السيمر / الأحد 12 . 06 . 2016
نــــــــــزار حيدر
{فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ}.
انّهم يقرأون القرآن الكريم، ولكنّهم يتجاوزون معانيه، ولا يُعيرون لها ايّة اهمّيةً، ولهذا السّبب ترى الامّة اليوم أَبعد ما تكون عن معاني كتاب الله تعالى ليس لانّها لا تقرأهُ، خاصةً في شهرِ الله الفضيل، أَبداً، وانّما لانّها تقرأهُ في لسانِها وتنبذهُ، تطرحهُ، في عقلها.
همُّها آخر السّورة كما يقول رسول الله (ص) اي انّها تستعجل ختمهُ بلسانِها ولا تقف عند آياتهِ في عقلِها ووعيها!.
وانّ الله تعالى لا يهدي من ينبذ الكتاب حتّى الى علومهِ، فيخسر كلّ شَيْءٍ، ولقد ورد عن الامام علي (ع) قوله {من قرأَ القرآنَ فماتَ فدخلَ النّار، فهو مِمّن كانَ يتّخذ آياتِ اللَّهِ هزواً}.
امّا الامام محمد الجواد (ع) فيقول {وكلُّ أمةٍ قد رفع الله عنهم علمَ الْكِتَابِ حين نبذوهُ وولّاهم عدوّهم حين تولَّوه، وكان من نبذهِم الكتاب ان أقاموا حُروفهُ وحرَّفوا حدودهُ، فهم يروونهُ ولا يرعَونهُ، والجُهّال يُعجبهُم حفظهُم للرّواية والعلماء يُحزنُهم تركهم للرّعايةِ}.
على العكس من ذلك، عندما يتخذ المرء القرآن الكريم إماماً وقائداً، فانّ الله تعالى يرزقهُ الأُذن الواعية التي تستوعب كلّ حرفٍ فيه، فضلاً عن تفاصيلهِ، وذلك هو أَمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام الذي نزلَ فِيهِ قولُ رب الْعِزَّة {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}.
ولذلك فليس غريباً ابداً ان يُقسّم أَمير المؤمنين (ع) القرآن الكريم بالشّكل التّالي، ثم يَكُونُ هُوَ وَحْدَهُ الذي يستوعب كلّ التفاصيل.
يقول عليه السلام؛ {كِتَابَ رَبِّكُمْ [فِيكُمْ:] مُبَيِّناً حَلاَلَهُ وَحَرامَهُ، وَفَرَائِضَهُ وَفَضَائِلَهُ، وَنَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ، وَرُخَصَهُ وَعَزَائِمَهُ، وَخَاصَّهُ وَعَامَّهُ، وَعِبَرَهُ وَأَمْثَالَهُ، وَمُرْسَلَهُ وَمَحْدُودَهُ، وَمُحْكَمَهُ وَمُتَشَابِهَهُ، مُفَسِّراً جُمَلَهُ، وَمُبَيِّناً غَوَامِضَهُ.
بَيْنَ مَأْخُوذ مِيثَاقُ عِلْمِهِ، وَمُوَسَّع عَلَى العِبَادِ في جَهْلِهِ، وَبَيْنَ مُثْبَت في الكِتابِ فَرْضُهُ، وَمَعْلُوم في السُّنَّهِ نَسْخُهُ، وَوَاجب في السُّنَّةِ أَخْذُهُ، وَمُرَخَّص في الكِتابِ تَرْكُهُ، وَبَيْنَ وَاجِب بِوَقْتِهِ، وَزَائِل في مُسْتَقْبَلِهِ، وَمُبَايَنٌ بَيْنَ مَحَارِمِهِ، مِنْ كَبير أَوْعَدَ عَلَيْهِ نِيرَانَهُ، أَوْ صَغِير أَرْصَدَ لَهُ غُفْرَانَهُ، وَبَيْنَ مَقْبُول في أَدْنَاهُ، ومُوَسَّع في أَقْصَاهُ}.
فهل يُلامُ مَن يرفض أَن يأخذ القرآن الكريم الا من عليٍّ عليه السلام؟ كيف يُلامُ وقد قال عَنْهُ رسول الله (ص) {عليٌّ مَعَ القرآنُ والقرآنُ مَعَ عليٍّ} وهوَ القائلُ عليه السلام {سَلوني قبلَ أن تفقدوني؛ فوالله إنَّي لأعلمُ بالقرآنِ وتأويلهِ من كلِّ مُدَّعٍ علمهُ، فوَالذي فلقَ الحبَّةَ وبرأ النَّسَمة لو سألتموني عن آيةٍ لأخبرتكُم بوقتِ نزولِها وفيمَ نزَلت}.
أُنظروا أَينَ وصلَ الحال من التّقهقر والتّدهور والانحراف مع من أخذَ القرآن من غيرِ عليٍّ (ع) وكفى بذلك شاهداً!.
ولا يصِلُ المرءُ الى اعماقِ آيات القرآن الا بالتدبّر، ولذلك قال تعالى {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} وفي الآية توكيد على العلاقة العضويّة بين التدبّر والعقل.
امّا أَمير المؤمنين (ع) فيقول {الا لا خيرَ في قِراءةٍ ليس فيها تدبّر، الا لا خيرَ في عبادةٍ ليس فيها تفقُّه} وقول الامام علي بن الحسين السّجّاد زين العابدين (ع) {آياتُ القرآنِ خزائنُ العلمِ، فكلّما فتحتَ خزانةٍ فينبغي لَكَ ان تنظرَ فيها}.
الى جانب كلّ هذه الحقائق، لعنت النّصوص الكثير من القُرّاء الذين {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} وما أكثرهُم وللاسف الشديد.
فعن رسول الله (ص) {أَكثرُ منافقي أُمّتي قُرّاؤها}! وعنه (ص) {انَّ في جهنّم رحى من حديدٍ تطحنُ بها رؤوس القُرّاء والعلماء المجرمين} من اولائك الذين يَقُولُ عنهم رسول الله (ص) {رُبَّ تالٍ للقرآنِ والقرآنُ يلعنهُ} او وصف الامام مُحَمَّدٍ الباقر (ع) {مَن دخل على إِمامٍ جائرٍ فقرأَ عليه القرآن يُرِيدُ بذلك عرضاً من عَرض الدُّنيا، لُعن القارئُ بكلّ حرفٍ عشر لعَنات، ولُعن المستمع بكلِّ حرفٍ لعنةٌ} وهم القرّاء الذين يدَّعون في حضرةِ السّلاطين انّ هذه الآية او تلك نزلَت بحقّهم ليستدرّ صُررهُم! فلقد قال رَسُولُ الله (ص) {مَن تعلّم القرآن للدّنيا وزينتها حرَّم الله عليه الجنّة} وهو تعلّم التّجارة، كما تصفهُ الآية الكريمة {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}.
يبقى ان أُشيرُ هنا الى ملاحظةٍ في غاية الاهميّة نغفل عنها عادةً، وهي انَّ حُسن الوعي من حُسنِ القراءة، وانّ حُسن القراءة من حُسن الاصغاءِ والاستماع.
يقول تعالى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ويقول عز وجل {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا* وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا* وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} وقوله تعالى {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} وقوله تعالى {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}.
وعن زرارة، قال؛ سألتُ أبا عبد الله (ع) عن الرَّجلِ يقرأ القرآن يجب على من يسمعهُ الإنصات لهُ والاستماع لهُ؟ قال؛ نعم، اذا قُرئ القرآنُ عندكَ فقد وجبَ عليكَ الاستماع والإنصات.
انّها نعمةُ الاستماع والإصغاء والإنصات والخشوع، لوعي الآية، وعكسَها الغفلةُ التي تحدّثنا عنها الآية الكريمة {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}.