السيمر / الجمعة 24 . 06 . 2016
د . عادل عامر / مصر
إن الله يأمر بالعدل و الإحسان كما يتجسد عدل الله فيما يقضي و يقدر على خلقه من قضاء و قدر،و فيما شرع من شرائع و رسالات و يتجسد هذا العدل الإلهي في عالم الآخرة يوم الحساب و الجزاء فيجازي المحسن بإحسانه و المسيء بإساءته و لا يظلم ربك أحدا ثم توفى كل نفس ما كسبت لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت و على هذا المنهج سار المسلمون الأوائل في فهم علاقتهم بالله سبحانه و تفسير سلوك الإنسان و ما يصدر منه من عمل و حين دخلت الفلسفة و المذاهب الفلسفية و الكلامية المختلفة نشأت ثلاثة آراء لتفسير السلوك الإنساني و علاقته بإرادة الله سبحانه
هذا هو العدل في الإسلام فهل من العدل أن يسرق الحكام قوت شعوبهم ؟وهل من العدل إشاعة روح الانتقام والقتل والتهجير من ساسة فقدوا الضمير, وابتعدوا عن الإسلام ؟ الإعراض عن الحقِّ مع نصوع برهانه صنيع الغافلين، والسكوت عن الحق مع القدرة على بيانه صنيع الشياطين، والاستعلاء على الحقِّ مع تطاول بنيانه صنيع المغرورين، والاستخفاف بالحق مع كثرة أعوانه صنيع المستبدِّين الهالكين. وهل من العدل قتل الناس على الهوية؟ وهل من العدل ترميل النساء و تيتيم الأطفال لا لشيء إلا لكونهم من طائفة أو دين آخر؟ إن أمتنا شيء عظيم في عالم الفكر، وفي عالم الحضارة، وفي عالم السياسة، وفي عالم الاقتصاد، وفي عالم الحرب، وفي عالم السلم، وهي تستطيع أن تتوج كل فريق من المعسكرين المتصارعين اليوم بإكليل الهزيمة أو النصر إن شاءت، فلماذا نعطي إكليل النصر هدراً من غير ثمن؟
لماذا نصوغ من دماء شبابنا ومن ثروات بلادنا ومن حرية أمتنا تاجاً نضعه فوق رؤوس الأقوياء، وهم لا يزالون يجحدون حقنا في الكرامة، بل حقنا في العيش ببلادنا أحراراً؟ لماذا نذهب مع من يريد منا أن نذهب معه إلى حرب مدمرة لا تبقي ولا تذر قبل أن نقول له: اخرج من وادي النيل، ومن أرض الشمال الإفريقي العربي، ومن المحميات العربية على الخليج العربي، ومن كل أرض لنا لا يزال الغاصبون يحتلونها ويذلون كبرياءنا فيها؟!.
وهل من العدل مصادرة قرار الشعوب وتغييب كلمتهم؟ النظام الديكتاتوري حاكم له مظاهر الإلوهية وأفعال الشياطين، وشعب تعداده ملايين الأجسام وله عقل واحد، وأرض تذرع ملايين الفدادين يسكنها ظالم واحد، ودولة فيها ملايين العبيد يحكمها سيد واحد، وتاريخ كان يكتبه الملايين من الصادقين فاحتكر كتابته كذاب واحد.
أم من العدل أن تمسك كتل سياسية فاشلة بخناق الشعب وتدفع به لأتون الحرب الأهلية والدمار؟ وهل من العدل خلق وافتعال الأزمات والدفع للاقتتال الطائفي وشحن الشعب عاطفياً من أجل مصلحة انتخابية وأغراض لا تجيزها الشرائع الدينية والأخلاقية؟ فهل هذا من الإسلام بشيء؟ فما نتجنى والله على زعمائنا حين نبلغهم آلام الأمة وإنَّ لنا فيهم أصدقاء أعزاء نحترمهم ونقدر إخلاصهم. ولكنهم وقد ربطوا أنفسهم بـ”مركبة واحدة” وهم يريدون اليوم أن يشدوها من جديد بعد أن تخلخلت أجزاؤها، نريد لهم أن يفكروا قليلاً بأمر هذه الأمة، ونحن لهم من الناصحين حين نبلغهم شكواهم، وندلهم على عللها وبلواها.. وليس أحب إلينا والله من صلاحهم لتستقيم الأمور، وتنجو “الغنم” من الهزال، و”الخط” من الاعوجاج..أمرٌ محزن أن نرى أوغاد يعتلون المنصات وينعتون سواد الشعب بالخنازير والقرود .
ويرمونهم بتهم باطلة ما أنزل الله بها سلطان. يحرضون البسطاء والأبرياء من شعبنا الطيب على بعضهم البعض ويقطعون طرق المواصلات ويهاجمون مخافر الشرطة ودوائر الدولة يحرقون وينهبون ويقتلون.فهل من العدل إلحاق الأذى والدمار وشظية الأمة إلى شيعة يسمونهم بالخنازير ؟وهل من العدل قتل الشرطة وهم من كُلِفَ بحماية الأمن واستهداف الجيش سور الوطن وحامي حماه؟.
وأمرٌ محزن أيضاً أن نرى أرطالا عسكرية ذاهبة للقتال . فهل يصح أن يقتل الأخ أخاه؟ وهل من العدل تسمية شطر كبير من الأمة بالنواصي وجند يزيد فأين عقلاء الأمة أم أنها فرغت من العقلاء؟
لقد دُفِنَ العدل في مزابل هذه الأمة. ألا إنها لم تحدث في عصر محمد رسول الله، ولا في عصر خلفائه الراشدين، ولا في عصور الأمويين والعباسيين، وإنما حدثت يوم ابتعدنا جميعاً على أدياننا وسمحنا للمتاجرين بها أن يعكروا صفو قلوبنا، وللأعداء أن يفرقوا وحدة صفوفنا.
. يومئذ فقط مدت الطائفية رأسها لتلصق بأدياننا وبأمتنا مخازي ليست منها. فالطائفية ليست عميقة الجذور في أدياننا ولا في طبائعنا وإنما هي بذرة خبيثة دخيلة نحن الذين سمحنا لها أن تنمو وتترعرع في تربتنا فحقت علينا لعنة الله.. إن كرامة أمتنا في أن تتحرر من الجهل والفقر والضعف والظلم والخوف والرذيلة..
فليحرر ملوكنا ورؤساؤنا شعوبهم من هذه القيود، تكن لهم كرامتهم وسلطانهم في الأفئدة والقلوب، وما دام في دنيا العرب شعب يخاف من الحاكم أن ينقده فيكبل بالأغلال، وحاكم يخاف من معارضيه في الرأي فيرى فيهم متآمرين على حكمه وحياته. فلن تستطيع الدنيا العربية أن تحطم قيود الأعداء من حولها.. إن الشعوب لا تساق إلى ميادين المجد بالنار والضغط والإكراه، وإنما تساق إليها بالعقيدة ولذة التضحية ورغبة الاستشهاد.
وإن القضاء عليها لن يكون بكلمات النفاق من السياسيين المحترفين، ولا بمؤتمرات تعلن الوحدة متسترة بطائفية مقنَّعة. وإنما يجب القضاء عليها بعلاج من داخل أنفسكم أنتم أيها الناس.. من ضمائركم، من قلوبكم، من أخلاقكم، من إيمانكم، من قرآنكم وإنجيلكم، من محمدكم ومسيحكم.. هنا هنا علاج الطائفية المقيتة.. وهنا هنا يتم الشفاء!.
إن أمتنا وهي ترث جهالة العصور، وخرافة الجهالة، وانحطاط الخرافة، ليس لها ما يجدد عزيمتها ويفتح بصائرها إلا أن تجلى لها روحها الموروثة الدفينة، وتستفيد من تراثها المشرق البنّاء، وتستلهم نظامها الجديد من قيمها الأخلاقية والتشريعية، وكل إعراض عن الاستفادة من هذه الروح تعطيل لمواهب أمتنا من أن تعمل، ولسلاحها من أن يصقل، ولفضائلها من أن تتجسد على الأرض المعذبة جيلاً يمشي بأقدام الإنسان وأرواح الملائكة. ا لتطبيق المثالي لجميع تلك القوانين, والتطبيق يشمل الاجتناب المثالي لجميع القوانين الطالحة والابتعاد عنها، فاكتشاف أنّ النار تطهو الطعام قانون صالح، وعلينا الاستفادة من ذلك, ولكن معرفة أنّ النار تحرق الإنسان قانون طالح عند الاستخدام وإنْ كانت معرفة ذلك ضرورية للحذر منها. ومهوى لأفئدتنا الكليمة، ولكن ذلك لا يتم إلا إذا سارت الجامعة بعد الآن خطى وعقلية
هذا هو الكون الذي نحن منه وفيه, عبارة عن مجموعة من الموجودات والمخلوقات تحكمها جملة من القوانين، كل ما أحسن استخدام النافع منها وإهمال الضار كلما عاش الكون بأفضل حياة ممكنة، حتى إذا ما استطيع السيطرة على كل تلك النواميس بين تلك الموجدات استطعنا أنْ نرى دولة العدل الإلهي المطلق. فالعدل الذي يحمله اسم تلك الدولة هو نعت لذلك الاكتشاف الكامل لتلك القوانين والتطبيق الكامل والمثالي لها, فمن الظلم أنْ يكون هناك قانون نافع معروف ولم يتم تطبيقه. وكذا الحال بالنسبة للقوانين الضارة من وجوب المعرفة والاجتناب.