الرئيسية / مقالات / بموجب الأحكام الفقهية يحق له أن يغضب ولا يحق لها أن تتكلم

بموجب الأحكام الفقهية يحق له أن يغضب ولا يحق لها أن تتكلم

السيمر / الثلاثاء 25 . 10 . 2016

صالح الطائي

لا خلاف أن الإسلام جاء لنصرة الإنسان دون النظر إلى جنسه أو أصله أو لونه أو قوميته أو لغته، ولا خلاف أن الإسلام دافع عن حقوق الإنسان المصان، حتى دون النظر إلى علاقته به، بل لمجرد كونه إنسان.
ومن جهة أخرى لا تجد في كتاب الله آية أو بعض آية، تفضل الرجال على النساء تفضيلا مطلقا، نعم تجد نوعا من التفضيل الجزئي الذي فرضته طبيعة المجتمع وطبيعة الدعوة نفسها، وهذا ما يعرف بعلاقة النص بالزمان والمكان الذي تناولته بالبحث نظرية تعدد القراءات، فلبعض هذا التفضيل حدوده التاريخية؛ التي انتهى بها مع انتهاء عصر البعثة، حتى موضوع الإرث الذي يتخذه البعض ذريعة ليتهم الإسلام أنه ظلم المرأة، والذي يبدو في بعض جوانبه؛ وقد فضل المرأة على الرجل وأعطاها أكثر مما أعطاه، ومع ذلك، يخضع اليوم إلى قاعدة إعادة القراءة في ظل القوانين الوضعية السارية.
عموما تجد في القرآن ومنظومة الحديث أن الإسلام هو الذي أوقف مشروع الاستهانة بالمرأة عن العمل، بعد أن كانت المرأة كما يذكر (ول ديورانت) في قصة الحضارة مجرد سلعة، وأداة متعة، ووعاء إنجاب، ومخلوقا من الدرجة الثانية في جميع الحضارات والعقائد التي سبقت الإسلام، وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها، ولكنها تتعرض أحيانا إلى المضايقة بسبب اصطدامها بحقائق أخرى، فشت بين الناس في المجتمع الإسلامي بعد أن نسبوها إلى رسول الله(ص) مدعين أنه وضع قواعدها، ومن ذلك على سبيل المثل ترديدهم حديثا منسوبا إلى النبي(ص) يقول: “من باتت وزوجها غضبان عليها. باتت والملائكة تلعنها”.
فالمرأة وفق هذه الرؤية مأمورة بطاعة زوجها، وإشباع رغباته الجنسية حتى إن لم تكن مستعدة لذلك، لدرجة أنها يجب أن تجيب زوجها على طلبه هذا مهما كانت حالتها الجسدية والنفسية، ومهما كانت قذارة العمل الذي تقوم به، في الأقل، هذا ما يتضح من حديث طَلْق بن علي ، أن الرسول(ص) قال: “إذا الرجل دعا زوجته لحاجته[يعني إلى الجنس]، فلتأته وإن كانت على التنور”. وهو حديث حسنَّه بعض المحدثين باعتبار أن حديثا آخر يشهد له!
وهذا الحديث من سنخ حديث آخر أشمئز كثيرا حينما أقرأه لأن فيه استهانة برسول الله(ص)، وهو عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله (ص) رأى امرأة[فأطال النظر إليها، فاشتهاها]، فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها، فقضى حاجته، ثم خرج إلى أصحابه، فقال “إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة، فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه”(1).
وقبل كل شيء لابد وأن نعرف أن الرؤية الخاطفة لا يمكن أن تولد شعور التوتر والتحسس عند الرجل، فالتوتر وليد طول النظر والتمعن والتدقيق المقرون بخيال عن صور اللقاء الجسدي، ومعنى هذا أن النبي(ص) أطال النظر إلى تلك المرأة لكي تثيره بهذا الشكل! وهذا مخالف لحقيقة النبي الأكرم ومنزلته، ومخالف لعشرات الآيات ومنها قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}(2) النور:30
ومخالف لعشرات الأحاديث النبوية والأحكام الفقهية التي تمنع إطالة النظر إلى المرأة الغريبة، ومنه عن جرير بن عبد الله، قال: سألت النبي(ص) عن نظرة الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري”(3) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وحديث: “يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة” (4).
بينما يتبين من ذاك الحديث أن رسول الله(ص) رأى امرأة جميلة، فأطال النظر إليها حتى اشتهاها لأنها وقعت في قلبه؛ بعد أن أثارت غرائزه الحيوانية!! يؤيد ذلك حديث آخر عن ابن الزبير، عن جابر، قال: سمعت النبي يقول: “إذا أحدكم أعجبته المرأة، فوقعت في قلبه، فليعمد إلى امرأته فليواقعها، فإن ذلك يرد ما في نفسه”(2). ولكن النبي لم يقربها، بل تركها وذهب إلى إحدى زوجاته وهي زينب، فوجدها (تمعس منيئة لها) أي تدبغ أو تنظف جلد شاة مذبوحة، أي تفوح منها رائحة القرف والقذارة، ومع ذلك، وطأها؛ وهي بهذه الحال المزرية، لمجرد أن يُذهِب شهوته وتوتره من رؤية تلك المرأة التي سلبت لبه.
الغريب أن النبي(ص) لم يكتف بهذا الفعل الغريب، وإنما خرج، وقص القصة بحذافيرها على أصحابه، بما في ذلك ما فعله بزوجته زينب، في وقت تجد له الكثير من الأحاديث التي تنهى عن التحدث في أمور العلاقة بين الزوجين، منها عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله(ص): “إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها”. وعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله؛ والرجال والنساء قعود عنده، فقال: “لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها “. فأرم القوم [يعنى سكتوا ولم يجيبوا] فقلت: إي والله يا رسول الله إنهن ليقلن، وإنهم ليفعلون. قال: “فلا تفعلوا، فإنما ذلك مثلا الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون”. وهذا يعني في أبسط معانيه أن هناك حدودا يجب أن يقف عندها الرجل العادي ولا يتجاوزها، فهل من المعقول أن يأتي النبي(ص) بمثلها؟.
وفي العودة إلى الحديث الأول، حديث غضب الرجل على المرأة إذا لم تجب طلبه الجنسي، نجد المفسرين قد شرقوا وغربوا في تناولهم الحديث فمرة ينسبونه إلى طلب العلاقة الجنسية وحدها، دونا عن الطلبات الأخرى. في الأقل هذا ما يبدو من نسخة الحديث التي أخرجها البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: “إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح”. وهو حديث حدد سبب الغضب بالدعوة إلى الجنس وحده،وحدد وقت الغضب الذي يرافقه اللعن إلى صباح اليوم التالي فحسب. بمعنى أن المرأة التي لا تجيب زوجها إلى الفراش، فتغضبه، تُطرد من رحمة الله إلى صباح اليوم التالي، حتى وإن كانت قائمة في محرابها تصلي، وهو نائم مرتاح! وهذا ما دل عليه ما أورده الطبراني من حديث ابن عمر: “اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما: عبد آبق، وامرأة غضب زوجها حتى ترجع” وهذا الحديث صححه الحاكم”(3). وقد قال النووي عن هذا الحديث: “ومعنى الحديث: أن اللعنة تستمر عليها حتى تزول المعصية بطلوع الفجر، والاستغناء عنها، أو بتوبتها ورجوعها إلى الفراش”(4).
لكننا نجد التحديد الزماني يُلغى في نسخة الحديث التي أخرجها مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أيضا أن النبي (ص) قال: “والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه، إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها، حتى يرضى عنها”. فهذه النسخة من الحديث جعلت الغضب والسخط قائما، يمتد إلى أن يهدي الله الرجل فيرضى عنها، بمعنى أنه لو بقي غضبان عليها عاما كاملا، فإن الملائكة ستبقى تلعنها طوال العام! أو ترضخ هي وترجع عن إصرارها، فتعود إلى رحمة الله! وهذا منتهى الظلم والإجحاف!
هذا التناقض، ووطأة العقاب الذي يُسَلط على المرأة بسبب فعل ممكن أن يستعاض عنه في يوم آخر، أوقع الإفتائيين في تناقضات لا نهاية لها، فبعضهم حدد الغضب برفض الزوجة إطاعة زوجها للذهاب إلى الفراش فحسب، حيث ذهب مركز الفتوى إلى أن الوعيد المذكور خاص بهجر الزوجة فراش زوجها، وامتناعها من إجابته إلى الفراش، أما ما سوى ذلك مما يقع بين الزوجين من مشاكل أخرى، فلم نجد من أدخلها في هذا الوعيد، مع أن طاعة الزوج واجبة في غير معصية الله، وتأثم الزوجة بمخالفته في الأمور التي تجب عليها بمقتضى العقد، أو تعد طاعتها له فيها من المعاشرة بالمعروف(5)
وقالوا في تخريجهم لهذا المعنى: “محل هذا إذا لم يكن لديها عذر شرعي كالصيام الواجب والمرض أو نحو ذلك”، بمعنى أنها لا تعذر من إجابته إن كانت صائمة صوما تطوعيا أو صوم نذر أو غير ذلك! “فإذا كانت المرأة معذورة شرعاً، كأن كانت مريضة لا تطيق الجماع مثلاً، فلا حرج عليها إن لم تجبه إلى ذلك، بل قد يحرم عليها إجابته إلى الجماع أحياناً، كأن دعاها إليه وهي حائض، أو صائمة في صيام واجب أو محرمة بنسك”(6).
وهي أعذار قد نرتضيها باعتبار أنها تبرئ المرأة في بعض المواطن، لكن هناك من أبطل حكم امتناع الحائض والمريضة عن مطاوعة الزوج، فقالوا: “ولكن مما ينبغي التنبه له أن الدعوة إلى الفراش أعم من الجماع، فيجب عليها أن تجيبه للاستمتاع بها بما فوق الإزار إن كانت حائضاً، وبما تطيقه إن كانت مريضة، قال النووي في شرحه لهذا الحديث: فيه دليل على تحريم امتناعها من فراشه لغير عذر شرعي، وليس الحيض بعذر في الامتناع لأن له حقا من الاستمتاع بما فوق الإزار(7)
هناك صنف آخر من الإفتائيين ذهب إلى أن أي غضب تسببه المرأة لزوجها يوجب عليها اللعن، وليس الامتناع عن الفراش وحده، وهذا ما ذهب إليه الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ في قوله: “حديث: (أيما امرأة باتت وزوجها غضبان إلا لعنتها الملائكة) تحذير للمرأة من أن تغضب زوجها، وتسعى في إلحاق الأذى به بغير حق فلا يجوز لها، ينبغي لها أن تساهم في راحة باله، وطمأنينة نفسه، وانشراح صدره، وقرة عينه، يجب أن تكون السكن الوحيد له، الذي يسكن إليها لأنه يقول: (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)؛ فسكنه إليها، اطمئنان لها، وارتياحه بها، أما إذا دخل عليها آذته وأشغلته بكل كلام قبيح، ومطالب يعجز عنها، وفرضيات لا يستطيع القيام بها؛ فهذا تعجيز، وهذا مضايقة، ولا يليق بالمرأة هذا الأمر، ولهذا قال النبي: “وزوجها غاضب عليها إلا لعنتها الملائكة”، لعظم ذنبها، في كون زوجها بات وهو غضبان عليها، في قبح قولها، وسوء تصرفها(8).
ولو بقيت فحوى هذه الأحاديث مقصورة على الأمر الفردي الخاص بالزوج والزوجة لهان الأمر مع ما فيه من شدة وقسوة، فاللعن هو الطرد من رحمة الله، لكنه تحول إلى:
أولا: مصدر لاستقاء واشتقاق القوانين والأحكام الشرعية المجتمعية، ومنه اشتقاقهم قانون “أن منع الحقوق في الأبدان كانت أو في الأموال يوجب سخط الله، إلا أن يتغمدها بعفوه”. وقانون ” جواز لعن العاصي المسلم إذا كان على وجه الإرهاب عليه لئلا يواقع الفعل، فإذا واقعه فإنما يدعى له بالتوبة”.
ثانيا: مصدر للقياس، ومن ذلك:
أن الملائكة تدعو على أهل المعصية ما داموا فيها، وذلك يدل على إنهم يدعون لأهل الطاعة ما داموا فيها.
وفيه دليل على قبول دعاء الملائكة من خير أو شر.
وفيه أن صبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة.
وفيه إشارة إلى ملازمة طاعة الله، والصبر على عبادته جزاء على مراعاته لعبده، حيث لم يترك شيئاً من حقوقه إلا جعل له من يقوم به، حتى جعل ملائكته تلعن من أغضب عبده بمنع شهوة من شهواته(9). جدير بالذكر أن جميع الذين ذهبوا تلك المذاهب الغريبة، استندوا إلى قوله تعالى:{الرجال قوامون على النساء بما فضل اللَّه بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم. فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ اللَّه}(10)
وهنا قد يرى البعض أن الإسلام، ميَّز بين الجنسين، وجعل المرأة عبدا لزوجها لا رأي لها، وحريتها محددة مقيدة، بدلالة مجموعة أحاديث أخرى، منها ما جاء عن أبي هريرة، عن النبي(ص): “لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه”(11) ولا أدري كيف يتفق هذا مع حديث ابن عمر عن النبي (ص) قال: “كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده؛ فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته”.
ومن دلائل عبوديتها ما جاء عن أبي هريرة منسوبا إلى النبي (ص): “لو كنت آمر أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها(12) وهنا يبدو وكأن الإسلام وضع منظومة مجتمعية تسلب المرأة جميع حقوقها، وتحولها إلى أداء الدور التاريخي الذي تحدث عنه ول ديورانت وغيره!
ومن غرائب هذه الإشكالية أن الإسلام العادل الذي ساوى بين البشر رجالا ونساء، لم يلعن الرجل الذي لا يطيع زوجته إذا دعته إلى الفراش، مع أن الذي عندها قد يكون أضعاف ما عند الرجل من الرغبة! وهذا بحد ذاته يؤكد أن الموضوع برمته يحتاج إلى المراجعة وإعادة النظر، فمجرد قول أحد أئمة الحديث عن هذا الحديث أو ذاك: إنه صحيح أو حسن، وأن إسناده صحيح، لا يعني أن الحديث تجاوز مرحلة الاختبار العلمي والعقلي والإيماني، فكل تلك الآراء تسقط عندما يتعارض الحديث مع المشروع الإسلامي النقي، والحديث أولا وآخر مجرد جزئية صغيرة من كلية العقيدة الإسلامية العظمى!.

الهوامش
1.صحيح مسلم، حديث رقم 9/ 1403
2.النور:30
(3) سنن الترمذي، الحديث المرقم 2700، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(4) المصدر نفسه، الحديث المرقم 2701.
(5) المصدر نفسه، حديث رقم 10/ 1403.
(6) فتح الباري، بن حجر، ج9/ص 294.
7.شرح النووي على مسلم، ج10/ص 8.
8.مركز الفتوى السعودي، الفتوى المرقمة 100010.
9.مركز الفتوى، الفتوى المرقمة 71285.
10.شرح النووي على مسلم، ج10 /ص 7- 8.
11.موقع الشيخ، الرابط http://www.mufti.af.org.sa/node/2200.
12.ينظر: موقع إمام المسجد، الرابط http://www.alimam.ws/ref/1731.
13.النساء: 34
14.أخرجه البخاري
15.رواه الترمذي وقال حسن صحيح

اترك تعليقاً