السيمر / الاحد 12 . 06 . 2016
كاظم فنجان الحمامي
الناس في العراق ينادونها بهذا الاسم (أم قيس)، فتشعر بالفخر والاعتزاز، على الرغم من مكانتها الاجتماعية المرموقة، باعتبارها زوجة لرئيس الجمهورية الأسبق (عبد الرحمن محمد عارف)، وعلى الرغم من خدمتها الطويلة في سلك التدريس، وعلى الرغم من كل الألقاب التي تميزت بها، لكنها اختارت البساطة والتواضع في تعاملها الشفاف مع الصغير والكبير.
قبل بضعة أيام فقدنا هذه الأم المثالية عن عمر يناهز الثانية والتسعين، امرأة لها من المحاسن الكثير، ومن الفضائل الجليل، ومن المآثر العديد. كانت رحمها الله مثالاً للأخلاق الفاضلة، والتواضع الجم، والطيبة المشهودة، وكانت أنموذجاً للمرأة المؤمنة المتعففة الخاشعة، ولا مجال هنا للحديث عن صبرها وآلامها في مرضها، فقد كانت مثالاً للصابرات المحتسبات. تتفقد الجميع. ترعى شؤونهم. تسهر على راحتهم. تؤدي أعمالها المنزلية بنفسها، تساعدها أحياناً شغالة واحدة، تعاونها من وقت لآخر في تدبير أمورها. لكنها انفردت من بين زوجات الرؤساء العراقيين، بأنها الزوجة الوحيدة التي كانت ترافق زوجها في زياراته الرسمية خارج العراق، فرافقته في زيارته المعروفة لإيران في زمن الشاه، ورافقته في زيارته الى مصر في عهد الرئيس جمال عبدالناصر، ورافقته أيضاً في زيارته المشهورة الى فرنسا في زمن الجنرال ديغول، وقد اعطت أروع الانطباعات وأفضلها عن المرأة العراقية في سلوكها الحضاري، وفي ذوقها الرفيع وملابسها الوطنية الأصيلة.
فالحاجة (أم قيس) وأسمها المسجل بالبطاقة الرسمية (فائقة عبد المجيد فارس العاني) من مواليد مدينه عنه – الأنبار عام 1924. اكملت دراستها الابتدائية في الفلوجة، ثم ارسلها والدها الى دار المعلمات في بغداد. وقد تم تعيينها بدرجة (معلمة) في مدرسة الخالدية في كركوك عام 1944، وذلك بعد مرافقتها لزوجها في تنقلاته العسكرية ضمن صفوف الجيش العراقي. ثم انتقلت بعد أعوام إلى بغداد للعمل في مدرسة (الخنساء الابتدائية) في شارع الضباط بالأعظمية، ثم الى مدرسة (14 رمضان) بمدينة اليرموك في بغداد، التي ظلت تمارس التعليم فيها حتى عام 1966، وهو العام الذي أحيلت فيه إلى التقاعد.
كان والدها المرحوم عبد المجيد فارس مديراً لمدرسة ابتدائية في الفلوجة، ثم عمل مديراً لدائرة انحصار التبغ في الموصل، انتقل بعدها إلى دائرة انحصار التبغ في البصرة.
ما لم يكتبه المؤرخون عن هذه المرأة الصبورة المكافحة، أنها واجهت أصعب الظروف، وأكثرها قسوة وضراوة بعد الإطاحة بحكم زوجها، لكنها لم تتحدث أبداً عن مسلسل المنغصات والمضايقات، التي التصقت بحياتها وبأسرتها. إذ تمكنت بحكمتها، وبإيمانها الراسخ بقدرة الله وعظمته أن تتغلب على كل الصعاب، وأن تتجاوز العقبات المميتة، فاختارت العيش بهدوء مبتعدة عن زخرف السياسة وزيفها. وهكذا وقف الشعب العراقي إلى جانبها في رحلاتها الاضطرارية خارج الأرض التي ولدت عليها، وخارج التربة التي تربت في مرابعها. حتى وافتها المنية في الأردن بين أولادها وأحفادها. ورافقها جمع غفير من المحبين والمخلصين إلى مثواها الأخير.
سيدتي (أم قيس)، إن عزاءنا فيك شهادة الناس فيك، فما من أحد عرفك عن قرب، وتلقى خبر رحيلك إلا ذرف الدمع، وتوشح الحزن ألماً لفراقك، وحسرة على غيابك، واسترسل بذكر محاسنك، وانهال بالدعاء والمغفرة لك. نسأل الله أن يتغمدك بوافر جناته، ويلهم أهلك الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.