السيمر / الثلاثاء 14 . 06 . 2016
كاظم فنجان الحمامي
لسنا بحاجة بعد الآن لتصفح مجلداتنا الحافلة بالمآسي والنكبات، ولسنا بحاجة إلى تحليل تقلبات دواليب التاريخ، وأعاصيرها التي عصفت بنا منذ اندلاع معارك داحس والغبراء وحتى اليوم الذي سقطت فيه بعض مدننا بيد داعش والغرباء. فقد ظلت دواليب التاريخ العربي تدور وتدور، في متوالية متكررة، غير خاضعة لنواميس المتغيرات الزمنية ولا المكانية. حتى بات من السهل تلخيص عشرات القرون واختزالها في صفحة واحدة أو ببضعة أسطر. فما جرى في العصر الأموي، تكرر تماما في العصر العباسي، ثم توزعت نسخه التطبيقية على أمراء الدولة الإخشيدية والفاطمية والإدريسية والعثمانية، ولسنا مغالين إذا قلنا إن الممارسات الظالمة لملوك وسلاطين السلالات المنقرضة صارت هي القواعد السلطوية عند الحكام والأمراء في مراحلها الرجعية التي فرضتها ظروف الانبطاح العربي.
لا يختلف اثنان في الأرض الممتدة من طنجة إلى الفاو على مصداقية النظرية التي تقول: إن التاريخ العربي يعيد نفسه، وربما تتفق المراكز التحليلية مع افرازات هذه النظرية، التي تركت رواسبها السلبية في نفوس العرب، فاستسلموا لتعاقب الحوادث المأساوية بالصيغة التي كانت عليها في الماضي البعيد والقريب.
لم يأت هذا التبرير الاستسلامي من فراغ، فقد التصقت الشعوب والحكومات العربية بماضيها الدموي، وارتبطت به ارتباطاً مصيرياً غير قابل للتغيير، وآمنت منذ زمن بعيد بارتداء جلبابها القديم من دون أن تدخل أي تعديل على مقاساته ومعالمه وقوالبه وأبعاده الموروثة، الأمر الذي أتاح للحكومات المتعاقبة فرص التحكم برقاب الناس، والتلاعب بعواطفهم الطائفية، فعدسات المستقبل معطلة عندنا في عتمة هذه الأجواء الملبدة بغيوم التراكمات المنبعثة من أحافير الحقد والكراهية، ويكاد يقتصر عمل الزعماء العرب في إعادة أنتاج المعلبات البالية التي فقدت صلاحيتها، أو إعادة عرض سيناريوهات الأخطاء والهفوات التي ارتكبها أجدادنا عبر هذا المشوار الطويل. وبالتالي فإن زعمائنا ارتكبوا الأخطاء نفسها، وساروا على النهج الذي سار عليه سلاطين الدولة الأموية والعباسية والفاطمية والأندلسية والإدريسية والبويهية والسلجوقية والعثمانية. حتى جاء اليوم الذي سارت عليه حكوماتنا العربية التي ولدت من رحم معاهدة سايكس – بيكو، أو التي ولدت في حاضنات التحالفات الأطلسية المريبة، وربما تحتاج العقول العربية إلى وقت طويل لتدرك ما قاله المفكر الراحل (عبد الله القصيمي)، عندما قال: كل الشعوب تلد أجيالا جديدة، إلا نحن نلد آباءنا وأجدادنا، وكل الشعوب عرضت تاريخها للنقد والتحليل والمراجعة إلا نحن، وهذا بحد ذاته يفسر البون الشاسع بين الشعوب المتحضرة والشعوب المتقهقرة، فلا تندهش بعد الآن إذا سمعت أستاذا في الجامعات العربية يترحم على مروان بن الحكم ورهطه، أو يمجد سيرة (الحجاج بن يوسف الثقفي) ويضفي على طغيانه هالة من القداسة، ولا تستغرب من منشورات المنابر الماضوية الغارقة في التحجر. وقديماً قال (عمرو بن كلثوم) في معلقته التي أكاد احفظها: أَلاَ لاَ يَجْهَلَـنَّ أَحَـدٌ عَلَيْنَـا – فَنَجْهَـلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَـا. نَعُوذُ بالله أن نَضِلَّ أو نُضَلَّ، أو نَزِلَّ أو نُزَلَّ، أو نَظلِمَ أو نُظلَمَ، أو نَجهَلَ أو يُجهَلَ علينَا.