفاسدة والمسمومة التي لا زالت تخلقها الأحزاب الحاكمة وتسيطر وتعتاش عليها، فسنعرف مدى صعوبة مهمّة الكابينة الجديدة في قيادة البلد نحو الأفضل.
كلّ هذا في حال مرّر مجلس النواب كابينة (الظّرف المختوم) التي قدّمها لهُ رئيس مجلس الوزراء في الأسبوع الماضي، امّا اذا اصرّت الأحزاب والكُتل على فرض مرشّحيها في الكابينة الجديدة وعدم تنازلها عمّا تسمّيه باستحقاقاتها الانتخابية، وظلت تهدّد بقلب الطّاولة على رئيس الحكومة اذا لم يخضع لشروطِها ويقبل بمرشّحيها، كما يجري الحديث الان خلفَ الكواليس، فإنّنا سنعود الى المربّع الاول تتحكّم الأحزاب والكُتل ورؤساءها بالفساد والفشل وبمصير البلاد والعباد الى الوقتِ المعلوم!.
٢/ امّا اذا نجحَ رئيس الحكومة في اختيار وتشكيل الكابينة التي سيقول عنها، وبالفم المليان، انّهُا فريقهُ الذي اختاره بنفسهِ وبالتّشاور مع الكتل النيابيّة من دون فرضٍ او اكراهٍ او تهديدٍ، عندها سنخطو الخطوة الاولى باتّجاه الاصلاح حتى اذا كانت خطوة صغيرة فالحكمة تقول [أَنْ تسيرَ في الاتّجاه الصّحيح ببطءْ كالسُّلحفاة خَيْرٌ لَكَ من ان تركُض كالغزالِ في الاتّجاه الخطأ] فلقد ظلّت الأحزاب المشاركة في العمليّة السّياسية طوال الفترة الماضية تركض في الاتّجاه الخطأ وشعار كبيرهُم (بعد ما نِنطيها) بعد ان وظّف كلّ المقدّسات، ولا يزال، في صراعاتهِ مع الجميع، وفي صراعهِ على السّلطة تحديداً، فأنشغل بها حتى تمدّدت فُقاعة الارهابيّين لتحتلّ نصف العراق الذي يُعاني الان من افلاسٍ خطيرٍ بسبب الفساد المالي والاداري الكبير الذي ظلّ يتستَّر عليه لتحقيق مصالحهِ الشّخصيّة والأُسريَّة والحزبيّة الضّيّقة!.
ثانياً؛ امّا بالنسبة لاصلاحِ السّلطة التشريعيّة، مجلس النوّاب، والذي يُعتبر في النظم البرلمانيّة كحالة العراق الآن، القلب في جسد العمليّة السّياسية برمّتها، فلهُ يعود التّشريع والرّقابة وتسمية كلّ المسؤولين في الدّولة بدءً برئيس الجمهورية وانتهاءً بكل ّالدّرجات الخاصّة والهيئات المستقلّة وكذلك درجات السّلطة القضائيّة مروراً بالحكومة ورئيسها والوزراء والوكلاء والمفتّشين وغير ذلك.
لذلك فانّ الاصلاح الحقيقي والجوهري لكلّ العمليّة السّياسية وأسس بناء الدّولة، بما فيها الإصلاحات الدّستورية، يعتمد على إصلاح مجلس النوّاب حصراً، ولا يُمكن تحقيق ذلك الا بتغيير قانون الانتخابات حصراً، فالقانون الحالي يكرّر إنتاج السياسييّن الموجودين وكلّ الوجوه المحروقة والكالحة التي لم تجلب الخيرَ للعراق على حدّ وصف الخطاب المرجعي لها، في كلّ عمليّة انتخابية جديدة، ويحلم من ينتظر إصلاح البرلمان من خلال صندوق الاقتراع اذا ظلَّ قانون الانتخابات كما هو عليه الان بلا تغيير، فهو مفصَّلٌ عليهم فقط يستنسخهم في كلّ مرّة.
وكما اسلفتُ قبلَ قليل، فحتّى الإصلاحات الدستوريّة تتحقّق في البرلمان، اذا تحقّقت عمليّة إصلاح مجلس النوّاب، ليلغي دور زعيم الكتلة النيابيّة كراعٍ يهشّ على غنمهِ في حضيرةٍ او مرعى.
لنطلق إذن من الآن حملةً وطنيةً واسعةً وشاملةً وشديدةً للضّغط على مجلس النوّاب لتغيير قانون الانتخابات بما يحقّق؛
الف؛ مبدأ [صوتٌ واحِدٌ لمواطنٍ واحدٍ] الامر الذي يُنهي سطوة زعماء الكتل الكبيرة على الدّولة والمشهد السّياسي برمّته.
كما انّهُ يفسح المجال للكفاءات الوطنيّة المستقلّة، التي حاصرتها الاحزاب الفاسدة طوال الفترة المنصرمة، لحجز مقاعدها تحت قبّة البرلمان بصوت الناخب وثقته فقط وبرصيدها الشّخصي، وهناك يشكّلون كتلاً برلمانيّة جديدة، قد يتناصفون المقاعد مع الاحزاب بما يمكّنهم من تحقيق نوعٍ من التّوازن الذي ينشّط ويفعّل الدّور الرّقابي للبرلمان.
باء؛ كما انّ هذا المبدأ سيُساعد على تحقيق مبدأ التّجديد والتّحديث في نظريّة تعاقب الأجيال، وهي النّظرية التي يعمل على تحقيقها اليوم كثيرٌ من النّاس، بعد ان ثبُت للجميع ان جيل السياسيّين الحالي فَشَلَ في تجاوز عُقدُ الماضي كما فشل في تجاوز عقليّة المعارضة الى عقلية بناء الدّولة، فضلاً عن انّهُ فشل في تجاوز صراعاتهِ ومشاكلهِ التّاريخية التي عاشها في بلاد المهجر أَيّام الجهاد والنّضال ضدّ الديكتاتوريّة.
انّ مبدأ [صوتٌ واحِدٌ لمواطنٍ واحدٍ] يُتيح الفرصة ويفتح الأبواب على مصراعَيها لنهوض جيلٍ جديدٍ من السياسيّين يتمتّعون بعقليّةٍ عصريةٍ قادرةٍ على استيعاب المتغيّرات الدّولية وهضم عُقد الماضي بما يُساهم في بناء رؤيةٍ جديدةٍ تُساعد على بناء العراق دولةً حديثةً وعصريّةً ومُقتدرةً وناجحة.
جيلٌ متحرّرٌ من سطوة الاحزاب الفاشلة والزّعامات الفاسدة.
جيم؛ تقسيم العراق لعددٍ من الدّوائر الانتخابيّة يساوي عدد مقاعد مجلس النوّاب، كما نصّ على ذلك الدّستور، طبعاً باستثناء مقاعد الأقليّات كما نصّ عليها القانون.
هذا ما يخصّ قانون الانتخابات.
كما ينبغي ان تشمل هذه الحملة الوطنيّة المطالَبة بتغيير قانون الأحزاب بما يحقّق اعتماد معيار المواطنة فقط لا غير في الانتماء الحزبي الى جانب تحريم وتجريم المساعدات الماليّة التي لازالت تتلقّاها كلّ الاحزاب السّياسية الحاليّة من خلفِ الحدود!.
الى جانب ذلك، ينبغي ان تشمل الحملة المطالبة بإعادة تشكيل المفوضيّة العليا المستقلّة للانتخابات بما يحقّق استقلاليّتها عن تأثير الاحزاب والكُتل والزّعماء والسياسييّن بأَيّ شكلٍ من الأشكال.
بالاضافة الى تشريع قانون الإحصاء السّكّاني العام.
انّنا اليوم أمام فشلَين، لا ينبغي ان نتوقّع الاصلاح الشّامل بلمسةٍ سحريَّةٍ، كما انّهُ ليس في صفوف العراقيّين من يحمل عصا موسى لنوحي لهُ {أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}.
ولا نغفل عن حقيقةِ انّ فساد السياسييّن هو جزءٌ من فساد المجتمع، فليس احدٌ أفضلُ من أحدٍ للاسف الشّديد!.
انّ ايّة إصلاحات في السّلطة التنفيذيّة تبقى إصلاحات ترقيعيّة لا تمسّ الجوهر، على الرّغم من انّها ترقيعات مطلوبة ولازمة وضروريّة على الأقل للوقوف بوجه الانهيار الشّامل، امّا الاصلاح الحقيقي والجوهري فلا يتحقّق الا من خلال إصلاح السّلطة التشريعيّة، مجلس النوّاب فقط وفقط، او ننتظر الطّوفان في الوقتِ المعلوم!.