السيمر / الثلاثاء 20 . 09 . 2016
د. ماجد احمد الزاملي
أكثـر مـا يواجـه المجتمعـات خطـورة هـو التطـرف الدينـي والتعصـب القومـي حتـى في المجتمعـات غيـر المتنوعـة قوميـا ً، وبمــا أن العــراق هــو دولــة متعــددة القوميــات وألاديــان والمذاهــب لــذا يــبرز التطــرف والتعصــب الدينــي والقومــي كعنـاصـر تهــدد وحــدة المجتمــع إذا مــا اســتغل لهــذا الغــرض. وهـذا يسـتلزم اتخـاذ التدابـر اللازمـة لمواجهـة ألافـكار المتطرفـة والمنحرفـة التـي تمـلأ عقـول أتبـاع الارهـاب، وتعريـة الدوافـع ألايديولوجيـة التـي يعتقـد المتطرفـون بأنهـا تـبرر اللجـوء لاعمـال العنـف وكشـف زيفهـا وبطلانهـا. وعـلى الجامعـات والمراكـز الفكريـة والثقافيـة ومنظمــات المجتمــع المدنــي أن تأخــذ دورهــا في مجــال التوعيــة بمخاطــر التعصــب الدينــي والقومــي وترســيخ روح المواطنــة عنـد أفـراد المجتمع. وبشــكل عــام يمكــن القــول ان عوامــل مثــل البطالــة وانتشــار الفقــر ، والعيــش عـلـى هامــش الحيــاة في ظــل وجــود فـوارق طبقيـة كبـيرة ، وسـيادة القيـم المؤديـة ، مـن شـأنها صناعـة بـؤر للتوتـر ، وزراعـة ألاحقـاد بـين فئـات المجتمـع… وعلـى وفـق هـذا التصـور ثمـة علاقـة تبادليـة بـين ظـروف الحيـاة القاسـية والبائسـة ونزعـة الانخـراط في جماعـات تتبنـى العنـف ضــد المجتمــع وتمارســه ، ثمــة علاقــة تبادليــة بيــن البطالــة وبـيـن توظيــف تلــك الكــوادر للانخــراط في مشروعــات ارهابيــة ، كذلك العلاقـة بـين القهـر وانعـدام فـرص التعبيـر والتغييـر السـلمي وبيـن اللجـوء إلى الخنـادق التـي تخـرج منها أفـكار ً يسـتثمرها الارهاب ، للتدميـر والقتـل وتفجيـر المجتمعـات ، ومـن الواضـح ان كل تلـك العلائـق تخلـق بيئـة مناسـبة جـدا ً بمـا هـو أهـم ولمـن يوظفهـا لاهـداف غيـر مشروعـة ، لكـن الفقـر ليس هو الوحيد الذي ينتـج العنـف وإلارهـاب لوحـده ، مـا لـم يكـن مؤطـرا ً ، بعوامـل القهـر الاجتماعـي وفقـدان ً المساواة في الفرص وبالتالي عدم الشعور بالامان. ان معطيـات الواقـع تفـرض علينـا ضرورة الانتبـاه إلى خطـر البطالـة و الفقـر ، لانهـا بمثابـة قنابـل اجتماعيـة موقوتـة تنتظــر محفــزات لانفجارهــا ، وقــد يتــم اســتغلال مثــل هــذه الظواهــر لصناعــة الارهــاب بمختلــف صــوره وأشــكاله ، ولــما كانـت سياسـات المسـكنات الاقتصاديـة التـي تتبعهـا بعـض الـدول ترجـئ هـذه الانفجـارات ، فإنهـا لـن تمنعهـا مـا لـم يتـم التعامـل مـع هـذه التحديـات بطريقـة جذريـة ، ومـن الواضـح ان الامـر بحاجـة الى اسـراتيجية فعالـة لمحاربـة البطالـة و الفقــر تســتند بالاســاس الى منظــور مجتمعــي شــامل ومتكامــل ,جهــد متعــدد الاهتمامــات ، مــع ضرورة اعتمــاد التخطيــط الوقائـي لمكافحـة مثـل هـذه الظواهـر بمـا في ذلـك تخميـن المتطلبـات الحـاضرة والمسـتقبلية في هـذا المجـال . عــلى لجنــة مكافحــة الارهــاب في الامــم المتحــدة تفعيــل عملهــا مــن تقديــم الدعــم التقنــي والفنــي والتدريــب ,وبنــاء قــدرات المؤسسـات المعنيـة بمكافحـة الارهـاب في المنطقـة العربيـة وبخاصـة في العـراق الـذي يواجـه منـذ سـنوات عـدة تحديـات أمنيـة واسـعة النطـاق ، كمـا ان عليهـا تحمـل مسـؤوليتها تجـاه الانسـان في المنطقـة العربيـة والعـراق، وتجـاوز دورهـا المجاملاتي اتجـاه السياسـات الدوليـة الداعمـة للارهـاب ومصـادر تمويلـه وتدريبـه وايـواء خلاياه ، وتطويـر مواقفهـا مـن الاقتصـار عـلى الشــجب والاســتنكار والرفــض في البيانــات الرنانــة الى آليــات عمــل فعالــة وسريعــة وعميقــة تتضــح مخرجاتهــا واثارهــا عــلى الانسـان اكثـر ممـا يتداولـه العـالم الخيـر ، ذلـك ان الارهـاب فعـل اجرامـي بـكل المقاييـس والاطـر واصبح يتحـول بوضـوح الى حـرب ابـادة جماعيـة وزعزعـة ايمـان الانسـان بآليـة السـلم ، وبـدون التعـاون والتشـارك الحقيقـي المخلـص مـن قبـل الامـم المتحــدة ســيتحول المجتمــع الانســاني الى فوضى تعتنــق مبــدأ مواجهــة الارهــاب بالارهــاب وليس بالقانون . و المجرم الذي يحركه باعث سياسي أو عقائدي يسعى الى تحقيق هدف سياسي أو عقائدي بوسائل غير قانونية بسبب عدم توفر وسائل قانونية فعالة لتحقيق هدفه بوسائل سلمية أو انه يرفض كلياً أو جزئياً النظام القانوني أو الأيديولوجي الذي يعمل في ظله، الأمر الذي يعني من ناحية علم الإجرام أن يدّعى مجرموا هذه الفئة أنهم يعملون دفاعاً عن النفس مضطرين أو مجبرين. فالفاعل إما أنه ضحية لنظام ما أو يدافع عن نظام ما، ولذلك يصح القول بأن ما هو إرهاب بالنسبة للبعض هو بطولة بالنسبة للبعض الآخر. ليس بمقدور المرء أن يقبل بأن مثل هؤلاء الفاعلين الذين تحركهم بواعث عقائدية (ايديولوجية) ينبغي أن يوضعوا على قدم المساواة التامة قانونياً أو أخلاقياً مع مجرم عادي ينتهك حرمة القانون من أجل بواعث
شخصية أو أنانية، واذا كان على المرء أن يقبــــــل بأن الجريمة التي تدفع إلى ارتكابها بواعث سياسية يجب لسهولة الاستعمال اعتبارها جريمة عادية، فانه يكون من غير المقصود السماح لبعض الدول بأن توسع اختصاصها القضــــــائي. من أجل محاكمة الفاعلين تارة كمجرمين سياسيين عالميين، وتارة أخرى كمجرمين عاديين من أجل ولذات الجريمة. إذن الإرهاب هو أداة أو وسيلة لتحقيق أهداف سياسية، سواء كانت المواجهة داخلية، بين السلطة السياسية وجماعات معارضة لها، أو كانت المواجهة خارجية بين الدول.
لكي يتم القضاء على الإرهاب ينبغي إيجاد آلية دولية تعمل على تعريف الإرهاب ووضع المبادئ والسبل الكفيلة بالقضاء عليه، حيث التمويل والتدريب والممارسة، كما ينبغي أن يتم اتخاذ الإجراءات الرادعة ضد أي دولة تدعم الإرهاب أو تأوي مؤسساته ومنظماته، حيث أن التحرك من جانب واحد أو حتى من جانب ثنائي لا يكفي لمواجهة خطر هو في طبيعته خطر كوني ومستمر، إلا انه وحتى الوصول إلى صيغة دولية لتعريف الإرهاب وإجماع دولي لمكافحته فانه يتوجب على الدول العربية اتخاذ إجراءات عملية في سبيل التقليل من خطورة هذه الظاهرة والقضاء عليها، ومن هذه الإجراءات تنفيذ توصيات الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، والتي تم الاتفاق عليها في دورة خاصة عقدت لهذا الشأن بين وزراء الداخلية العرب ووزراء العدل العرب والتي عقدت في القاهرة عام 1998، وان يتم التنفيذ بإيمان واقتناع، ونقلها من الحيز النظري إلى الحيز العملي كفيل بالتقليل إلى أدنى حد ممكن من العمليات الإرهابية(2). لقد بات الإرهاب على مختلف أشكاله ظاهرة عالمية دائمة في المجتمع الحديث، وهذا يتطلب من الأجهزة الأمنية أن تكون مستعدة تمام الاستعداد وان تقف له بالمرصاد للقضاء عليه.مواجهة الإرهاب تتطلب وضع الخطط التي تدعو إلى توعية المواطنين داخل الوطن وخارجه بمخاطر ومشاكل الإرهاب التي تهدف إلى عزل المجتمعات العربية عن العالم، وكذلك تبصير الرأي العام العربي من خلال مواد إعلامية مسموعة ومقروءة ومرئية، بمسئوليته نحو حماية الأجيال الناشئة من السقوط في براثن الإرهاب، وضرورة وضع خطة توعية دينية لتقديم الدين في صورته الصحيحة السمحة بعيدا عن روح التعصب، وتكثيف البرامج الإعلامية التي تبرز خطورة الإرهاب على الدولة والمجتمع وفي جميع نواحي الحياة، وحتى تكون محاربة الإرهاب اكثر جدوى ينبغي أن تتم مكافحة الإرهاب على كافة المستويات الدولية وذلك من خلال التعاون العربي والتعاون الدولي، وينبغي التمييز ما بين الإرهاب والنضال المشروع للشعوب من اجل تقرير المصير والتحرر الوطني من كل أشكال الاحتلال والاستعمار والتمييز العنصري.اتسعت دائرة العنف ويشهد مسرح الأحداث الدولية العديد من النشاطات الإرهابية التي تتجاوز آثارها حدود الدولة الواحدة إلى عدة دول مكتسبة بذلك طابعا عالميا مما يجعل منها جريمة ضد النظام الدولي ومصالح الشعوب الحيوية وأمن وسلام البشرية، وعليه فإن عملية مكافحة الإرهاب لا يكفي أن يتم إعداد الوحدات المختصة والأسلحة الحديثة لمحاربتها، وإنما تحتاج إلى دراسة طبيعة الإرهابيين والدوافع التي دعتهم إلى سلوك هذا الطريق، فقد يكون هناك خلل ما في العلاقات الدولية أو النظم الاجتماعية والاقتصادية في كثير من دول العالم، مما دفع بعض هؤلاء إلى الخروج على النظام الدولي والمجتمع الدولي.
* المادة من كتاب للكاتب بعنوان (السياسة الجنائية وغير الجنائية لمكافحة الارهاب وضمانات حقوق الانسان) وهو تحت الطبع