السيمر / الثلاثاء 21 . 06 . 2016
نــــــــــزار حيدر
{وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ}.
٩/ الشّورى والحريّة لحماية كرامة الانسان ورفض كل انواع الاستبداد والديكتاتوريّة، ليس على مستوى السّلطة والحُكم فحسب، فهذا امرٌ مفروغٌ مِنْهُ، وانّما على كلّ المستويات وفي كلّ الحلقات الاجتماعيّة بدءً بالأُسرة.
أَقولُ الشورى والحريّة لأنهما متلازِمتان، كما ان الاستبداد والعبوديّة متلازِمتان كذلك، واذا كانت المُتلازمة الاولى تحمي كرامة الانسان بل هي أصلُ الكرامة وعنوانُها فانّ المُتلازمة الثّانية تقضي على كرامتهِ وتُلغيها وتسحقها.
وربما لِهذهِ العلّة حرصَ الاسلام على تحرير إِرادة الانسان أولاً من كل المؤثّرات والأدوات والاسباب التي تُصادرها، قبل ان يشرّع ايّة التزامات، ومن ايّ نوعٍ كان، فالعبدُ تسقط عَنْهُ المسؤوليّة كما هو معروف، لان حريّة الارادةِ التي تعني حريّة الاختيار هي حجَر الزّاوية في بناء العلاقة الصّحيحة والسّليمة بين الله تعالى وعبادهِ، فقال عز وجل {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وفي قوله تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ} ما يعني انَّ الحريّة وعلى رأسها حريّة الارادةِ والاختيار مقدَّمة حتى على قرار التّوحيد، فالحريّةُ أَوَّلاً.
ولذلك ينبغي ان نتمسَّكَ بالقراءاتِ التي تحقّق هتين المتلازمَتين لنحمي كرامة المواطن ونصونَها من عبثِ السّلطة الغاشمة والقوى الظُّلاميّة من جماعات العنف والارهاب التكفيريّة.
فكيف هما متلازِمتان؟.
انّ الشورى تعني إِبداء الرّاي للتَّأثير في صناعة القرار، ومن الواضح جداً فان الرّاي اذا لم يكن حراً نابعاً عن قناعةٍ حقيقيّةٍ يحرص صاحبهُ، الذي يستفرغ كلّ جهد الخبرة والمعرفة التي يمتلكها، على ان يترك أثراً إيجابيّاً في مرحلة ما قبل اتّخاذ القرار لا يمكن ان نسمّيها استشارة ابداً، او ان نسمّيها [استشارة سيّئة] كما يُطلقونَ عليها هنا في الولايات المتّحدة مثلاً، ولذلك وردَ في الحديث الشّريف {المُستشارُ مُؤتَمَنٌ} فكيف يكون مؤتمناً على الرّأي اذا لم يكن حُراً؟ يفكّرُ بحرّيّة ويُدلي برأيهِ بحرّيّة، غَيْرَ طامعٍ وبعيداً عن حِراب المتسبدّ؟!.
وربما لهذا السّبب حذّر الامام أَميرُ المؤمنين (ع) في عهدهِ للأَشتر لما ولّاهُ مِصر، من مغبّة الانخداع بالعناصر الوصوليّة التي تتصنّع بذل جهد الخبرة والمعرفة في حضرةِ السّلطان لإبداء الرّاي عند المشورة، قائلاً عليهِ السلام {ثُمَّ لاَ يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَاسْتِنَامَتِكَ وَحُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ، فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّفُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلاَةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ، لَيْسَ وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَالاَْمَانَةِ شَيْءٌ، وَلكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وَلُوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ، فَاعْمِدْ لاَِحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً، وَأَعْرَفِهِمْ بِالاَْمَانَةِ وَجْهاً، فَإِنَّ ذلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لله وَلِمَنْ وَلِيتَ أَمْرَهُ}.
اكثر من هذا، فلقد حذّرَ الامام جعفر بن محمّد الصّادق (ع) المُستشار من ان يكونَ همَّهُ إرضاء طالب المشورة فتلك شعبةٌ من الخيانة، يَقُولُ عليه السّلام {وَخِفِ الله في موافقةِ هوى المُستَشير، فإنَّ التماسَ موافَقتهِ لؤمٌ، وسوءُ الاستماعِ مِنْهُ خيانَةً}.
بل انّهُ عليه السلام يوصي ببذل أحسن الجهدِ وادقّهُ، محتوىً واسلوباً، لتقديم أفضل الاستشارة، فيقول (ع) {لا تَكُنْ أوَّلَ مُشيرٍ، وإيّاكَ والهَوى والرَّأي الفِطير، وَتجنَّب إِرتجال الكَلام}.
وعن هويّة المستشار أوصاه الامام (ع) بقوله {وَلاَ تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلاً يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ، وَيَعِدُكَ الْفَقْرَ، وَلاَ جَبَاناً يُضعِّفُكَ عَنِ الاُْمُورِ، وَلاَ حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ، فَإِنَّ الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللهِ}.
في مقابل ذلك، فانّ هناكَ أَصنافٌ من النّاس حذّر المعصوم (ع) من مغبّة تقديم الاستشارة لهم، لعلَّةٍ أو اكثر، فعن الامام جعفر بن محمّد الصّادق (ع) انّهُ قال {ولا تُشيرَنَّ على مُستَبِدٍ ولا على وَغْدٍ ولا على مُتَلَوِّنٍ ولا لَجوجٍ}.
وانّ مسؤولية تهيئة اجواء الاستشارة الصّالحة تقع على المُستَشير أولاً، فمن جانب هو مسؤولٌ عن حسن اختيار المستشار، ومن جانبٍ آخر هو مسؤولٌ عن إشعارهِ بالامن عندما يُدلي برأيهِ، وانّ رأيهُ مُحترم وقد يَكُونُ مُلزِماً له وليس للاستئناسِ فقط، كما يفعلُ بعضُ المُستشيرين!.
كما انّ المُستشار هو الآخر يتحمّل مسؤولية حفظ الأسرار عندنا يطّلع عليها ليُشير برأيهِ، ولذلك رسم الامام الصّادق (ع) حدود المشورة كما يلي، وفيها إشارة الى المسؤوليّة التشاركيّة والمُتَبادَلة بين الطّرفين.
يَقُولُ عليه السّلام {إِنَّ المشورةَ لا تَكُونُ إلا بحدودِها، فمَن عرفها بحدودِها وإلا كانت مضرّتها على المستشيرِ أكثر من منفعتِها له: فأوّلها أن يكونَ الذي يشاورهُ عاقِلاً، والثّانية أن يكونَ حُرّاً مُتديِّناً، والثّالثة أن يكونَ صديقاً مُؤاخِياً، والرّابعة أن تُطلعهُ على سرّكَ، فَيَكُونُ علمهُ بهِ كَعلمِكَ بنفسِكَ، ثمَّ يسرُّ ذَلِكَ ويكتُمهُ، فإنّهُ إذا كانَ عاقلاً انتفعتَ بمشورتهِ، وإذا كانَ حُرّاً مُتديِّناً جهدَ نَفْسَهُ في النّصيحةِ لَكَ، وإذا كانَ صديقاً مؤاخياً كتمَ سرَّكَ إذا أطلَعتهُ عليهِ، وإذا أطلعتهُ على سرّكَ فكانَ علمهُ بهِ كَعلمِكَ، تمّت المشورة وكمُلتِ النَّصيحةُ}.