متابعة السيمر / السبت 11 . 06 . 2016 — تستغل السعودية الأحداث والوقائع التي تجري في المنطقة الإسلامية والعربية وخاصةً أحداث الشرق الأوسط لتمضي في مشروعها بشكل مكثف وبعيد عن الإعلام، فرغبة السعودية بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي باتت قابلة للتطبيق أكثر من أي وقت مضى، وقد أكد أنور عشقي الجنرال السعودي المتقاعد ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية “أن المبادرة العربية للسلام لم تملك في السابق فرصة حقيقية لتحقيقها بخلاف اليوم”، واللافت أن كلام عشقي هذا كان مع صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية.
التطبيع الذي تحدث عنه عشقي يختلف عن ما كنا نشهده من زيارت سرية متبادلة بين دبلوماسيين سعوديين وإسرائيليين، فالعلاقات بين الجانبين نضجت إلى المستوى الذي بات يؤهلها للخروج للعلن، وعشقي تحدث عن أن “العالم سيرى مسؤولين سعوديين وإسرائيليين في لقاءات علنية وسيفاجئكم ستكون الرياض فعالة”، وهذا يشير إلى أن الزيارات السرية المتبادلة بين السعودية والكيان الإسرائيلي آتت أكلها وباتت الظروف مهيأة للإعلان عن التطبيع الكامل.
عملت السعودية طيلة السنوات الماضية على تمهيد الأرضية للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وتحسست نبض الشعوب العربية تجاه الموضوع من خلال مواقف عدة، وتحت هذا الهدف أطلق مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ عام 2014 فتواه بتحريم التظاهر في البلاد العربية والإسلامية لنصرة غزة، وقد تناغمت هذه الفتوى مع فتوى رئيس مجلس القضاء الأعلى الشيخ صالح اللحيدان الذي اعتبر المظاهرات لنصرة غزة إفسادًا في الأرض وصداً عن ذكر الله.
هذه الفتاوى ليست إلا نموذج مصغر من آلاف الفتاوى التي ضختها قنوات الوهابية، وكل هذا الحراك كان يهدف إلى تهيئة الأرضية للتخلي عن فلسطين، إضافةً إلى تقديم شهادات حسن نية للكيان الإسرائيلي، وإذا نظرنا نظرة كلية إلى المنحى السياسي السعودي فإننا سنجد أن الرياض عملت على حرف البوصلة العربية لجعل إيران هي العدو الأساسي بدل الكيان الإسرائيلي، وهذا ما عملت عليه فتاوى الشيوخ الوهابية طيلة السنوات الماضية وذلك من خلال تكفير الشيعة واعتبارهم العدو الأول لأهل السنة والعرب، وهذا ما تحدث عنه الرجل السعودي البارز “طلال بن عبد العزيز” إذ اعتبر أن “العرب يعتبرون أن التهديد يأتيهم من إيران وليس من إسرائيل”، واللافت أن الأمير تحدث بلسان العرب جميعهم!
وفي سياق تهيئة الأرضية للتطبيع قامت الرياض بوضع الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب، وذلك حتى يتسنى لها أن تتصدر أهل السنة وتقودهم إلى مشاريعها بكل هدوء، كما أن السعودية تعمدت دعم الفوضى والجماعات الإرهابية في الدول العربية حتى تبعد الإعلام عن العلاقات السعودية والإسرائيلية وعن ما يجري تحت الكواليس، وحتى يكون هم الشعوب هو الوصول إلى الإستقرار والأمن بدل السعي لمحاربة الكيان الإسرائيلي والوقوف في وجه العلاقات السعودية الإسرائيلية.
لا يمكن قياس عمق العلاقة بين الكيان الإسرائيلي والسعودية بالصور التي تنتشر بين الحين والآخر لدبلماسيين سعوديين زاروا الكيان الإسرائيلي أو ما شابه، فالعلاقة أصبحت استراتيجية ومتينة، وما دل عليها هو حادثة جزيرتي تيران وصنافير حيث قامت السعودية بأخذ الجزيرتين من مصر في معاملةٍ أثارت الدهشة، ولكن في الحقيقة المعاملة هذه كانت خدمةً للكيان الإسرائيلي الذي يحلم بالتحكم بهاتين الجزيرتين، واستيلاء السعودية عليهم يعادل استيلاء السلطات الإسرائيلية على هذه المنطقة.
ذكر بن جوريون “أن سيطرة إسرائيل على نقاطٍ في البحر الأحمر هي ذات أهمية قصوى، لأن هذه النقاط ستساعد إسرائيل على الفكاك من أية محاولات لمحاصرتها وتطويقها، كما ستُشكّل قاعدة انطلاق عسكري لمهاجمة أعدائنا في عقر دارهم، قبل أن يبادروا إلى مهاجمتنا”، كما أن الجزيرتين تتحكمان في الملاحة الدولية في خليج العقبة بالإضافة إلى التحكم بمضيق تيران، أي أن الجزيرتين هما الضامن الأساسي لحرية الحركة في الممرات الملاحية التي يستخدمها الكيان الإسرائيلي للاستيراد والتصدير، حيث تتحكمان في حركة المرور من وإلى الميناء الإسرائيلي الجنوبي في إيلات.
يمكن القول أن الكيان الإسرائيلي كان يشعر بالقلق إزاء استمرار خضوع الجزيرتين للسيادة المصرية، ولهذا تم ضم الجزيرتين إلى السعودية لتبديد القلق الإسرائيلي، وهذا مؤشر واضح إلى العمق الذي وصلت له العلاقات التي تجمع السعودية بالكيان الإسرائيلي، وقد كشف وزير الدفاع الإسرائيلي “موشيه يعلون” عمق الروابط مع السعودية في مؤتمر الأمن الذي عُقد في ميونيخ عام 2014، حيث أكد أن هناك مصالح مشتركة تجمع إسرائيل وما أسماه بالمعسكر السني الذي تقوده السعودية، وأن هناك أعداء مشتركين للجانبين.
وفي دراسة نشرها “مركز أبحاث الأمن القومي” في تل أبيب تمت الإشارة إلى أن العلاقات العادية التي كانت تجمع الكيان الإسرائيلي بالسعودية تطورت بشكل كبير في الآونة الأخيرة نتيجة المصالح المشتركة التي تجمع الطرفين، وأشارت الدراسة أن الكيان الإسرائيلي لعب دورًا كبيرًا في تسهيل عمليات تصدير الأسلحة الأمريكية إلى السعودية، الأمر الذي يشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية تأمن الرياض ولا تشعر بأي تهديد منها.
أما عن أهداف الرياض من العلاقات مع الكيان الإسرائيلي فهذا الأمر يعود إلى جوهر النظام السعودي الذي يخشى أن تطيح به الحكومة الأمريكية في حال انتهاء مهمة هذا النظام، ولهذا عمد آل سعود إلى بناء علاقات وطيدة وعميقة مع الكيان الإسرائيلي وذلك للضغط على أي حكومة أمريكية من خلال اللوبي الصهيوني، وبهذا يكون آل سعود ربطوا بقاءهم في الحكم ببقاء الكيان الإسرائيلي.
رغم أن العلاقات السعودية الإسرائيلية ليست حديثة العهد، وهي تعود إلى زمن بعيد، حتى قبل إنشاء مجلس التعاون عام 1981، وذلك حسب دراسة نشرها “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، ورغم أن العلاقة وصلت إلى درجة كبيرة من المتانة إلا أن ما يجهله آل سعود هو أن نهايتهم قد تأتي من الكيان الإسرائيلي نفسه وليس من أمريكا، فعندما سيشعر الإسرائيليون أن مهمة السعودية انتهت هم من سيقومون بالاستغناء عن آل سعود، وعندها لن يجدوا لهم ناصراً ولا معيناً لا من الدول العربية والإسلامية ولا من الكيان الإسرائيلي وأمريكا، وسيكون جل ما فعلوه هو أنهم سجلوا تاريخاً مليئاً بالعمالة والتواطئ.
الوقت