السيمر / الاثنين 20 . 06 . 2016
د. ماجد احمد الزاملي
لايُمكن لإطار الشراكة أن ينجح، من دون أن تتبع الحكومة نهجاً جديداً لتنفيذ البرامج والمشاريع فائقة الأولوية. ففي جميع أنحاء العراق، أصبحت خدمات النقل والمياه والرعاية الصحية وخدمات تطوير البنية التحتية الأخرى، مطلب شعبي وحاجة ماسّة. وعليه فإن اتباع نهج بعناية، يجمع بين إجراءات جديدة مبسَّطة وطاقم من الموظفين المفوّضين، يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات إنجاز المشاريع، ويثبت أن الحكومة تتابع الالتزامات الحيوية حتى النهاية، ويساعد على استعادة ثقة الشعب، والبدء في تخفيف الضغوط الاجتماعية التي تنشأ ردّاً على النقص المستمر في الخدمات الأساسية. وسيؤدي ذلك النهج إلى تقبّل الناس للإصلاحات، والتي غالباً ماتظهر نتائجها خلال فترات زمنية طويلة. إننا لا نستطيع إغفال الكثير من المصاعب الاقتصادية والاجتماعية ، التي تكبل شرائح واسعة من شعبنا ، الذين يعيشون تحت خط الفقر ، ويحكم عليهم بتجرع المعاناة اليومية ، بحيث يمكن تحولهم –بصورة تدريجية – إلى مجموعات اجتماعية معدمة ، يسود في اوساطها ما يمكن تسميته بظاهرة الانفصال الطبقي وما يرافقها من مشاعر ومواقف عفوية سالبة تجاه مجتمعهم ، لذلك لا غرابة إذا استمرت حالات الفقر بوتائرها الحالية ، من تشكل كتلة ثابتة من السكان –خاصة في المناطق الأكثر فقرا – لا يتميزون بمعاناتهم وبؤسهم فحسب ،وإنما قد يتراكم في وعيهم العفوي البسيط ، بحكم شدة البؤس ، حالة من الشعور بالانفصام عن المجتمع المحيط ، خاصة وأن “الوضع المعيشي الصعب وانعدام اليقين حول المستقبل ، يدفع بقطاعات واسعة من الشعب ، وتحديدا الفئات العاطلة عن العمل والمهمشة ، الى منح الأولوية للقضايا المعيشية –بأي ثمن- على حساب القضايا الديمقراطية” ، وعلى حساب القضايا الوطنية أيضا ،فيسهل استغلالهم في كل أشكال الجرائم المنظمة وغير المنظمة ، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية بما في ذلك تحولهم إلى مادة للتخريب من قبل الاعداء ، إذا لم يجدوا من يأخذ بيدهم ويدافع عن قضاياهم من أجل تحسين أوضاعهم ، عبر الوعي والمعايشة والتنظيم في الأطر النقابية ، والجماهيرية ، والحزبية. فمع تزايد مظاهر التخلف الاجتماعي ، تراجعت العلاقات القائمة على أساس المشروع الوطني والعمل الحزبي المنظم لصالح العشيرة والعائلة ، وقيم النفاق والإحباط وقوة التخلف الظالمة بدلا من قيم التكافل والتضامن. أهم ما تتميز به الأوضاع الاجتماعية-الطبقية في العراق أنها أوضاع انتقالية ، غير مستقرة وغير ثابتة، والأشكال الجديدة فيها تحمل في ثناياها العديد من ملامح القديم ، لذا فإن التحليل الداخلي أو الطبقي لمجتمعنا ، القائم على المقارنة أو التشابه بينها وبين مسار التطور الأوروبي كمعيار ، سيؤدي بنا إلى مأزق تحليلي ومعرفي عند مناقشة الوقائع العينية والأحداث التاريخية التي ميزت واقعنا ، لأن هذه الأحداث والوقائع كانت عاملا أساسيا من عوامل تشوه وتمييع الوضع الطبقي العراقي. أن عمق الرابطة الاجتماعية كانت على الدوام أكبر تأثيرا من العلاقات الطبقية غير المتبلورة بعد، وقد كان لذلك الأمر دورا إيجابيا ، رغم تخلفه من الناحية التاريخية والموضوعية ، إلا أن بروز وتكريس دور هذه الرموز والعلاقات الاجتماعية القديمة في إطار الرابطة الاجتماعية الضيقة ، باسم العادات والتقاليد والأعراف ، وفي سياق حالة الهبوط السياسي , الاجتماعي , القانوني ,الاقتصادي ، سيتراكم دور وتأثير الجوانب السلبية الضارة لتطال معظم مكونات المجتمع وتخلق مزيدا من الانقسامات فيه لن تتوقف عند الانقسام السياسي , الاقتصادي العام ، وقد تتسع لتصيب بالضرر مكونات الوعي الوطني والمجتمعي الداخلي على مستوى المدينة ، والقرية ، إلى جانب العشيرة ، بما يفاقم مظاهر الخلل والانحراف والفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، ويشق مزيدا من العمق في مجرى الهبوط بالعملية السياسية الجارية وبعملية البناء المجتمعي الديمقراطي الداخلي معا ، الذي قد يؤدي إلى خلق فجوة واسعة في التغيير الذي يطمح إليه شعبنا ، وبين واقعه الذي تتراجع فيه عوامل التطور والنهوض ، لحساب عوامل التخلف والتبعية والسلفية الجامدة (ألإرهاب ) والاستبداد في سياق الهبوط السياسي الذي نعيش .
الأحداث والمتغيرات والتطورات التي واكبت تطور مجتمعنا العراقي –وكذلك الأمر بالنسبة للمجتمعات العربية- تفرض علينا أن نأخذ بعين الاعتبار هذه الخصوصية في تطور مجتمعنا ، وعدم إمكانية تطابق مساره التطوري مع المعيار أو المسار الأوروبي . استمرار تطور العلاقات الاجتماعية في بلادنا على صورتها المشوهه الراهنة ، هو أمر بقدر ما يتعارض مع قوانين الحياة ومتغيراتها وتراكماتها الدافعة صوب الارتقاء والتقدم ، يتعارض أيضا مع نضال شعبنا وتضحياته الغالية خلال العقود الماضية ، من أجل تحقيق اهدافه في العدالة الاجتماعية والديمقراطية، الامر الذي يستوجب استنهاض القوى الخيرة والاحزاب المعروفة بمواقفها الوطنية ومقارعة الرجعية والديكتاتورية ، كضرورة موضوعية ملحة، حتى لا يصبح المستقبل , ننساق إليه من قبل نظام العولمة الامريكي الصهيوني الذي نجح الى حد كبير في السيطرة على مقدرات شعوبنا، لذلك فإن عملية استيعاب الحاضر واستشراف المستقبل سيبقى رهاننا الدائم والمستمر ، للإسهام في تعبئة طاقات مجتمعنا بارتباطه العضوي مع محيطه العربي في ظل عالم يموج بالمتغيرات ,ولذا فإن غالبية الدول النامية تبقى خارج الدائرة التكنولوجية الأساسية. لهذا السبب تغادر الأدمغة البلدان المتأخرة في تطورها الى حيث يمكن أن تجد فرصاً لتحقيق ذاتها, وهذا مايريده المشروع الأميركي الذي يهتم بإدخال تعديلات على أنظمة تعليمية تعتبر مصدراً لإنتاج الكرّه لأميركا، وبالتالي فإن هذه الاقتراحات تستهدف وضع اقتصاديات المنطقة العربية عموما والعراق خصوصا في منافسة غير متكافئة بما يؤدي لتدمير ما تبقى .
وضع آلية سريعة لتنفيذ المشاريع الرامية إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوفير فرص العمل. ثمّة حاجة إلى تبنّي إجراءات جديدة في مجالات التوريد والأمن والتنسيق بين الوزارات للمشاريع التنموية، بغية تحويل التمويل المحلّي والخارجي إلى نتائج ملموسة. تعزيز الإصلاحات التي يمكن أن تحظى بقبول الرأي العام، وإزالة العقبات التي تعترض سبيل النمو الاقتصادي، ولاسيما بين الاوساط المهمّشة. تمثّل صياغة هذه الإصلاحات وإقرارها وتطبيقها وإعطاؤها الأولوية، وكذلك تحسين القدرات العامة للبرلمان، مهمّة كبيرة يجب أن تواصل الأطراف الفاعلة العراقية والدولية التركيزَ عليها. والديمقراطيون والوطنيون والثوريون في العراق يريدون الإصلاح لأن شعبنا يستحق مستوى حياة لائق إقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً وتعليمياً. تريد إصلاحاً تكون محصّلته بناء اقتصاد وطني مستقل ومتكامل يؤمّن تطوراً حقيقياً للشعب. وهذا يعني رسم خطة إنمائية واقعية تكون وجهتها تغيير موقع البلد في التقسيم الدولي للعمل، بما يجعله شريكا في إنتاج المستقبل وليس تابعاً في هذا السياق. وهذا يتطلّب إصلاحاً سياسياً يتمثل في بناء دولة ديمقراطية، دولة قانون تحكم بدستور عصري وقوانين انتخاب ديموقراطية وعادلة تسمح بتمثيل حقيقي لشرائح الشعب، وتسمح بتداول السلطة في إطار انتخابات ديموقراطية. وهي تسعى لإصلاح يفصل الدين عن الدولة باتجاه يحافظ على الدور الحقيقي للدّين ويحول دون تنامي أصوليات تحرف الدين عن هذا الدور. ويبقى الفساد، الذي يشكل مشكلة أساسية في كل أنحاء العالم النامي، عائقا أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العراق والشرق الأوسط، حيث التنافس محدود والسيطرة الحكومية خانقة. وإحدى الطرق للحد من الفســاد هي نزع الضوابط التنظيمية وتحقيق المزيد من التكامل مع مجتمع الأعمال الدولي. وعند التخفيف من الضوابط، تقل عادة فرص مطالبة البيروقراطيين وغيرهم من المقربين من الحكومة بالعمولات أو الرشاوى. وسيتيح المزيد من التكامل مع المؤسسات التجارية العالمية للشركات العربية والمتعهدين العرب للحصول على رؤوس الأموال استنادا إلى ما يفعلونه. ثمة وســيلة مهمة أخرى لضبط الفساد وهي إنشاء لجان مستقلة بالفعل وواسعة الإمكانيــات والصلاحيات لمكافحــة الفســاد.