السيمر / الاحد 17 . 04 . 2016
محمد الحنفي / المغرب
عوامل إنضاج شروط الاندماج:
ولإنضاج شروط اندماج أحزاب اليسار، في أفق إيجاد حزب اشتراكي كبير، وقادر على مواجهة الأصولية، وعلى استيعاب أفواج المثقفين، فإن على الأحزاب اليسارية القائمة أن تعمل على:
1) توحيد المنطلق المعتمد لبناء أيديولوجية اليسار، عن طريق فتح نقاش واسع، بين مختلف المكونات اليسارية، التي تقوم بدور رائد في الساحة النضالية، حول مختلف المنطلقات الأيديولوجية المعتمدة، من مختلف أطراف اليسار، من أجل الوقوف على المنطلق الأكثر علمية، والأكثر صلاحية، لتمكين اليسار المتنوع، من تجنب كل أشكال التحريف، التي قد تفسد سلامة هذا الحزب اليساري، أو ذاك من التحريف، وصولا إلى اقتناع جميع الأطراف اليسارية بالاشتراكية العلمية، كمنطلق لبناء أيديولوجية كل حزب يساري، لضمان إحداث تقارب أيديولوجي، وتنظيمي، وسياسي.
2) فتح نقاش واسع، حول الأيديولوجيات المعتمدة، من قبل الأحزاب، والتوجهات اليسارية، المنبنية على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية كمنطلق، في أفق الوصول إلى خلاصات أيديولوجية موحدة، تعتمد أيديولوجية للحزب الاشتراكي الكبير، الذي تندمج في إطاره كل الأحزاب المتحاورة، في إطار الوحدة الأيديولوجية، ليصير بذلك حزبا اشتراكيا كبيرا، وحزبا للطبقة العاملة، ولسائر الكادحين.
3) وانطلاقا من الخلاصات الأيديولوجية الموحدة، فإن الأحزاب اليسارية المقتنعة بالاشتراكية العلمية، كمنطلق لبناء الأيديولوجية، تفتح نقاشا واسعا حول الورش التنظيمي، لمناقشة التصورات التنظيمية المختلفة، القائمة على الأيديولوجية المنبنية على الاقتناع بالاشتراكية العلمية كمنطلق، من أجل الوصول إلى خلاصات موحدة للأحزاب، والتوجهات اليسارية، من أجل الانطلاق منها، لإيجاد تصور تنظيمي، يستجيب لطموحات الأحزاب اليسارية، في بناء وحدة تنظيمية، تصير قائدة لليسار، وللنضالات الجماهيرية، في أفق إحداث تغيير في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
4) وبناء على توحيد التصور التنظيمي، انطلاقا من الخلاصات الأيديولوجية الموحدة، فإن التنظيمات اليسارية المتوصلة لوحدة التصور التنظيمي، تفتح ورشا سياسيا، حول التصورات السياسية، لمختلف أحزاب اليسار المقبلة على الاندماج، في أفق الوصول، كذلك، إلى خلاصات سياسية موحدة، حول الاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، والسياسة، وحول شكل الدولة، وحول المؤسسات المنتخبة، ودورها في التشريع، وفي تدبير الشأن العام، وحول القضية الوطنية، والمسألة التعليمية، وغيرها، مما له علاقة بالرؤيا السياسية لمجمل ما يجري في الحياة، حتى تصير وحدة التصور السياسي، من عوامل الوحدة اليسارية، المتمثلة في قيام اندماج بين الأحزاب اليسارية.
وبذلك نجد أن وحدة المنطلق الأيديولوجي الاشتراكي العلمي، في بناء الأيديولوجيات التي تبني عليها أحزاب اليسار تنظيماتها، وأن التوصل إلى خلاصات أيديولوجية موحدة، بين الأحزاب اليسارية المقتنعة بنفس المنطلق، والتي يتم بناء تصور تنظيمي موحد على أساسها، وإيجاد رؤيا سياسية موحدة، حول مختلف القضايا، ومجمل المسائل القائم في الواقع ،تشكل جميعها شروطا ناضجة، تساعد على قيام وحدة أيديولوجية / تنظيمية / سياسية، لقيام اندماج بين أحزاب اليسار، التي يقوم بينها تقارب أيديولوجي / تنظيمي / سياسي، كما هو قائم بين مكونات فيدرالية السار الديمقراطي.
وبالعمل على توحيد اليسار، بعد إنضاج شروط ذلك التوحيد، يولي اليسار المغربي، أو العربي، أو العالمي، ظهره للاختلافات، والخلافات الأيديولوجية، والتنظيمية، والسياسية، وانطلاقا من الوحدة القائمة في المجالات المذكورة؛ فإنه يتفرغ للمعالجة العلمية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تقتضي من الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، التفاعل مع مختلف المعالجات اليسارية، لقضاياها المختلفة، في أفق المساهمة في تطويرها، وفي جعل اليسار فاعلا، ومتفاعلا، في نفس الوقت، مع الواقع الجماهيري الواسع، ومن أجل جعل المجتمع المغربي، بكل فئاته، متفاعلا مع أطروحات اليسار، التي لا تكون إلا علمية، لا بد من:
1) أن يهتم اليسار بالوضعية الاقتصادية للجماهير الشعبية الكادحة، كاشفا عن معاناتها من الاستغلال الاقتصادي، الذي تملرسه الطبقة الحاكمة، وسائر المستغلين، على اختلاف تنوعهم، وعلى اختلاف مستوياتهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وعاملا على تفكيك الاقتصاد الرأسمالي التبعي، في علاقته بالاقتصاد الرأسمالي، وما يترتب عنه من استغلال مضاعف للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.
وبما أن أو جه الاستغلال يترتب عنها النمو السرطاني لثثروات المستغلين، بسبب استغلال الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، المؤدي إلى مضاعفة الرأسمال، الذي يترتب عنه مضاعفة الاستغلال، في أفق جعل الجماهير الشعبية الكادحة، تدرك ضرورة وعيها بخطورة الاستغلال المزدوج للرأسمال التبعي، القائم في بلادنا، (نظر لاستغلاله من أجل تنمية الرأسمال التابع، ولصالح الرأسمال العالمي). وماذا يجب عمله من أجل العمل على وضع حد للاستغلال المزدوج في أفق وضع حد للاستغلال الرأسمالي.
2) أن يهتم بالوضعية الاجتماعية التعليمية، والصحية، والسكنية، والشغلية، والترفيهية، وغير ذلك، مما له علاقة بالاجتماع، عاملا على تفكيك علمي للنظام التعليمي المغربي، باعتباره نظاما غير ديمقراطي، وغير شعبي، وأن يعمل على توعية جماهير الشعب المغربي، بخطورة النظام التعليمي على مستقبل أجياله، خاصة، وأن واقع الأمر يؤكد ذلك، بسبب غياب ربط التعليم بالواقع، ونظرا لتضخم ظاهرة الأصولية بمعناها العام، وبعناها الدولتي، وبمعناها الحزبي، في البرنامج التعليمي، مما حوله إلى وسيلة للنفخ في الأصولية المغربية، إلى درجة التسرطن، الذي اصبح يهدد مستقبل الشعب المغربي، الذي يحول إلى مفرخة لإنتاج الدواعش، على يد، وفي إطار الأحزاب، والتوجهات المؤدلجة للدين الإسلامي، والمعادية للممارسة الديمقراطية، والساعية إلى دعم الاستبداد القائم، أو تعمل على فرض استبداد بديل. وهو ما يفرض ضرورة تصدي اليسار للنظام التعليمي القائم، وأن يعمل على قيادة النضالات الجماهيرية، من أجل إيجاد نظام تعليمي بديل للنظام التعليمي القائم، حتى يتحول النظام التعليمي المغربي، إلى نظام تعليمي ديمقراطي شعبي، تتقلص فيه الأصولية، إلى درجة الاختفاء، حتى يتحول التعليم الديمقراطي الشعبي، إلى منتج للوعي بالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، كما يعمل اليسار على تفكيك النظام الصحي في المغرب، الذي يتخوصص بطريقة غير مباشرة، ليصير في خدمة الرأسمال التابع، بمساهمته في نهب جيوب المرضى من السكان، الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج في المستشفيات العمومية، وأن يناضل من أجل الجماهير، ومعها، في أفق أن يصير النظام الصحي في خدمة المواطنين، وبدون مقابل، خاصة وأن من يتوجه من المرضى إلى المستشفيات العمومية، لا يكون إلا من العاجزين عن أداء فواتير الدواء، وباقي مصاريف العلاج، مع ضرورة العمل على وضع حد للمحسوبية، والزبونية، والإرشاء، والارتشاء، وكافة أشكال الفساد، التي تنخر كيان الشعب المغربي.
وبالإضافة إلى اهتمام اليسار بالجانب الصحي للجماهير الشعبية الكادحة المغربية، فإن على هذا اليسار، أن يهتم بقطاع السكن الاجتماعي، الذي يشكل غولا لالتهام جيوب المواطنين على مدى عمرهم، إن هم فكروا في امتلاك سكنهم الخاص، والعمل على توعية الجماهير الشعبية الكادحة، بأوضاعها المادية، والمعنوية، وبالشروط الموضوعية، التي تكون محكومة بالاستغلال، لصالح طبقة معينة، حتى تصير هذه الجماهير مهيأة للانخراط في الصراع ضد الطبقات المستغلة، والمستفيدة من الاستغلال، كما عليه أن يهتم بالتشغيل، باعتباره قضية اجتماعية مزمنة، وأن يعمل على تعبئة العاطلين، والمعطلين، من أجل التكتل، والعمل في أفق انتزاع حقهم في الشغل، الذي بدونه، يبقى الإنسان العاطل بدون كرامة، بالإضافة إلى ضرورة عمل اليسار، في أفق تحقيق شروط الترفيه الاجتماعي، الذي يستهدف جميع الفئات العمرية، وخاصة الأطفال، والشباب، واليافعين، نظرا لدور الترفيه في إحداث تماسك اجتماعي هادف.
3) أن يهتم بالوضعية الثقافية، الهادفة إلى جعل الإنسان، أي إنسان في المجتمع، مع مختلف المكونات الثقافية، وفاعلا فيها، مؤثرا، ومتأثرا، مما يجعله متطورا باستمرار، في أفق ذوبان الذات، فيما هو إنساني. وعلى اليسار أن يقوم بدور رائد، في تحديد:
ما هي الثقافة؟
وما هي الثقافة التي نريد؟
وما هي الغاية منها؟
وفي أي أفق يتم رسم التوجه الثقافي للمجتمع؟
وبأي قيم ثقافية؟
وما العمل من أجل أن تصير قيمنا الثقافية رائدة، تنتقل بسلوك كل فرد من أفراد المجتمع، إلى ما هو أرقى؟
ولذلك، فإن اهتمام اليسار بالثقافة، يقتضي الاهتمام بالحرص على نوعية الأدوات الثقافية، انطلاقا من النضال، من أجل توفير دور الشباب، ودور الثقافة، ومراكز الإقامة، ومرورا بالكتب، والمجلات، والجرائد، التي تخصص بعض صفحاتها للثقافة، والموسيقى، والأغنية، والمسرح، والسينما، وكل ما يؤدي إلى إشاعة قيم ثقافية جادة، وتقدمية، وديمقراطية، ومتقدمة، ومتطورة، وعلمانية، وغيرها من القيم الثقافية، التي تقف وراء قوة شخصية الفرد، ووراء إحداث تماسك العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين ينجزون ما يجعلهم مساهمين بشكل مباشر، في تسييد القيم الإنسانية النبيلة، التي هي الهدف الأسمى، من وراء وقوف اليسار، وراء إيجاد ثقافة في مستوى التحولات، التي يعرفها الواقع، ووراء اكتساب القيم التي تجعل كل فرد من أفراد المجتمع، فاعلا في تحولات الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في أفق جعله في خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، سعيا إلى جعل جميع أفراد الشعب، متشبعين بالقيم الثقافية، كما يتصورها اليسار، وكما يسعى إلى تسييدها في المجتمع، من أجل اكتساب الجرأة على المساهمة في تغيير الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، كما يسعى اليسار إلى ذلك، من أجل التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، والكرامة الإنسانية.