السيمر / الجمعة 13 . 05 . 2016
رواء الجصاني
قبل نحو عشرة اشهر، ومع انطلاق التظاهرات الاحتجاجية، الجريئة على اقل وصف، طرحتُ عددا من التساؤلات، ليست بريئة جميعها بالتأكيد، وقد اجابت عنها الايام، بهذا القدر او ذاك، وفي العديد من تلكم الاجابات، كانت التوقعات معروفة- وايضا بهذا القدر او ذاك- بحسب مدى الوعي والادراك، كما الابتعاد عن العواطف، وخاصة الجياشة منها …
ومن الاهم كما هو معروف، هو الاستفادة من التجاريب، والتعلم منها، والجرأة في الاعتراف بالخطأ، وترسيخ الصواب، دون ان تأخذنا مشاعر “العزة بالاثم” .. وفي ذلك فقط، لا تشملنا المقولة الجواهرية العميقة المركزة، المتمثلة في بيت شعر واحد يقول:
ومنْ لم يتعظ لغدٍ بامسٍ، وأن كان الذكيّ، هو البليدٌ
ولعلّ في التكرار افادة، كما يُقال، دعونا نخوض في مراجعات لبعض تلك “التساؤلات” المنشورة، قبل نحو عشرة اشهر ليس ألا، كما سبق القول، مع ايجازات اكثر، برغم انها كانت موجزة اصلاً، وهاكم اختيارات وخلاصات منها، وعنها، عسى ات تفيد ونحن نعيش واقعنا العراقي الراهن:
1- يُعاد السؤال تلو الاخر، عن افاق الحراك الجماهيري، وعن البدلاء المرادين، القادرين على السير بالاصلاح، واطلاقه، ولا نقول اتمامه؟ .. ويجيب هذا وذاك، يأسا مرةً، و دلساً مراتٍ ومرات: وليكن الشيطان… ونُحار- مجادلين ليس ألا- لمن نميل للعاطفة ام للعقل؟…
2- ونقول بأن لانتصار الحراك الشعبي متطلباتٍ، واحتياجات زمانية ومكانية، وذاتية وموضوعية… فيرد متنطعون، او حريصون، بأن القادم احلى مهما كان، ناسين ان ثمة من يترصد ويتوعد، وما احد قادر على ردعه، حتى الان على الاقل… ونصدحُ: ولشدّ ما يؤذى الكرامةَ ان نرى صوتَ المساومِ بالكرامةِ يُرفــعُ..
3- وحين يصرخ اخرون من خارج البلاد، وحيث “الأنس في فيينا” وجوارها، وقريناتها: انهم يريدون ذلك الحراك الجماهيري الشجاع، باقل من “وثبة” بل” انتفاضة” وحتى “ثورة”… حين يصرخ اولئك، يدعو “اهل الدار” المكتوون بلهيب الوطن، لعدم الانسياق وراء الفوضى وأسقاط ” النظام” والاحتراز من ركاب الموجة، في الداخل او الخارج، ودعاويهم وادعاءاتهم.
4- وإذ نرى هنالك من يقدم ويؤخر في اسبقيات حراكـ”نـا” الجماهيري، ونقول بضرورات ان تكون الاولوية، وبدون لف ودوران، لجبهات الكفاح ضد الارهاب ومناصريه الظاهرين والباطنيين.. حين نقول بذلك ينبري بعض الطيبين، كما وذوي السوابق !!، ليسعوا لاثارة الفتن، والطائفية المقيتة، بل ويتجرأون حتى في التبرير لما يقوم به الداعشيون واخوانهم، بهذا الزعم او غيره، وبخجل حيناً، بل وبعلانية حيناً آخر، عندما يطمئن- ذلكم البعض- لمن حواليه او جنبه.
5- وحين يجري الحديث عن الفساد، واهمية مكافحته، نجادل فنقول بــن الاساس في ذلك يتطلب التركيز على مكافحة “بنيوية” الفساد، وعلل وخراب العقول والنفوس، وعلى إشاعة القيّم وترسيخها، ودور السياسيين النجباء، والنخب المثقفة في تلك المكافحة المرتجاة. ولكن ما نتصدى اليه بواقعية نعتقدها، يغضب الكثير، ولاسباب متباينة، ولربما من بينها، شكٌ وشعور بان حديثنا قد يمسهم، ويلمّح لهذا و ذاك، ولعل المريب يقول خذوني، او يكاد .
6- وعندما يستمر التداول في موضوعة الديمقراطية، والاغلبية والاقلية، يفسر “طيبون” الامر كما يشتهون، وفقاً لمستويات الوعي والمعرفة، او لأنهم تعودوا على حال، ولا شك بأن من شب على شئ، شاب عليه .
7- اما عن المزايدين، واصحاب المآرب المخبأة بعسل الكلام، فحين يجادلون بشأن مواقف وافكار شباب وشيب الحراك الجماهيري- الاصلاحي، يلفون ويدورون، وهم ليسوا عارفين بما يدور، أو انهم يعرفون فيحرفون، كما يقول العراقيون حقاً، وليس “المستعرقون” مثل اولئك الذين لا يعلمون الى الان بأن لواء “المنتفك” صار محافظة الناصرية منذ عقود، ثم راحت تسمى اليوم “ذي قار” !!!.
8- وكما هي حال المعنيين بالفقرة السابقة، بات حال العديد من المناضلين الجدد، والطائفيين، والمناطقيين، واشباههم كثر، ولا حصر لهم.. فما عادوا من الوطنية المدعاة الا بالصياح والخطابية واجترار المفردات، وما تحرك لهم- او يتحرك- حاجب، او يرفّ جفن، لو تحولت التظاهرات حتى الى حمامات دم، يخطط لها الاوباش والفاسدون وارتالهم المجحفلة بالبقايا والمتضررين، واصحاب النعم الحديثة.
9- ثم نتساءل ايضا: اما بات يلفتُ الانتباه الى ان المعركة الالح، والاهم، ونعني بها الحرب مع، وضد، داعش واربابها وحواضنها، راحت في الموقع الثاني – على الاقل- عوض ان تكون الاول دائما، وذلك بسبب طغيان اخبار واحوال التظاهرات، دعوا عنكم المزايدات بشأنها؟!… ترى الا يتطلب الامر ان تبقى الانظار والقلوب، والعقول باتجاه جبهات القتال، بشكل رئيس؟!.. وان يُصار للتأكيد دائماً : ان معركة “ساحة التحرير” وغيرها، واحدة من معارك الحرب مع الارهاب والظلام …
10- وثم ايضا، وبالارتباط مع ما سبق، هل ستتحقق – فعلاً- الاصلاحات ووتقوم الدولة المدنية- ودعونا عن العلمانية الان- جنبا الى جنب دولة “داعش” المستمرة في دمويتها وظلاميتها الوحشيتين ؟! ..
11- ولان الشئ بالشئ يُذكر، بل ويتشابك، نتساءل: اليس من واجب القادرين، ان يعينوا الناس ويوضحون بان “اصلاح” العراق لن يتحقق بمعزل عن الواقع والظروف والصراع الدولي والاقليمي والعربي؟ .. اليسَ في تلك المصارحة ما يفيد اصحاب الشأن، كما والناس عموماً، لكي لا تذهب جهودهم واحتجاجاتهم صرخات في فضاءات الخيال.
12- أما ان الاوان للتعامل الواقعي، وبعيدا عن العاطفة، مع موضوع “فدرلة” العراق، ومحاولة اعادة توحيده، حقناً لدماء وتضحيات مجاهدي الجيش والحشد وعموم المكافحين البسلاء ؟!.
13- ثم، وعسى ان لا ينبري الشتامون، نقول: اليس من المهم ان لا تبالغ النخبة السياسية، والمثقفة، في التفاؤل المفرط بما سيتحقق من نتائج و”اصلاحات” لكي لا تنكفئ الجماهير، اذا ما لم يتحقق حد ادنى، ولا نقول أوسط، من المطاليب، فتتخلف عن اية دعوات لاحقة للتظاهر والاحتجاج؟.
14- و… اما ترون معي بأن التشدد في الشعارات امر مبالغ به، وربما يتسبب بما لايراد؟.. اليس من الاصح- وساتحدث بكل مباشرة هنا- ان يتغير الاطلاق والتعميم في شعار “نواب الشعب، كلهم حرامية” الى بديل اكثر واقعية وهو “النصف” وليس “الكل” … مثلا؟!.
15- وما دمنا في عوالم الشعارات، اما في هتاف “باسم الدين، باكونه الحرامية” ما قد يستفز شرائح كبيرة ويضعها في تقاطع مع الاخرين، دون حاجة وضرورة حقيقيتين؟!… فهل ادخال “الدين” في التظاهرات حال مناسبة، وثمة ملايين قد تتصادم، او يجري دفعها للتصادم مع المحتجين الاخرين بسبب هذه “الكلمة” الوحيدة لا غير، وان جاءت بمعنى الايجاب والمديح ..
16- ثم، وهنا ربما تكرار مفيد، لعلّ وعسى ينفع التذكير، اما من الاكثر حكمة الا تعلو هتافات عراقيي “الخارج” ازيد مما تفيض به مطاليب مواطنيهم في البلاد، فاهل “ساحة التحرير” ادرى بشعابها، ولكي نحجم ما قد يُقال عنا – نحن العراقيين في اوربا والمهاجر الاخرى- بان حماسة الرقص تأخذنا “باشدّ مما ينفخُ الزمّارُ” …
17- وثم من جديد، نتساءل: اليس من التحضر، والجميع راح يزايد اليوم بهذه الكلمة ذات الالف مغزى ومغزى، ان يكون اليراع النبيل، اساس الحوار والتداول بشأن التساؤلات اعلاه، وسابقاتها، وبعيداً عن الاحكام المسبقة، و”العواطف” والسباب المتهافت؟!.
18ـ وهل حقاً ان هناك بعض تداعيات سلبية، وقلق وانكفاء بدت، أو تكاد – بسبب التظاهرات – عند بواسل ومجاهدي القوات العراقية، بمختلف تشكيلاتها: جيشاً وحشداً وفصائل أخرى، ولمصلحة مَنْ ذلك؟… ألا يجب ان يزيد التركيز على ان التظاهرات أولاً لدعم أولئك المقاتلين على “ساحات” الكفاح ضد داعش؟.
19ـ كما نتساءل ايضا: أليس من الواقعية، والموضوعية بمكان، ألا تـُهـمل تجاريب “الربيع” السوري، والليبي، واليمني، حينما سقطت تلكم البلدان في متاهات الدمار وأنهار الدماء؟.. أما ينبغي على النخب السياسية الوطنية، والمثقفين العراقيين، بحق، أن يكونوا موجهين للجماهير، وبوصلتها، لا مسايرين لها، دون حسابات الحقل، والبيدر؟.. أما من فائدة جلّى في تبني حكمة “من أراد أن يُطاع فعليه أن يأمر بما هو مستطاع”؟!.
20ـ وفي ضوء الفقرة السالفة، هل يحق التساؤل مجدداً عن صلاحية وجدوى الديمقراطية المبتغاة، وإمكانية إشاعتها في بلدان مثل بلداننا، حيث الوعي الاجتماعي، والتعليمي، والسياسي، في مستويات لا تستوعب مثل تلكم “الديمقراطية”؟… وبالمقابل، هلي يعني – خلاف ذلك – ان من المطلوب ان يُدعى لمزيد من الحزم والضبط، والقوة، وان لفترة زمنية محددة؟.
21ـ ثم، هل من الصحيح المبالغة في حجوم وقوى التظاهر، من أجل التحريض و”التثوير” فيقال ان الآلاف المؤلفة في ساحة “التحرير” ببغداد وشبيهاتها في المحافظات، هي صوت الشعب كله؟ …وإذا كان ذلك صحيحاً، فبماذا سيكون الرد حين تقارن تلكم الآلاف بملايين الصامتين، دعوا عنكم المؤيدين لمافيات الفساد، والمنتفعين، والمتسلطين وتجار السياسة قديمهم، والجديد؟!.
22ـ وفي سياق ما سبق، هل باتت منابع، وينابيع المشاركين في التظاهرات هي التي يعوّل عليها في الاصلاح والتغيير؟!… وان لم تكن كذلك، فهل يعني ذلك ضرورة الانتظار الى ان حين ان تكون تلك “الينابيع”، و”المنابع” من مواقع، وقواعد، وفئات، بل وحتى طبقات أخرى؟.
23ـ وأخيراً أليست هذه التساؤلات محبطة للعزائم، والتثوير، بحسب البعض، وخاصة الذين لا ناقة لهم ولا جمل بما حدث، ويحدث، في البلد العجيب ؟.. أم انها حريصة على ان تكون الأمور في مسارات أكثر موضوعية وواقعية، ولكي لا يستغل هذا الحراك الجماهيري، أصحاب السوابق الذين ساهموا- فعلا او كتابة اوقولاً- في احراق البلاد العراقية وأهلها، سنوات طوال، تحت شعارات “الوطنية” ومقارعة “الاحتلال” و”الثورية” وما شابه ذلك؟.