الرئيسية / مقالات / مالك بن نبي .. ليس متكبرا

مالك بن نبي .. ليس متكبرا

السيمر / الجمعة 13 . 05 . 2016

معمر حبار / الجزائر

ترد صاحب الأسطر أسئلة عن مالك بن نبي، ويجيب عنها بقدر قراءاته لتراث بن نبي، وبالقدر الذي يزيد المسألة وضوحا وبيانا. ومن بين هذه الأسئلة التي وردت عبر أحد الزملاء، السؤال أدناه وقد إنتقى منه صاحب الأسطر ماله علاقة ببن نبي، وهو..
” بارك الله فيك على ماتفعل من ابراز علماء الجزائر .. وانا لا اقرا لبن نبي لانه لم ينزل الى مستوى الناس وكانه خدم الغرب اكثر. نحن نعلم الصعوبات التى واجهها لكن عنده نوع من التكبر المعرفي.. ومنها كتابته بالفرنسية .. لان لكل امة لغة التى تعبر عن المعانى بدقة لا تؤديها اى لغة اخرى “.
وسنحاول قدر الإمكان الوقوف على النقاط الواردة في سؤال الزميل، ونقول بعد الشكر والثناء..
قول القائل: ” وانا لا اقرا لبن نبي لانه لم ينزل الى مستوى الناس”.. أتساءل مامعنى “لم ينزل إلى مستوى الناس “، وهو الذي ظل يعيب على المفكرين وعلماء الدين والساسة، لأنه لم ينزلوا لمستوى الناس. وأشاد بأفكار نجحت وتجسدت في مجتمعات راقية، لأن اصحابها نزلوا إلى الشارع فاحتضنها المجتمع، وجسّدها في مشاريع ترفعه وتقويه.
وأتساءل، كيف لبن نبي لم ينزل للمجتمع، وهو الذي رضي أن يعمل بأدنى المهن وأحقرها، ونزل للمجتمع ليقدم دروسا في محو الأمية، وهو من هو في العلم والهندسة. ورفضته عدة جهات، بل رفضته رغم أنه رضي لنفسه أن يعمل بالمجان، ومقابل فرنكات يومها ، لاتفي حتى وجبة الفطور أو الغداء. وقد ذكر ذلك في مذكراته خاصة كتابه ” العفن”، لمن يريد الزيادة والتفصيل.
أما قول القائل أن بن نبي “خدم الغرب”، فأقول.. كيف يتهم بن نبي بهذه التهمة، وهو الذي ظل يطارده الاستدمار الفرنسي في كتبه، وأفكاره، وزوجه، ومحيطه. ولم يترك فرصة سانحة إلا وضغط عليه الاستدمار وشوش عليه، وألّب عليه المحيطين به، بالترغيب تارة، وبالتهديد تارة أخرى. ومن يقرأ كتابه “الصراع الفكري في البلاد المستعمرة” وكتابه ” العفن “، يدرك ذلك جيدا، ويقف على ممارسات ماسينيون في الضغط على بن نبي ، وتشويه صورته، والحط من أفكاره، وإبعاد الناس عنها، بل هدّده في زوجه وحاول الضغط عليه من خلال هذا الباب. بل طارده وهو في القاهرة، ومنع غيره من الغربيين من الاتصال به، وطبع كتبه، ونشر أفكاره.
والسؤال الذي يطرحه صاحب الأسطر الآن.. كيف يمكن لمن كان هذا وضعه وحالته، أن يكون قد خدم الغرب، وقد نال منه كل أنواع الإهانة والإزدراء والضغط والتخويف.
أما عن فيما يخص قول القائل، ” ومنها كتابته بالفرنسية.. “، وكأن الكتابة بالفرنسية يومها تهمة، نقول..
بن نبي كغيره من الجزائريين الذين عاشوا في عهد الاستدمار الفرنسي، فرضت عليه اللغة الفرنسية، فتعلم في مدارسها، وقرأ كتبها، وكتب بلغتها. لكن ظلت أفكاره نابعة من مجتمعه، وتستمد قوتها من حضارته الإسلامية. ومما يستوجب ذكره في هذا المقام، أن بن نبي كان يكتب بجريدة “البصائر” الصادرة عن جمعية العلماء، ثم توقف عن الكتابة، لأن أحد الذين كلفهم بن نبي بمراجعة مقالاته، أساء حسب بن نبي، حين ركّز على الشكل، فأفقد المضمون معناه، ولهذا السبب إمتنع بن نبي من النشر في البصائر.
لم يكن بن نبي يثق في ترجمة عبد الصبور شاهين باللغة العربية، فكان يراجعها بنفسه ويجري عليها التغييرات المطلوبة، بل نهاه أن يترجم مباشرة دون الرجوع إليه، ثم منعه نهائيا من ترجمة كتبه ، لسوء خلقه وضعف ترجمته، وانتقل لمترجم آخر.
ومن يقرأ ” في صحبة مالك بن نبي “، من جزأين للأستاذ عمر كامل مسقاوي، كيف كان بن نبي يحرص وبشدة على ترجمة كتبه باللغة العربية، وأوصى بنشرها باللغة العربية، وراجعها بنفسه.
وشرع بن نبي في ترجمة كتبه بنفسه إلى اللغة العربية، بمجرد إسترجاع السيادة الوطنية سنة 1962. وكان كتاب ” الصراع الفكري في البلاد المستعمرة “، أول كتاب ترجمه إلى اللغة العربية.
والمتتبع لمسيرة بن نبي، يلاحظ أن مجهودات بن نبي خاصة في سنواته الأخيرة، تركزت كثيرا على ترجمة كتبه إلى اللغة العربية، والسعي لترجمتها بكل ما أوتي.
والزعم أن بن نبي لم يخدم الجزائر، يعد إجحافا وظلما في حق الرجل. وبن نبي دافع عن الجزائر في كتاباته، وكانت الجزائر حاضرة من خلال أفكاره، فلم تغب عنه الجزائر أبدا. وعاد للجزائر ومن أجل الجزائر، وكان باستطاعته أن يبقى في المهجر. وعانى من أجل الجزائر، وتعرّض للإيذاء من طرف قادة الثورة والعلماء وساسة الجزائر من أجل الجزائر. ولا أعلم له وطنا غير الجزائر.

اترك تعليقاً