السيمر / الأربعاء 14 . 09 . 2016
د . محمد جواد ظريف *
تشهد شركات العلاقات العامة والدعاية التي لا تتورع عن تلقي أموال البترودولار طفرة. أحدث مشاريعها كان إقناعنا بأن “جبهة النصرة”، فرع القاعدة في سوريا، لم تعد كذلك، كما قال المتحدث باسم النصرة لـ”سي ان ان” بأن الجماعة المتمردة التي غيرت اسمها والمفترض أنها انفصلت عن تنظيمها الأم، باتت “معتدلة”.
إن هذا الأمر بمثابة الترويج لتعصب العصور المظلمة على أنه الرؤية المشرقة للقرن الواحد والعشرين. إن مشكلة الزبائن الأغنياء للشركات هذه والذين هم في كثير من الأحيان سعوديون من الذين بذخوا في تمويل النصرة، تكمن في أن الدليل على سياساتهم المدمرة غير قابل للتزييف. وإذا كان الشك يساور أياً كان، فإن صور مقطع الفيديو لـ”معتدلين” آخرين وهم يذبحون فتى في الثانية عشر من عمر كانت دليلاً على هذا الواقع المرعب.
منذ الاعتداءات الإرهابية في 11 أيلول/ سبتمبر 2001 بدّلت الوهابية المتشددة العديد من الأقنعة سواء من خلال طالبان أو الكيانات المختلفة التي جسدت القاعدة أو ما يسمى “الدولة الإسلامية” التي ليست بإسلامية ولا بدولة، إلا أن الإيديولوجيا بقيت نفسها. لكن الملايين من الناس الذين يشاهدون وحشية “جبهة النصرة” لا ينطلي عليهم وهم الانفصال هذا. إن المحاولات السابقة للتمويه تشير إلى الهدف الحقيقي منه وهو تحويل تدفق أموال البترودولار السري للجماعات الإرهابية في سوريا إلى علني وحتى إغراء الحكومات الغربية بدعم هؤلاء “المعتدلين”. إن حقيقة أن النصرة لا تزال تسيطر على تحالف الفصائل المتمردة في حلب تفند ما تحاول هذه الشركات ترويجه.
إن جهود السعودية لإقناع رعاتها الغربيين بتكتيكاتها قصيرة النظر تستند إلى فرضية خاطئة بأن إغراق العالم العربي بمزيد من الفوضى سيضر إلى حد ما بإيران. إن المفاهيم الخيالية بأن عدم الاستقرار في المنطقة سيساعد على احتواء إيران وأن التنافس بين المسلمين السنة والشيعة يغذي الصراعات تتناقض مع حقيقة أن أسوأ أعمال العنف في المنطقة ناجم عن الوهابية التي تحارب إخواننا العرب وتقتل إخواننا السنة.
فيما استهدف هؤلاء المتطرفون المدعومون من رعاتهم الأغنياء، المسيحيين واليهود والإيزيديين والشيعة وغيرهم من المذاهب، فإن أكثر من حاصرتهم عقيدة تصدير الكراهية هذه هم العرب السنة.
في الواقع ليس الصراع الطائفي القديم بين السنة والشيعة هو الذي ستكون له عواقب وخيمة على المنطقة وخارجها بل الصراع بين الوهابية والتيار الإسلامي.
في حين حرّك الغزو الأميركي للعراق في 2003 القتال الذي نشهده اليوم، فإن المحرك الرئيسي لهذا العنف لطالما كان الإيديولوجيا المتطرفة التي روجت لها السعودية، بالرغم من أن الغرب لم يرها إلى حين حصول مأساة 11 أيلول/ سبتمبر.
إن الأمراء في العاصمة السعودية الرياض، حاولوا يائسين إحياء الوضع الذي كان قائماً أيام حكم صدام حسين في العراق، حين قام مستبد قمعي انتزع الثورة والدعم المادي من العرب والغرب الساذج، بمواجهة ما يسمى “التهديد الإيراني”. المشكلة الوحيدة اليوم هي أن صدام حسين مات منذ وقت طويل ولا يمكن إعادة عقاب الساعة إلى الوراء.
كلما تصالح حكام السعودية مع هذا الواقع سريعاً كلما كان هذا فضل للجميع. إن الحقائق الجديدة في منطقتنا يمكن أن تستوعب حتى الرياض لكن على السعوديين أن يغيروا أسلوبهم.
ماذا يعني التغيير؟ خلال العقود الثلاثة الماضية أنفقت السعودية عشرات مليارات الدولارات لتصدير الوهابية إلى العالم من خلال مئات المساجد والمدارس الدينية.
من آسيا إلى أفريقيا، من أوروبا إلى الأميركيتين، تسبب هذا الانحراف في الدين بالكثير من الضرر. كما قال متطرف سابق في كوسوفو لصحيفة “التايمز″ فإن “السعوديين غيروا الإسلام بشكل كامل هنا بواسطة أموالهم”.
على الرغم من أنها لم تجذب سوى نسبة قليلة من المسلمين إلا أن تأثير الوهابية كان مدمراً. إذ إنها شكلت مصدر إلهام لكل مجموعة إرهابية تقريباً تسيء إلى الإسلام، من القاعدة إلى فروعها في سوريا وصولاً إلى بوكو حرام في نيجيريا.
حتى الآن نجح السعوديون في جر حلفائهم نحو هذه الحماقة سواء في سوريا أو اليمن من خلال اللعب على “ورقة إيران”. هذا الأمر سيتغير بالتأكيد حين يتنامى الإدراك بأن رعاية الرياض المستمرة للتطرف تتناقض مع مطالبتها بأن تكون قوة استقرار في المنطقة.
إن العالم لا يمكنه أن يقف متفرجاً فيما الوهابية تستهدف ليس فقط المسيحيين واليهود والشيعة بل السنة أيضاً. مع غرق جزء كبير من الشرق الأوسط في الفوضى فإن هناك خطراً بالغاً بأن يتضرر ما تبقى من جيوب مستقرة جراء هذا الصدام بين الوهابية والتيار السني.
هناك حاجة لعمل منسق داخل الأمم المتحدة لقطع التمويل عن الايديولوجيات التي تحرض على الكراهية والتطرف، ولإرادة من قبل المجتمع الدولي للتحقيق في القنوات التي تغذي هذه الجماعات بالمال والسلاح. في 2013 اقترح الرئيس الإيراني حسن روحاني مبادرة بعنوان “عالم مناهض للعنف والتطرف”. على الأمم المتحدة أن تبني على هذه الإطار في تعزيز المزيد من الحوار بين الأديان والطوائف المختلفة من أجل مواجهة هذا التعصب الخطير الأشبه بالعصور الوسطى.
إن الهجمات في نيس وباريس وبروكسل يجب أن تقنع الغرب بأنه لا يمكن تجاهل تهديد الوهابية السام. بعد عام من الأخبار المأساوية التي تكررت أسبوعياً، على المجتمع الدولي أن يقوم بما هو أكثر من التعبير عن الغضب والأسف والعزاء. هناك حاجة إلى تحرك ملموس ضد التطرف.
بالرغم من أن الكثير من أعمال العنف التي ترتكب باسم الإسلام تعزى للوهابية إلا أنني لا أشير بأي حال من الأحوال إلى أن السعودية لا يمكن أن تكون جزءاً من الحل. على العكس من ذلك. نحن ندعو الحكام السعوديين لوضع خطاب اللوم والخوف جانباً والتكاتف مع بقية المجتمع الدولي من أجل القضاء على آفة الإرهاب والعنف التي تهددنا جميعاً.
* وزير الخارجية الايراني