السيمر / الأحد 26 . 06 . 2016
د. ماجد احمد الزاملي
على الرغم من الجهود المبذولة والتي تبذل من قبـل التـشريعات الوطنيـة والهيئـات الدوليـة والإقليميـة للتـصدي لظـاهرة الإرهـاب، إلا أن تلـك الجهـود اصـطدمت بالعديـد مـن العقبـات والمــشاكل التــي وضــعت العراقيــل أمــام ســير العدالــة الجنائيــة. فالقــصور فــي المجــال التـشريعي الـدولي وعـدم الوصـول إلـى تعريـف متفـق عليـه للإرهـاب، وتمـسك الـدول بمبـدأ الـسيادة الوطنيـة، فـضلاً عـن اسـتخدام مكافحـة الإرهـاب كذريعـة للتـدخل فـي شـؤون الـدول الداخليـة والتـأثير علـى قرارهـا ومقـدراتها، كـل ذلـك شـكل عقبـات حقيقيـة فـي وجـه تفعيـل التعـاون الـدولي فـي المـسائل الجنائيـة لمكافحـة جـرائم الإرهـاب. لـذلك يتوجـب علـى الأمـم المتحـدة الابتعـاد عـن الازدواجيـة والكيـل بمكيـالين فـي التعامـل مـع القـضايا المختلفـة ومـن بينهـا مكافحـة الإرهـاب الـدولي، مـا يـسوغ للـدول الكبـرى التـدخل فـي شـؤون الـدول بحجـة ذلـك. كمـا يتوجـب علـى الـدول أن تقـوم بنـوع مـن التـوازن فـي التعـاون الـدولي بـين احتـرام السيادة الوطنية للدول وبين تحقيق العدالة وملاحقة المجرمين، ففكرة أي تعـاون يجـب أن تراعي سيادة الدول واحترام قوانينها الوطنية. لكن بالمقابل ينبغي علـى الدولـة ألا تـسوق هـذه الفكـرة كذريعـة لتقـصيرها فـي تقـديم الـدعم والمـساعدة فـي كـشف أو ملاحقـة أو تسليم المجرمين مرتكبي الجرائم الإرهابية.
تتنـوع وتتعـدد الأسـباب والـدوافع التـي تـدفع فـردا أو جماعـة مـا علـى قتـل الأبريـاء، إلا أن الأسـباب والـدوافع الـسياسية الداخليـة والدوليـة هـي الأكثـر شـيوعاً، مـع عـدم إغفـال الـدور الكبيـر للــدوافع الاقتــصادية والاجتماعيــة وحتــى الشخــصية. لــذلك يتوجــب علــى المجتمــع الـدولي دراسـة هـذه الأسـباب بـشكل جـدي بحثـاً عـن وضـع حلـول وقائيـة وعلاجيـة فعالـة، تراعي الخصوصية الاجتماعية والثقافية والحضارية للدول المختلفة . ومن هذا المنطلق بادرت الأمم المتحدة من خلال الجمعية العامة منذ عام ،١٩٧٢إلــى دراســة أســباب هــذه الظــاهرة لوضــع الحلــول المناســبة لهــا أو المــساهمة فــي منعهــا، فأصــدرت القــرار رقــم .( 3034د27) الــذي كلفــت بموجبــه لجنــة خاصــة تتــولى دراســة الــدوافع والأســباب المؤديــة إلــى ارتكــاب تلــك الجــرائم، وقــد تــضمن هــذا القــرار “دراســة الــدوافع والأســباب الكامنة وراء أشكال الإرهاب وأعمال العنف التـي تنـشأ عـن الـشعور بـالظلم واليـأس، والتـي تحمــل بعــض النــاس علــى التــضحية بــأرواح بــشرية بمــا فيهــا أرواحهــم محــاولين إحــداث تغيــرات جذرية. والواقع أن طرح الجمعية العامة لهذا القرار هو طرح منطقي وضروري، وقـد أيدتـه غالبيـة الـدول الأعـضاء، إلا بعـض الـدول بالمقابـل مـن ذلـك عارضـته بحجـة أن البحـث فـي الإرهـاب مـن قبل الجمعية العامة ليس له علاقة ببحث الأسباب المؤدية إليه، على اعتبار أن هـذه المـسألة مـن اختصاص أجهزة أخرى من أجهـزة الأمـم المتحـدة. وعلـى مـا يبـدو كـان هنـاك رغبـة لهـذه الأطـراف بعدم الخوض في هذا الموضوع البالغ الأهمية، لأنه سيؤدي بالضرورة إلى إدانة الاحـتلال والقهـر السياسي والتدخل في الشئون الداخلية من قبل تلك ألأطراف.و لا يمكن حصر الأسـباب التـي يـستند إليهـا اللجـوء إلـى العنـف أو الإرهـاب، إلا أنهـا غالبـا مـا تكـون أمـا سياسـية أو اقتـصادية أو اجتماعيـة، ويتمثـل أهمهـا في: “احـتلال الأراضـي ٕ واخضاع سكانها للسيطرة الاستعمارية- طرد سكان إقليم معين – تطبيق سياسـات التمييـز والفـصل العنـصري – التـدخل فـي الـشؤون الداخليـة للدولـة – الاسـتغلال غيـر المـشروع أو غيـر العـادل لمـوارد بلـد– عـدم اهتمـام المجتمـع الـدولي بـالظلم الواقـع علـى أفـراد معينـين – انتهـاك حقـوق الأفـراد والـشعوب- الفقـر والمـرض والبؤس.غالبـا مـا يولـد القهـر الـسياسي الـذي تقـوم بـه الـسلطة ضـد ً معارضـيها نوعـا مـن ردة الفعـل لديهم، قد تصل بهم إلـى اسـتخدام العنـف الإرهـابي للـضغط عليهـا بهـدف ثنيهـا عـن اسـتبدادها. إذ يشكل الاستبداد الذي تقوم به الفئة الحاكمة ضد مواطنيها أحد أهم الدوافع السياسية الداخلية التي تدفع الأفراد إلى استخدام العنف كوسيلة للتعبير عن رفض هذا الواقع , فغالبــاً مــا “يــسعى القابــضون علــى الــسلطة فــي هــذه الأنظمــة- ً ضــمانا لأمــن النظــام واسـتقراره- إلـى ُ إيجـاد نـوع مـن التمييـز بـين أفـراد الـشعب من خلال تنعم فئـة قليلـة مـنهم بخيرات البلدان ، ويجعلـون الغالبيـة العظمـى فـي فاقـة وحاجـة وعـوز ومـرض وحرمـان، الأمـر الـذي ينمّـي مـشاعر العداء تجاه هذه الفئة المترفة. مـن الناحيـة الاقتـصادية، يـؤدي انخفـاض مـستوى المعيـشة وانتـشار البطالـة إلـى مـشاكل اقتــصادية واجتماعيــة متفاقمــة، ُ ممــاّ يشكل ضــغطًا كبيــرا علــى المــواطنين يــدفع بهــم إلــى اليــأس ورفــض الواقــع الاجتمــاعي والاقتــصادي القــائم، إذ يــساهم التوزيــع غيــر العقلانــي وغيــر العادل للثروة في إيجاد فئة محرومة ومهيـأة للانفجـار فـي أيـة لحظـة، وتـزداد خطـورة الوضـع كلمـا توسعت دائرة هذه الفئة، مما يؤدي ببعضهم إلى الانخراط تحت تنظيمات تنادي بالتغيير السياسي والاجتماعي ويكون على استعداد على تنفيذ أي عمل من الأعمال المعادية للسلطة. وقــد يــؤدي الفقــر أيــضا إلــى التقليــل مــن حــس الانتمــاء الــوطني والــشعور بالغربــة عــن المجتمع، فكلما كان دخل الفرد متدنيا كان رضاه واستقراره غير ثابت بل قد يتحول هذا الاضطراب وعدم الرضا إلى كراهية تقوده إلى نقمة على المجتمع. وهذا الحال مـن الإحبـاط يولـد شـعور ً سـلبيا تجـاه المجتمـع، مـن آثـاره عـدم انتمائـه لوطنـه ونبـذ الـشعور بالمـسؤولية الوطنية، ولهذا يتكون لديه شعور بالانتقام ، فيستثمر بعض المغرضـين أو المحبطـين هـذا الـشعور.
الإرهـاب قـديم قـدم البــشرية، إلا أنـه حتـى اليــوم لـم يـتم التوصـل إلــى مفهـوم متفـق عليــه وموحد بين دول العالم للإرهـاب. فمـا زال هـذه المـصطلح يـشوبه الغمـوض ويكتنفـه العديـد من الصعاب نظرا لفشل المجتمـع الـدولي في توحيـد وجهـات النظـر حولـه. وقـد أدى ذلـك إلـى سيادة المفهوم الغربي لـه، بحكـم سـيطرتهم علـى آليـة المنظمـة الدوليـة. وهـذا الأمـر يحـتم علـى الـدول والمنظمـات الدوليـة ضـرورة الإسـراع فـي الوصـول إلـى مفهـوم مـشترك ومحـدد لجرائم الإرهاب، حيث إن فاعلية أي تعاون لمكافحة جريمة ما مرهون على إيجـاد صـيغة مشتركة ومتفق عليها لهذه الجريمة محل التعاون.
ومن خلال الوقـائع والممارسـات الدوليـة هناك إمكانيـة تحمـل الفـرد للمـسئولية الجنائيـة الدوليـة، لكـن إلـى الآن لـم يـتم الاتفـاق حـول إمكانيـة تحميـل الدولـة تلـك المـسئولية، وان كانـت بعـض الوقـائع والممارسـات أثبتـت إمكانيـة توقيـع بعـض الجـزاءات الاقتـصادية وقطـع العلاقـات الدبلوماسـية وغيرهـا مـن الجـزاءات التـي مـن الممكـن أن تُفـرض علـى الدولـة. لـذلك يجـب أن تتحمـل المـسئولية الجنائيـة عـن الجـرائم المرتكبـة باسـمها أو لحـسابها، فالـدول جميعهـا وقعــت علــى المعاهــدات المتعلقــة بحقــوق الإنــسان وحمايــة المــدنيين وقــت الــسلم ووقــت الحـرب، وغيرهـا مـن معاهـدات القـانون الـدولي الإنـساني، ومـن ثـم فهـي تتحمـل مـسئولية مخالفتها لأحكام تلك المعاهدات.
مكافحة تمويل الإرهاب بات جـزءاً لا يتجـزأ مـن المنظومـة المتكاملـة للتعـاون الـدولي فـي مكافحة جرائم الإرهاب، فعلى الرغم من أن تتبع الأنشطة المالية للجماعـات الإرهابيـة لـن يوقف كل نشاطاتها، فإنه يمكن أن يعطـل ويـدمر بعـض هـذه الأنـشطة. وعلـى الأقـل فـإن تعقب معاملات “الإرهابيين” المالية سـوف يجعـل مـن الـصعب علـيهم القيـام بعمليـات مثـل الـسفر وشـراء المـواد وتـوفير المـال وتجنيـد مزيـد مـن الأفـراد. ومـن ثـم فـإن الحيلولـة دون وصــول “الإرهــابيين” بــسهولة إلــى الأدوات الماليــة يجبــرهم علــى اســتخدام وســائل أخــرى للتمويل أكثر تكلفة وأقل كفاءة. لذلك ينبغي علـى الـدول التأكـد مـن أن المؤسـسات الماليـة تخضع لرقابة وتنظيم كافيين للحيلولة دون وصول هذه الأموال إلى التنظيمات الإرهابية.