السيمر / الأربعاء 21 . 09 . 2016
معمر حبار / الجزائر
كلما زار صاحب الأسطر الباهية البهية وهران ، إلا وألهمته بمقال يستحضر ماعاشه ، ويذكّر به غيره..
كانت الزيارة هذه المرة لأجل العودة النهائية بأكبر الأبناء وليد من الإقامة الجامعية المتطوع بوهران.
أخذنا قسطا من الراحة رفقة أم الأولاد وأصغر الأبناء أكرم وملاك، حيث تناولت العائلة الفطور ثم القهوة رفقة زميل الغرفة لؤي.
كانت لي وجهة واحدة ووحيدة أحببت أن أصل إليها وهي المسجد الكبير ابن باديس، فركبنا القطار الكهربائي المتجه من محطة الإقامة الجامعية المتطوع.
القطار الكهربائي ينظم الطريق حين يقسمها إلى قسمين ويجعلها في إتجاه واحد، ويجنبها فوضى المسير وكارثة الاكتظاظ والانتظار. فهو يمثل ثقافة إحترام الوقت، والانتظام، وآداب الصعود والنزول.
أثناء الذهاب ركب رجل مقعد في الكرسي المتحرك رفقة زوجته كما يبدو، وفي العودة ركبت بنت صغيرة مقعدة في الكرسي المتحرك رفقة أمها كما يبدو. أقول لعائلتي..
إحمدوا الله على نعمة العافية والصحة التي رزقتموها، وإسألوا الله أن يديم على عباده مايقربهم إليه ويديم طاعتهم له، بفضل ما رزقهم ووهبهم .
نحن الآن في محطة المسجد الكبير ابن باديس. مساحة كبيرة جدا يتربع عليها المسجد، وصومعة تعانق السماء في عليائها وشموخها، وبجوار المسجد الكبير مقر السونطراك. فالجزائر التي تنعم بخيرات باطن الأرض، هي نفسها التي تتشكر ربها عبر المآذن والمنابر.
تتقدم العائلة لدخول المسجد، إذ بمجموعة من الأطفال الصغار تتقدمهم معلمتهم ويخرجون من المسجد بعد إنتهائهم من الزيارة . ومن الملاحظات التي إسترعت الانتباه..
طفل يحمل علم المملكة السعودية ويلبس لباسهم مثله في ذلك مثل بعض زملائه الذين يلبسون لباس المملكة. أقول للمعلمة: هل هؤلاء أطفال المملكة العربية السعودية؟. تجيب: لا، إنهم جزائريون. أسأل: ولماذا يحمل علم المملكة؟. تجيب: علم المملكة السعودية يمثل الإسلام. حينها لم أتمالك نفسي، وأرفع من نبرة صوتي، قائلا.. وهل علم الجزائر يحمل الكفر !؟، إنه يمثل الفطرة في أسمى معانيها، شأنه في ذلك شأن جميع أعلام الدول العربية.
لسنا ضد أن يحمل المرء علم دولة أخرى أو يلبس لباس دولة أخرى، فهذا متداول بين المجتمعات والدول في المناسبات الخاصة وفي غير المناسبات. لكن مالا يمكن قبوله أن يتخلى المرء عن رموز مجتمعه كالعلم واللباس، ويتشبث برموز مجتمعات أخرى، بزعم أنها أكثر تدينا وأقرب إلى الله من مجتمعه ورموزه.
واصلت العائلة زيارة المسجد.. نظافة تعم أرجاء المسجد، وساحة كبيرة نظيفة إمتازت بكون بلاطها المميز غير متماسك بالإسمنت عمدا. وحين سألت القائمين على المسجد، أخبروني أنها طريقة عصرية حتى لا تتراكم مياه الأمطار ومياه الغسل والتنظيف فتكون بركا وأوساخا. وفعلا رغم كبر مساحة المسجد إلا أنها نظيفة جدا.
الداخل للمسجد يضع حذاءه في الرف المخصص للأحذية، بحيث وزعت الرفوف العديدة المتناثرة عبر المسجد بشكل فردي، أي كل حذاء في المساحة المخصصة له. ما يساعد على النظام والانتظام ويجنب رواد المسجد الفوضى المعهودة ، والتي ما زالت إلى اليوم بسبب فوضى وضع الأحذية.
دورات المياه في الأسفل ، إمتازت بوفرة المياه ونظافة المكان وسهولة الدخول إليها. عدد من عمال النظافة والأمن يوجهون ويراقبون الداخل والخارج. ومساحة المسجد الكبيرة، تحتاج بدورها إلى عدد كبير ومؤهل من العمال وكل في تخصصه، ويتطلب أيضا حرصا من رواد المسجد على النظافة ، والأمن، والانتظام، فالمساجد بروادها.
صليت الظهر والعصر قصرا داخل المسجد.. فراش جديد جميل، ورائحة زكية، وأضواء كثيرة، ومنبر بني بالرخام يحتوي على درج كما هو معهود لدى المساجد الجزائرية التي ما زالت محافظة على أصالتها ، ومحراب صغير جميل، وكرسي لإلقاء الدروس، ورفوف صغيرة متناثرة عبر زوايا المسجد تحمل مصاحف القرآن الكريم، تفقدت عددا لابأس به من الرفوف، فوجدت كل المصاحف بقراءة سيّدنا ورش عن نافع، وهذه ميزة تحمد للقائمين على المسجد الكبير. توسط المسجد مصباح ضخم جدا زاد المسجد جمالا وبهاء.
إنتهت زيارة المسجد الكبير ابن باديس بالبهية الباهية وهران، دخلنا بعدها للمكتبة في الحوانيت التابعة للمسجد. وكانت مكتبة عامرة بالجديد، وقد نخصص لها زيارة خاصة حين تتاح الفرصة.
رجعت العائلة عبر نفس القطار الكهربائي، حيث أنهيت قراءة كتاب “الدجاجة الحمراء” الذي إشتريته لملاك وشمس الدين، وحين لاحظا سهولة سرعة القراءة وقد تعمدت ذلك، طلبا مني أن أمرر القصة لكل منهما . وفعلا أنهيا قراءة الكتاب ونحن في القطار، وهذا الذي كنت أرمي إليه والحمد لله على نعمة القراءة.
أخذنا السيارة التي تركتها في الساحة الخارجية للإقامة المتطوع بجامعة وهران، سائلين المولى أن يحفظ الباهية البهية وهران.