السيمر / الجمعة 01 . 07 . 2016
كاظم فنجان الحمامي
منذ أسابيع وأنا أواصل حملتي الإعلامية ضد الذين حملوا بذور الأحقاد القديمة، وجلبوها من كهوف العنصرية، ثم زرعوها في أوحال الطائفية، فكتبت مقالات كثيرة تناولت فيها أمراض التباغض العرقي، وفيروسات التنافر المناطقي المتفشية هذه الأيام بين أبناء الوطن الواحد، ثم اخترت رائعة سعود السنعوسي (ساق البامبو) في مقالة سابقة، لأنها كشفت للقارئ والمشاهد مخاطر (رعب الهوية) في الأوساط الخليجية.
لم أكن أعرف الكاتب (السنعوسي) قبل انطلاق المسلسل التلفزيوني، الذي يحمل العنوان نفسه (ساق البامبو)، لكنني تعرفت على رائعته الأخرى (فئران أمي حصة) عن طريق رسالة مختصرة بعثها لي صديقي الكاتب والناقد (رياض عبد الواحد)، فاكتشفت أن أجهزة الرقابة سحبتها من معظم مكتبات عواصم المنطقة، لأنها تعرضت لمخاطر الطائفية البغيضة.
يفكر (السنعوسي)، ونفكر نحن معه بتداعيات المناوشات الطائفية، التي اكتسحت المدن العربية، لكنه يفكر في روايته (فئران أمي حصة) بصوت عال، فالمؤشرات كلها توحي بأن ما يفكر به هو أو غيره قادم كالطاعون الذي تحمله الفئران والجرذان المختبئة خلف جدران بيوتنا.
يقول الكاتب: (ما عادت الفئران تحومُ حول قفص الدجاجات أسفل السِّدرة وحسب، فقد تسللت إلى البيوت. كنت أشمُّ رائحة ترابية حامضة، لا أعرف مصدرها، ورغم أني لم أشاهد فأرا داخل البيت قط، فإن أمي حِصَّة تؤكد، كلما أزاحت مساند الأرائك تكشف عن فضلات بنية داكنة تقارب حبات الرز حجما. تقول: إنها الفئران. . ليس ضروريا أن تراها لكي تعرف أنها بيننا). لقد تعددت جحور الفئران في بلداننا، وانتشرت في كل الأصقاع بدعم من القوى الشريرة، التي تكفلت بزرع الدسائس والفتن، حتى تحولت الفضائيات العربية إلى أبواق مأجورة، وتحولت القصبات النائية إلى أوكار موبوءة بالأمراض الطائفية والعرقية والمناطقية. المثير للقلق إن المثقف العربي نفسه، تحول هو الآخر إلى أداة من أدوات نشر الفكر التكفيري في الأوساط الفقيرة، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، فما بالك بأصحاب الأدمغة المعطوبة، الذين عادوا بنا إلى العصور المتحجرة.
يتعمق (السنعوسي) في سرد تفاصيل روايته، ويتوقع اندلاع حرب أهلية بين مواطنين دولة خليجية. تدور رحاها عام 2020. فالأجواء المشحونة بسموم الحقد والكراهية، لن تبشر بخير، وتوحي بما لا يقبل الشك والتأويل، أن المنطقة ستحترق برمتها في براكين النيران التي أضرمتها بأدوات التفريق والتشرذم.
ما أبشع أن تقاتل أبناء جنسك، وتحارب أبناء وطنك لأسباب ومبررات ودوافع، أنت غير مقتنع بها، وما أبشع أن ترى معلبات صناعة الموت والدمار تتفجر بين أهلك، بينما تتعالى صيحات (الله أكبر) فوق جثث الأبرياء والضحايا.
يوهموننا من وقت لآخر في بياناتهم، التي يزعمون فيها أنهم سيجففون منابع الإرهاب، في الوقت الذي يسمحون بتسلل فئران الخراب في كل الاتجاهات.