السيمر / الخميس 05 . 05 . 2016
نـــــــــزار حيدر
السّؤال السّادس عَشر؛ برأيكَ، هل تتأثّر مواقف المرجعيّة الدّينيّة بالاشاعات والدّعايات وحملات التّسقيط التي تتعّرض لها بين الفينَةِ والأُخرى من قِبَلِ البعض؟ وكيفَ تتعامل المرجعيّة معها عادةً؟.
الجواب؛ للإجابةِ على هذا السّؤال المهمّ، إسمح لي أولاً أن أوضِّح المقدِّمات التّالية:
أولاً؛ لا أحدَ منّا لم يتعرّض الى الإشاعات والدّعايات والحملات التسقيطيّة في حياتهِ، طبعاً كلٌّ حسب موقعهِ ومسؤوليّتهِ ودورهِ وحجمهُ في الحياة وخاصّة في الشّأن العام وتأثيرهُ في الأحداث الاجتماعيّة والسياسيّة وغير ذلك.
واذا قرأنا التّاريخ القديم والحديث فسنلحظ هذه الحقيقة بشكلٍ واضحٍ جداً لم يفلت منها الا اللاأُباليون الذين لا يهمّهم شيء من عديمي الشّعور بالمسؤولية في المجتمع ممّن وصفهم أمير المؤمنين (ع) بقوله {كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا}.
فلقد تعرّض الرُّسل والانبياء والأئمة والمصلحون لحملات تشويهٍ وتسقيطٍ على لسانِ مختلف شرائح المجتمع بمن فيهم (الزّعماء الدينيين) في عصورهم، فهذا نبيّ الله يوسُف (ع) تعرّض لحملات التّشويهِ على يد زوجة عزيز مصر، كما ورد في القرآن الكريم {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الى جانب كبار المؤسّسة الدّينية فيها او ما يُسمّى بكهنة المعبد، وذاك نبيّ الله عيسى عليه السلام تعرّض وامّهُ لحملات التّسقيط والتشويه وصلت الى الطّعن بشرفهِ وعِرضهِ من قِبل كهنة بني اسرائيل كما ورد في كتاب الله العزيز {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا* يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}.
امّا رسول الله (ص) الذي كانت تسمّيه قُريش، كبيرُها وصغيرُها، بالصّادق الامين فكانت ترضى بحكمهِ في حلّ اعقد خلافاتها (الدّينيّة) والاجتماعيّة والاقتصاديّة وغيرها، فحدّث عَنْهُ ولا حرج، فلقد انقلبت الآية ليُتّهم بعقلهِ ولسانهِ وبكلّ شَيْءٍ لحظة بعثتهِ الشريفة، والتي يصادف اليوم ذكراها العطرة، والإعلان عن رسالتهِ ودعوتهِم الى التّوحيد ونبذ عبادة الأصنام، كما في قوله تعالى {فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ* أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ}.
ولم يُستثن أمير المؤمنين (ع) من ذلك، فلقد تعرّض عليه السّلام لحملات تسقيط وتشويه والطّعن بشخصيّته على يدِ مبغضيهِ وخاصّة الأمويّين الذين لم يوفّروا حرفاً ولا اداةً ولا وسيلةً لتحقيق ذلك، الا وسخَّروها ولجأوا اليها، ولقد تحدّث الامام عن ذلك في مناسباتٍ عديدةٍ منها قوله عليه السّلام {عَجَباً لاِبْنِ النَّابِغَةِ! يَزْعُمُ لاَِهْلِ الشَّامِ أَنَّ فِيَّ دُعَابَةً، وَأَنِّي امْرُؤٌ تِلْعَابَةٌ: أُعَافِسُ وَأُمَارِسُ! لَقَدْ قَالَ بَاطِلاً، وَنَطَقَ آثِماً}.
وبمرورٍ سريعٍ على تاريخ المرجعيّة الدّينيّة، سنلحظ انّها كذلك تعرّضت الى حملات التّشويه والتّسقيط وبث الشائعات والدّعايات والتّهم والافتراءات الى يومِنا هذا.
ثانياً؛ اذا كان التعرّض لحملات التّسقيط أَمرٌ طبيعيٌّ، وهو كذلك، اذن ينبغي مواجهة ذلك بشتّى الطّرق من اجل ان لا يستسلم المرء لها فيترك واجباتهِ ويدع مسؤوليّاتهِ، لان ذلك يعني تمكين المرء الاخرين من تحقيق مآربهم وغاياتهم من حملاتهم التّسقيطيّة.
إنّنا نعرف جيداً انّ مَن يلجأ الى حملات التّسقيط يهدف الى إزاحة المستَهدَف من السّاحة والقضاء عليهِ وإسكات صوتهِ من خلال اغتيال شخصيّتهِ، فكيف يُجيزُ الانسانُ العاقل ان يمكّنهُ من تحقيقِ هدفهِ المريض؟.
لو انّ كلّ مصلحٍ او متصدٍّ للشّأن العام استسلم لحملات التّشويه والتّسقيط، فترك مسؤوليّاتهُ الدّينيّة والوطنيّة والأخلاقيَّة والاجتماعيّة وجلسَ في بيتهِ، اذن لما شهِدنا إِصلاحاً ولما بقي مصلحٌ متصدٍّ في المجتمع!.
لابدّ من الصّبر والصّمود والثّبات والمثابرة لاسقاط أدواتهم غير الشّرعية ليس بالمواجهة بالمثل، التّسقيط والتّشهير ونشر الاكاذيب وبثّ الدّعايات كما يفعلون، ابداً ابداً، وانّما بالعلم النّافع والعمل الصّالح والانجاز القويم والنّجاح الواضح والرّؤية الثّاقبة والفكرة والرّأي والاستشارة السّلميّة، فكلّ ذلك أفضل ردّ على حملاتِهم التّسقيطيّة، من جانبٍ، وهو الأسلوب والطريق الذي لا يُشغلُنا عن أداء رسالتنا وتحقيق أهدافنا الرّسالية السّامية والمقدَّسة.
انّهما منهَجان حدّد معالمهُما أمير المؤمنين (ع) بقولهِ {وَاللهِ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي، وَلكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ، وَلَوْلاَ كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ، وَلَكِنْ كُلُّ غَدْرَة فَجْرَةٌ، وَكُلُّ فَجْرَة كَفْرَةٌ، وَلِكُلِّ غَادِر لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
يتبع
الجريدة غير مسؤولة عن كل ما ينشر من اخبار ومقالات على صفحاتها ولا تعبر عن رأي الجريدة