السيمر / الجمعة 02 . 09 . 2016
عبد الصاحب الناصر
معروفة هي الدول التي تحكم بالشريعة الاسلامية (؟) و الدول التي حكمت او تحكم الآن براية الايدلوجيات . كوبا و السعودية مثلا . لكن هناك دول تقودها احزاب اسلامية كتركيا و اخرى تقودها الايدلوجيات ككوريا الشمالية . و هناك دول ديانتها الرسمية ” الاسلام ” كمصر و السعودية وكثير من الدول العربية ، و دول اخرى ديانتها الرسمية المسيحية كامريكا و بريطانيا و ايطاليا .
فلو اردنا ان نمنع الاحزاب الاسلامية من الوصول الى سدة الحكم لانها متخلفة و تتبع ما حصل في اوربا قبل قرنين، قبل التغير و عزل الدين عن الدولة، فمازالت بريطانيا و ايطاليا تصر على ان ديانة الدولة هي المسيحية وتقود ملكة بريطانيا الكنيسة البروتستانتية . كما هي ايطاليا و يقود البابا الكنيسة الكاثوليكية.
ان الدين في منظور الفلاسفة و المفكرين المنفتحين هو جزء من تاريخ و حضارة الشعوب ، حتى لو لم يكن ذلك المفكر متديننا، الا انه يعترف بان الدين جزء من حضارة البلد و يجب الاعتراف به كحضارة و تاريخ و تراث .
ليست المشكلة اذاً في الدين او التدين ، بل المشكلة في الحكام ان كانوا متدينين، ام علمانيين مؤدلجين . فمن الخطاء تحميل الدين كل اخطاء الحكام المتدينين أو المتظاهرين بالتدين. و من الخطأ ايضا تحميل الايدلوجيات أخطاء الحكام الذين حكموا باسمها و اخطأوا . الخطأ في الانسان عندما يكون في موقع القيادة او السلطة او المسؤولية .
يحلو دائما لبعض اليساريين ان يحملوا كل اخطاء البلدان على الدين، و ليس على المتدينين الذين حكموا تلك البلدان .و هذا خطأ ظالم و عظيم .ليس خطآ بحق الدين بل خطأ بحق ذلك المجتمع و تراث ذلك البلد و بحضارته وتاريخه . كما هو خطأ تحميل الأديولوجيات الاشتراكية او الشيوعية بسبب اخطاء سياسي و قادة الدول الاشتراكية سابقا .
كما هو (النقد المؤد لج) مؤشر على زعل ان لم اقل حقد على الحكام الذين من اصل متدين، مثل مخاتير محمد الذي اسس ماليزيا الحديثة و تطورها و استمرارها الى هذا اليوم ، وكان الرجل متدين و لم تخفي بريطانيا انتقادها و عدائها للرجل الى وقت تنحيه. كما هو الحال عند الاستشهاد بكاسترو الذي ترك كوبا في موقع كموقع العصور الوسطى و نفس الشيء عن عائلة “كم ال سونغ ” الكوريين الشماليين ” غير المتدينين ” .
يحكم العراق اليوم احزاب اسلامية و احزاب علمانية و احزاب شوفينية و اخرى طائفية و عنصرية .
الاحزاب العراقية الدينية هي: الدعوة ، الفضيلة ، التيار الصدري، وجلس الإسلامي الأعلى بقيادة آل الحكيم ، و الاخوان المسلمين كجماعة سليم الجبوري، و و حزبان كرديان اسلاميان .
و الاحزاب العلمانية العراقية مثل حزب أياد علاوي، و الديمقراطي الكردستاني (مسعود) و الاتحاد الديمقراطي الكردستاني ( الطلباني ) و التغيير (كوران ) ، و يمكن ان يضاف لهم جماعة حسين الشهرستاني و جماعة جواد البولاني ، و النواب الثلاث الذين يمثلون الخط الديمقراطي المدني ، كالعبايجي و فائق الشيخ على و الالوسي .
اذا الدولة العراقية لا يحكمها اسلاميون فقط بل علمانيون كذلك ، و تقع مسؤولية الاخطاء الجسيمة عليهم كلهم. الم يكن جرذ ابن العوجة علمانياً؟. والم يكن الزعيم الخالد ابن الشعب البار عبد الكريم قاسم متديناً؟ لماذا اذن كل هذا الحقد على المتدينين و التغاضي و التسامح حد النسيان على العلمانيين؟ لا الدين خطيئة و لا العلمانية خطيئة. الخطأ كامن في الانسان بغض النظر عن كونه متدين أو علماني، و هو محمل بالفجور كما هو محمل بالتقوى .(ألهمها فجورها وتقواها)
كذلك من التعسف تحميل الشعب العراقي كل هذه الاخطاء، بوصفه انه (شعب متخلف) ، فشعب عاش لاكثر من خمسين عاما تحت انظمة جائرة و حصار طويل و تقشف دائم و تشريد وتهجير و حروب عبثية وحصار اقتصادي أممي، لا يجب ان يكون مسؤولاً عن كل هذه الويلات وإنما هو ضحية ، ولا يحق للذين عاشوا خارج العراق في امان و نعيم و بحبوحة واسعة أن ينتقدوا هذا الشعب على ما يجري، و الا يمكننا ان نقول لهم ، لماذا لا تعودوا الى العراق و تصلحوا الحال؟ . سيقول البعض ، كيف نعود و من يسيطر على العراق هم الاحزاب الاسلامية؟ و هذا غير صحيح كذلك . فلو عاد الكثيرون و هناك احزاب علمانية تدخل الانتخابات لانضموا اليها او صوتوا معها ، لتغير الحال، ربما تدريجيا، لكن التغيير لن يأتي مع المطر من السماء في ليلة و ضحاها .
و كلمة لا بد منها ، ليس حقدا على اقوال العلمانيين ، بل من اجل الحقيقة ، لم يصب اللوم كله علي الاسلاميين فقط ، و لا يمس مسعود البرزاني بكلمة واحدة رغم أخطائه القاتلة ؟.اليس هذا تحزبا؟ ام هي الخشية من قول الحقيقة وخوفاً من فقدان رواتبهم التقاعدية؟
لنفتح ابواب الحقيقة على مصراعيها و لنقارن بين مثالين و لنستعملهما مقياس النقد عن الاساتذة اليساريين انفسهم ، نتكلم عن كوبا و عن ايران . حيث كلا البلدين كان محاصرا و محاربا ، ايران لاكثر من ٣٦ عاما و كوبا ٥٦ عاما . و ليست هذه مدد قصيرة علي حياة الشعوب لكي ندخل في التفاضل او الازدراء . فاوضاع و حياة الناس في الدولة الاسلامية في ايران احسن بكثير مما هي عليه في كوبا . و هذه بشهادة العلماء و المنصفين و المؤرخين الحياديين ، بينما حياة الناس و اوضاعهم و ما هي عليه في كوبا لا تقارن بما هي عليه في ايران . كلا البلدين حكمتهم اديولوجيات ، هذا اسلامي و الاخر علماني يساري. و ان انفتاح العالم على ايران بدون ان تقدم اي تنازلات في سياساتها (الاسلامية) ، بينما تنازلت كوبا كثيرا في ايديولوجياتها الاشتراكية ، و تفتح الان الابواب لرؤس الاموال الغربية (الاستعمارية) .
و في رأيي المتواضع، ان الحقد و الحسد و الشعور بضياع الفرصة هي من تتحكم بآراء الناس ، كل من موقع ضياع فرصته في الحكم و الادارة. اما في العراق فان الحالة مازالت تتوزع بين التسلط الشخص او الحزبي او الطائفي و العنصري. و ليس صراع المبادئ او الاديولوجيات، فكل هؤلاء فاشلون في تطبيق ما يؤمنون به ، اي انها الاخطاء و الاطماع و التلاعب بمصير شعوبهم، بعيدا عن اي ايمان بتلك المبادئ او الايديولوجيات .
و اذا كان الهدف من النقد او الانتقاد هو من اجل المصلحة الحقيقة للشعب العراق، فلنسميها و لنتهم كل المخطئين و المتسلطين و الانتهازيين .سنكوّن عند الخطوة الاولي ببدء استعمال المنطق و النقد البناء.
و الاهم هو قوانين الدولة و دستورها و نظامها المدني و احترام شعوبها للدستور و لقوانين الدولة .و ان اختيار الشعوب هو من يحدد تلك القوانين و الدساتير والانظمة، والا فسنكون كأوصياء على الشعوب برغم ارادتها و تطلعاتها، فمن نحن كي نتحكم بمصير و اردة الشعوب، و نحن ابعد ما نكون عن الاوصياء او الانبياء و حتى فلاسفة الانظمة في العالم .
و يا اكثر ما نتكلم عن التسامح و قبول الآخر، و عن قانون العفو العام و عن تجربة دولة جنوب افريقيا و هكذا. في حقيقة الامر انها قوانات عتيقة مشروخة نستفيد منها كيفما نريد لكننا نتناسها و نتهم الغير بالغباء والتطرف الديني و ننسى التطرف العلماني في الأنظمة الفاشية والشيوعية. كما هو الحال عندما يتهم غلاة التطرف الديني اليسار العراقي في تحالفه مع حزب البعث في السبعينات من القرن المنصرم. ربما انها فترات كانت تتطلب الاستفادة من تلك الاتفاقات. لكنني آسف على البعض عند الاختفاء وراء انتقاد الاحزاب الدينية و نتناسى انتقاد الاحزاب العلمانية .
ها هو حزب الله ” حزب اسلامي صرف” ، هو الوحيد الذي يدافع عن حقوق الشعوب الفلسطيني و اللبناني و السوري و حتى العراقي، و تحترمه و تخشاه اسرائيل و امريكا ، لكنهم يعترفون بمبادئه و صلابته وصموده و وطنيته، كما ان شعبيته بين اللبنانيين و بالأخص المسيحيين لا حدود لها .بينما يعاديه الاسلاميون و العلمانيون ( المنحرفون) البعيدون عن ايرادات الشعوب .و لا يجوز وصف اي منتمي اسلامي بأوصاف السلفية الوهابية الظلامية .فالإرهاب لا دين له كما التطرف العنصري لا قومية له. و لا يجب ان نصنع من التقليعات مبادئ ننسف بها الاخرين. لست ممن يطالب بالدولة الاسلامية، فالدين بين الله و الانسان. بينما الدولة لكل المواطنين بكل انتماءاتهم و تشعباتهم و تطلعاتهم .لننسى القوانات العتيقة اذا كان تطلعنا بناء عراق جديد .