الرئيسية / مقالات / الانتماءات في الاوقات الضائعة

الانتماءات في الاوقات الضائعة

السيمر / الثلاثاء 06 . 09 . 2016

عبد الصاحب الناصر

منذ ما قبل التغير و بعده، و نتيجة للظلم و التعسف و غطرسة قوى خارجية و داخلية ، اتبع كثير من العراقيين في الداخل و الخارج نهج ” الانتماء ” كتعويض عن كل الانتهاكات التي قام بها صدام و زبانيته، كما قام بها سياسيو الدول الغربية من ذوي الرياء ” hypocrisy ” ، بدون اي تعاطف حقيقي مع الشعب العراقي في محنته، الامر الذي أغرى كثير من العراقيين للانتماء الي جهات او احزاب او جماعات ضمن اطار الحس الوطني، و وبدوافع حبهم لبلدهم الذي اصبح بعيداً عنهم، و إن كان البعض قد حاول العودة للوطن، فأصبحوا خارج نطاق الوطنية. و نتيجة لهذا الحس نمت عندهم النستالجيا التي تتكون عادة مع تقادم العمر .
لكن هذه الانتماءات استمرت بعد التغيير فأصبحت مشكلة العراق، كالتحزب والطائفية و العنصرية مصحوبة باندفاع بدون سبب الا الى اي انتماء، ولسان حاله يقول: “حشر مع الاسلام عيد” . يعجله تقدم العمير و قلة الواردات او التي كانت متوقعة بعد التغيير و كتعويض عن ما اصاب كثير من الشعب العراقي ، فاصبح هنا الحس الوطني و كانه دافع و مورد مادي و ربما عند البعض كحقوق مكتسبة مؤجلة جراء الحرمان السابق .
لكن الحياة ليست هكذا و لا تسير لتعوض الماضي او لتنصف المظلومين، وهذه هي مع الاسف سيرة حياة البشر .
ساذكر مثلا من الماضي :-
الشاعر “أندريه شينيه” وضحايا المقصلة .” André Chénier ”
منذ اندلاع الثورة الفرنسية في ١٤/٧/١٧٨٩ ، تطورت اعمال العنف خلال سنتي ١٧٩٣ الى ١٧٩٤ و سقوط الضحايا بغير حق عن اتهامات شخصية و حقد طبقي فتشعبت الاتهامات و تكاثرت .ألقي القبض على الكاتب و الشاعر الشاب أندريه شينيه بطريق الخطأ في يوم 4 مارس 1794 وأمضى الأشهر الأخيرة من حياته في سجن “سان لازار”، الذي تحول الى مستشفى لأمراض البرص لاحقا . قام هناك بتأليف القصائد التي تم تهريبها في سلال غسيل السجن. و يعتبر الشاعر شينيه من اكبر و اهم الشعراء الرومانسيين الفرنسيين في تلك الفترة و مازال .
اخذ الشاعر ” شينيه ” يراقب ويلاحظ و يقارن السجناء و هم في انتظار الموت كالأغنام يوم يقادون الى المسالخ. ذكر في يوم 25 يوليو، انه ركب عربة قش المزارع إلى المقصلة مع الشاعر جان انطوان غوشيه Roucher، في الطريق الى منصة الاعدام. فدون و اخفى ما قاله الشاعر غوشيه ثم هرّب للعالم لاحقا. كتب غوشيه :
تعال الي ايها الموت
فانا انام باسترخاء
لا افكر الا
في الصباح
و بشروق الشمس .
ستشرق الشمس دائما
كل صباح

و كتب الشاعر ” شينيه ” هذه الابيات في ادناه التي هربت لحقا ، و نشرت بعد الاستقرار.

خلال الربيع ، تتمدد مساحات الكتل الخضراء
اليس ، من الغرابة اذاً ، في ساعات صباحي الاخيرة
تتمدد الغيوم المظلمة لتأتي بالحاضر الاظلم
يتراجع الموت ، و انا نصف خائف
من احتمال الموت
لكن الخوف يتبدد امام قسوة الموت
انا ، ابكي و أؤمل و اتنفس برودة الريح الشمالية
هناك ايام مرة و هناك ايام حلوة
فغزارة و دوي مياه المحيط تسبق العاصفة .

لنعود الى العراق و الى ما يحصل فيه الان ، و ما يشارك به الكثيرون عن قصد او بدون قصد و حتى عن بساطة التفكير . من اعادة نشر الاشاعات و الاكاذيب .
ليس كلهم مخطئين، فقسوة الحياة و استمرار الحرمان يولد الخوف و الخوف يولد خوفا اخر،
لكن من حقنا ان ننتقد من يستغل هذه الظروف على صعوبتها و على قسوتها فيستغلها ليتاجر بها ، خصوصا عندما يخرجها ضمن انتمائه الكاذب ، و الجديد ليستدر عطف الكثيرين من البسطاء ، وهذه تجارة بخسة لا عمر طويل لها و ستضر صاحبها كما تضر المجتمع ناهيك عن المستهدف من هذه الأكاذيب والافتراءات.
لقد اسس قادة الحروب الجدد بقيادة الصهيونية العالمية ، ما سموه بـ”سياسة توتر الازمات strategy of tensions الذي بني على إستراتيجية و خطة الفوضى الخلاقة ، و هي فوضى خلاقة لصالحهم طبعا( .لاحظ ردود افعال سياسي الغرب جراء تلون سياسة اردوغان هذه الايام .)
و تباين التصريحات و المقالات وحتى العلاقات من قبل كبار سياسي الغرب ، لاحظ كيف تتغير، وتتلون و تتبدل ،و حتى تتعاكس . لكن هذه السياسات لها مفعول و تأثير على سياسي العراق ، صغارا وكبارا، و حتى على بسطاء التفكير ذوي الفهم الأحادي المحدود .يغريهم و يبهرهم بريق هذه السياسات حتى و ان يصعب عليهم فهمها . يغريهم حتى هذا التفاوت المبهم فيتصورنه على انه احد الاسرار التي منحها الله لهم دون غيرهم ، خبرة لهم وحدهم حتى و ان كانت غير واضحة .
الا ان هذه التجارة او البضاعة تتوسع و تنتشر و يعاد نشرها و يتبناها كثيرون ، من المنتمين ” مؤخرا “، كل هذا ياخذهم بعيدا عن الحس الوطني ، الحس الذي يتغنى به الكل حتى مقتدى الصدر .
فتحتار الاكثرية الصامتة بين هذه التباينات و التقلبات و الانتماءات ، ويبتعد عنهم اي امل في الاصلاح او في تحسن الاوضاع من باب اذا كان كل المجتمع هكذا جاهل .
فخلال اسبوع واحد فقط استجوب وزير الدفاع فاتهم قمة رئاسة البرلمان ، و دعي رئيس البرلمان بعد ان سحبت عنه الحصانة النيابية ، استدعي الى النزاهة ثم استجوب عند القضاء الاعلى و اخلي سبيله خلال جلسة واحدة ، ثم سحبت الثقة عن وزير الدفاع و العراق في حرب مع الارهاب . و كأن اصطفاف الناس و انتماءاتهم لم تتغير و كأن الامر لعبة كبار لا يجوز للصغار المشاركة فيها . ثم تتحول الانظار و بقدرة قادر الى ملاحقة الشرفاء و المخلصين العراقيين على قلتهم .
و هناك من اوكلت له مهمة معينة لا يجوز ان يحيد عنها . مثلا السيد كاظم حبيب مازال يكيل التهم الى السيد نوري المالكي ، وحتى بعد ان جرد المالكي من وظائفه و حقوقه و بلع الموس و قبل بالمقسوم، بينما يسكت عن تجاوزات السيد مسعود بارزاني الكبيرة والكثيرة ضد الشعب العراقي والشعب الكردستاني خوفاً من أن يقطع عنه راتبه التقاعدي.
في اعتقادي المتواضع “جدا” ان الشعب العراقي يعاني من وعاظ السلاطين و المنتمين الجدد و من المنحازين و من أصحاب الأقلام للإيجار، و موزعي التهم و الحاقدين ممن فاتهم الوقت و القطار . و من اذناب الاحزاب و الكتل و الائتلافات . مثلما يعاني من الارهاب و السلفية و من المحاصصة البغيضة و من الشراكات الوطنية سيئة الصيت . هذه حالة تحتاج الى علماء اجتماع و محللين نفسيين لدراستها و تقييمها ثم تقويمها. فمجموع الشعب العراقي جيد و واعي و صامد لكنه صامت كاكثرية صامتة، و كأي اكثرية تتخوف من بطش الاوباش و شراسة الوحوش المنتمية ظاهريا ، لان هؤلاء بما يقولون و يصنعون ويبشرون ، يحتاجون كل هذا النفاق لاثبات ولائهم لسادتهم و لقادتهم و لدافعي رواتبهم ، فيؤلفون الاتهامات و يوسعون الشكوك و ينشرون الاقاويل ، بضاعتهم الرابحة الوحيدة .
ثم مازلنا نطالع كتابات عن مواضيع كان عليها ان تتغير و لا تعيد نفسها . مثلا ، عن ابعاد الدين عن السلطة و الاستشهاد بما حصل في اوربا في القرون الوسطى .لم يكن الخلاف بين احزاب دينية و احزاب علمانية ان ذاك ، هذا خلط للحقائق .لقد كان الخلاف في القرون الوسطى بين سيطرة و غطرسة الكنيسة و بين ظهور و بداية النهضة الثقافية الاوربية و لم يكن بين احزاب علمانية و احزاب دينية .
كتب لي صديق عزيز ينتقدني لاني اسمي و اتهم اشخاص باسمائهم ، و اشار علي ان اكتب عن المحاصصة و الشراكة الوطنية و عن الفساد الاداري . حسننا ، اليس هؤلاء هم ارباب و ملوك المحاصصة والفساد الاداري. فاذا لا نسميهم و نبقي ننفخ السطل ، كيف إذا يتشجع الناس فيرفضونهم ؟ انا اكتب انطلاًقاً عن مثل بريطاني عن الفساد ، فحواه ، “سمي و اخزي” ( name and shame ) .

اترك تعليقاً