السيمر / الاثنين 06 . 06 . 2016
نـــــــــزار حيدر
السّؤال التّاسع عشر؛ كيف تُتابع تأثير الخطاب المرجعي في الاعلام الغربي؟!.
الجواب؛ تأثيرهُ ليس فقط في الاعلام وانّما في الموقف العام والخاص كذلك، فلقد اصبح الخطاب المرجعي بمرورِ الأيّام وبالتّجربة باروميتر الاتّجاهات العامّة للمعنيّين والمهتمّين بالملفّ العراقي، ولذلك فالمواقف الحاسمة للخطاب المرجعي في المنعطفات المهمّة والخطيرة التي مرّ ويمرّ بها العراق منذ سقوط نظام الطّاغية الذليل صدّام حسين ولحدّ الآن، تشبه خارطة الطّريق من جهة والخط الأحمر الذي لا يفكّر أَحدٌ في تجاوزهِ من جهةٍ أُخرى، وعلى هذا الأساس يتعامل الاعلام هنا مع الخطاب المرجعي، والذي ينعكس ويعكس بدورهِ الكثير من المواقف السّياسية فيما يخصّ العراق.
في نفس الوقت، فانا اعتقد انّنا كعراقيّين مقصّرون في نشر هذا الخطاب في العالم، خاصةً المؤسّسات التّابعة للمرجعيّات الدّينية واخصّ بالذّكر المرجع الاعلى، فاذا كان الاعلام الغربي يتعامل عادةً مع الخطاب السّياسي منه فقط باعتباره في دائرة اهتماماتهِ، فلا ينبغي لنا ان نكتفي بذلك أَبداً، فكلّنا نعرف جيداً ان الخطاب المرجعي ليس سياسة فقط وانّما فيه نوعٌ آخر من الخطاب وهو ربما الاهمّ واقصد به الخطاب الحضاري الذي يشمل التّعريف بجوهر الاسلام الحقيقي الذي تتبنّاه مدرسة أهل البيت عليهم السلام وكذلك ما يشمل منه تبيين الحقائق الفلسفيّة والأخلاقية والتربويّة والاجتماعيّة والعلاقات الدّوليّة واخلاقيّات الحوار وعلى رأسها حوار الأديان واحترام الرّأي الاخر وكذلك اخلاقيات السّلم والحرب، ان كلّ ذلك وغيرها الكثير من الامور والمفاهيم التي يحملها الخطاب المرجعي، ينبغي ان تنتشر في العالم خاصةً في هذا الظّرف الحسّاس والخطير الذي تمرّ به البشريّة وقد اختطف الارهابيّون ديننا ليُعيدوا إنتاجهُ وتقديمهُ للغربييّن وكأنّهُ دين العنف والارهاب والقتل والذّبح، ليأتي الخطاب المرجعي الحضاري كقراءةٍ مُغايرةٍ تماماً بل متناقضة مع قراءات الارهابيّين الذين يوظّفون التاريخ الأسود للمسلمين والذي كتبتهُ الاقلام المأجورة التي تعتاش على فضلات موائد قصور الخلفاء والامراء والسّلاطين، بالاضافة الى توظيف الرّموز الفاسدة في شروحِهم المنحرفة للإسلام.
انّ مسؤوليّتنا جميعاً بذل الجهد المطلوب لنشر الخطاب المرجعي الحضاري؛
١/ لحماية الاسلام من عبث العابثين ومحاولات الفاسدين الذين يريدونَ تشويه الاسلام بكلّ الطّرق والاساليب.
٢/ لحماية انفسِنا من عبثهم، ليعرف الآخر بانّ هؤلاء لا يمثّلون إِسلامنا الذي نتبنّاهُ ونؤمن به، والذي يعتمد نصوص وشروح أئمة أَهل البيت عليهم السلام، فإلى متى نظلّ ندفع ثمن (دين) لم نعتقد به ولم نؤمن به وأَقصد به (دين الارهابيّين) الذي يستند الى شروح العمائم الفاسدة من أمثال ابْنُ تيمية وابن القيم الجوزيّة ومن لفّ لفّهم؟ الى متى ندفع ثمن نصوص لم نعتقد لا بصحّتها ولا بصحّة (فقهائها)؟ لماذا لا يتم الفرز بين المدرستَين لنساهم في انقاذ الرّاي العام العالمي من التّضليل والخلط المتعمَّد؟.
انّ نشر وتدويل الخطاب المرجعي الحضاري في العالم يُساهم بشكلٍ كبيرٍ في إنجاز عمليّة الفرز المهمّة والضروريّة في هذا الوقت تحديداً، فلنقدّم بضاعتنا الرّاقية للآخر، وفهمِنا للامور وطريقة تفكيرنا وأسُس ومباني عقائدنا وعلى مختلف الاصعدة وكذلك رموزنا التّاريخيّة (أئمة أهل البيت عليهم السلام) وسِيَرهم العطرة، ليكون الآخر على بيّنةٍ فيميّز بين مدرستَين الاولى تدعو الى الموت والثانية تدعو الى الحياة، الاولى تحرّض على التّكفير والكراهيّة واحتكار الحقيقة والغاء الآخر والقتل والدّمار، والثانية تدعو الى الرّأي والرأي الاخر والى الحوار بقوة المنطق والدّليل العلمي الرّصين والى التعاون والمحبة والسّلم.
انّ الفرز والتمييز بين المدرستَين يدخل اليوم في إطار حريّة التّعبير بالّتي هي احسن، وتلك هي مسؤولية الاقلام الحرّة الشّريفة التي تحرص على حماية الاسلام من التّشويه والتّدليس.
السّؤال العشرون؛ هل تعتقد انّ المرجعيّة الدّينية لازالت تدعم العمليّة السّياسية بشكلٍ عام؟!.
الجواب؛ بالتأكيد، فهي التي أسست لها ورعتها بكلّ كيانها، منذ سقوط الصّنم ولحدّ الان، فلقد ظلّت توجّهها وترشّدها وتنضّجها بكلّ الطّرق والاساليب وترعى انتقالها من مرحلةٍ الى أُخرى، على الرّغم من كلّ التحدّيات الخطيرة التي مرّت وتمرّ بها.
انّ المرجعيّة الدّينية لازالت تبذل قُصارى جهدها للدّفع باتّجاه بناء الدّولة، بالنّصح والتّوجيه، وفي نفس الوقت فانّها تبادر للتدخّل المباشر عندما تشعر انّ ذلك لا يكفي لتحقيق المرجو منه، كما هو الحال بالنّسبة الى دورها المباشر في موضوع (الولاية الثّالثة) لرئيس الحكومة السابق، فعندما شعرَت انّ الإشارات المتكرّرة لم تجد نفعاً تدخّلت بشكلٍ مُباشر لتضع النّقاط على الحروف وتُنهي بذلك الجدل الذي اشغل الجميع بسبب تشبّث الموما اليه بالسّلطة واصرارهِ على التّجديد له!.
كذلك بالنسبة لموضوع الحرب على الارهاب عندما أَصدر المرجع الاعلى فتوى الجهاد الكفائي قبل عامَين عندما شعر انّ الإشارات وحدها لا تكفي فبادر لاتخاذ قرارهِ الشّجاع والجريء بالفتوى، وهو الامر ذاتهُ تكرّر فيما يتعلّق بالحربِ على الفساد، فانّ البعض يذهب الى القول بانّ المرجعيّة سكتت عن الفاسدين وقتاً طويلاً قبل ان تُعلن الحرب على الفساد، وهي قراءة غير صحيحة أَبداً، فالمرجعيّة لم تسكت او تتغاضى حتّى لحظة واحدة عن الفساد والفشل، فهذا الخطاب المرجعي أمامنا يمكن للمنصف العودة اليه ليتأكّد كم هو تابعَ ولاحقَ ذلك أسبوعيّاً، قبل ان يضع النّقاط على الحروف عندما دعا الى الضّرب بيدٍ من حديدٍ على رؤوس الفاسدين.
وبهذا الصّدد ينبغي الانتباه الى نقطتَين مهمّتَين؛
الاولى؛ هي ان المرجعيّة الدّينية لا تعتبر نفسها البديل عن الدّولة ومؤسساتها وعن النّظام السّياسي القائم وادواتهِ وعلى رأسها الدّستور والقانون، فهي لا تتدخّل في مهام ومسؤوليّات وواجبات مؤسسات الدّولة، فهي مثلاً لا تشرّع قوانين نيابة عن مجلس النوّاب، كما انّها لا تسمّي (العُجول السّمينة) فتحاكمهم وتصدر الأحكام القضائيّة نيابةً عن السّلطات القضائيّة، وكذلك على الصّعيد التنفيذي، فهي لا تقود أفواج المتطوّعين لقتال الارهاب بدلاً عن المؤسّسة الامنيّة والعسكريّة، لانّها تؤمن إيماناً وثيقاً وراسخاً باهميّة بل بوجوب تقوية مؤسّسات الدّولة من خلال عدم التدخّل المباشر في واجباتِها الدّستورية التي يجب ان يتحمّلها المسؤول في الدّولة لتكريس وترسيخ بناءها.
الثّانية؛ ان المرجعية تعتقد انّ واجبها الدّيني والوطني ينحصر بالنّصح والإرشاد والتّوجيه، فاذا لم ينفع كلّ ذلك أحياناً ولا يترك أثراً في الواقع، فتلك مشكلة المسؤولين وليست مشكلتها، وللاسف الشّديد فليس كلّ ما يقولهُ الخطاب المرجعي ويدعو له ويحرّض عليه يلقى آذاناً صاغيةً عند المسؤولين.
يتصوّر البعض انّ على المرجعيّة الدّينية ان تتدخّل في كلّ شَيْءٍ وان تقول كلّ شيء وان تسمّي الأشياء بأسمائها في كلّ شَيْءٍ وفي كلّ آنٍ، بمعنى آخر انّهُ يريدها البديل عن الدّولة ومؤسّساتها وعن المسؤول في موقعه، وعن المجتمع ودوره! وهو فهمٌ فيه الكثير من الخطأ، فالخطاب المرجعي ليس بديلاً عن أحدٍ، لا في الموقع ولا في الواجبات، وانّما هو عاملٌ مساعدٌ يحرّض كلٌّ في موقعهِ وواجباتهِ على تحسين الانجاز والنّجاح في مسؤولياتهِ، من دون ان يستثني كلّ فردٍ في المجتمع.
لا ينبغي لاحدٍ ان ينتظر من الخطاب المرجعي أَكثر من هذا، للتهرّب من واجباتهِ الدّستورية والوطنيّة، وليفهم كلّ مواطن سواء أكانً مسؤولاً في الدّولة ام لا، جوهر الخطاب المرجعي ويعمل على هداهُ في إطارِ الدّستور والقانون والصّالح العام، وهو الامر الاستراتيجي الذي يحرص الخطاب المرجعي على عدم التجاوز عليهِ أَبداً.