السيمر / الخميس 22 . 12 . 2016
محمد ضياء عيسى العقاب
للدقة، لم ينم الدكتور صالح المطلك ولا رفاقه الطغمويون*، بل نوَّموا أنفسَهم. لماذا؟ سنأتي على ذلك.
المواطنة غيداء لاجئة من الموصل في مخيم الخازر في أطراف أربيل. ألمّت بها أزمة صحية صعبة فأخذتها سيارة الإسعاف قاصدة المستشفى إلا أن السائق تباطأ عن عمد حتى فارقت الحياة.
هذا ما أوردته فضائية (الحرة – عراق) في نشرتها الإخبارية بتأريخ 15/12/2016. طالبت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق بإجراء تحقيق في الموضوع خاصة وأن الأصوات قد تعالت معلنة أن عدداً من المواطنين اللاجئين قد إختفوا من مخيم الخازر هذا.
بالأمس نقلت نفس الفضائية أيضاً عن الوزير السابق والنائب محمد تميم كيلَ الإتهامات لجهات كردية بقتل مواطنين عرب . وقبلها طالب زعيم محمد تميم في إئتلاف العربية أي الدكتور صالح المطلك طالب الحكومة العراقية بالتدخل لوقف حرق بيوت وقرى تابعة للعرب في منطقة كركوك.
بالطبع جاءت هذه المطالبات متأخرة بعد أن بلغ السيل الزبى كما يُقال. لقد حصل هدم قرى وبيوت عربية في مناطق عدة تابعة لديالى وصلاح الدين وكركوك والموصل وقد أشارت منظمة الهيومان رايتس ووج الى بعض ذلك. لقد صُفي قياديون من المكون العربي في كركوك مثل المرحوم خليل الجبوري ولم ترتفع من الطغمويين إلا أصوات ضعيفة متناثرة هنا وهناك مثل صوت النائب عن كركوك خالد المفرجي في 5/9/2015 وهو من الطغمويين كما كان المرحوم منهم أيضاً.
أعود وأسأل: لماذا نوَّم المطلك وكل الطغمويين أنفسهم يوم حصلت كل تلك البشاعات بحق العرب من أعوانهم في تلك المناطق؟
إن هؤلاء الطغمويين لا تهمهم مصالح الناس بل تهمهم مصالحهم الطغموية وعلى رأسها إستعادة سلطتهم، التي فقدوها لصالح صناديق الإقتراع، بأية وسيلة كانت سواءً بالتناغم مع الإرهاب أو بالتخريب من داخل العملية السياسية. لذا فالطغمويون كانوا منشغلين بنسج المؤامرات مع البرزانيين ضد النظام الديمقراطي العراقي بالتنسيق مع حكام تركيا والسعودية وقطر بمباركة أمريكية، وأهملوا هموم المواطنين.
لقد عبَر أثيل النجيفي محافظ نينوى السابق والذي بشُر بقدوم داعش فأصبح مطلوباً للعدالة حالياً – عبّر خيرَ تعبير عن توجهات ومؤامرات المتطرفين من أولئك الطغمويين. لخص النجيفي إستراتيجيته بالتصريح التالي قبل سنتين تقريباً: “إن السنة والكرد بينهما حلف إستراتيجي مذهبياً وحضارياً”. بالطبع كان أثيل النجيفي يشير الى تحالفه مع مسعود البرزاني.
أما المعتدلون من الطغمويين فقد تحدث عنهم النائب السابق السيد عمر الهيجل عندما كان نائباً في الدورة السابقة للبرلمان، في فضائية (الحرة- عراق) / برنامج “بالعراقي” إذ قال: كان الشيعة يلعبون دور بيضة القبان بيننا وبين الكرد ونحن نريد اليوم أن نلعب هذا الدور بين الشيعة والكرد.
إن هذا التحالف والمواقف من جانب المطلك ورفاقه ليست بالجديدة بل هي مواصلة لنهجهم المخرب السابق منذ إنتخابات 1/12/2005 البرلمانية إذ توعد المطلك “الشيعةَ” (يقصد العراق) بتسميم “فوزهم” الإنتخابي في (فضائية العربية) السعودية حيث قال بتأريخ 20/12/2005: “التزوير واضح بدلالة تصريح القائد العسكري الأمريكي الذي قال بوجود تدخل ايراني . كما ان ايران ارسلت بطاقات تصويت للعراق كما نقل لنا أناس عن موضوع التزوير. لذا فنحن سوف لا ندعهم يهنئون بفوزهم” !!!!.
أما في عام 2007 فقد أشغل الرجل نفسه بنصح العراقيين إذا ما أرادوا التخلص من الإرهاب فعليهم “تسليم الحكم لمن يفهموا الشعب العراقي ولهم الخبرة في حكمه ويعطوا الخبز لخبازه”!!! أي أراد الغاء الديمقراطية والعودة الى ممارسة الحديد والنار بخفاء بدل المفخخات والعبوات والهاونات والصواريخ والكواتم المفضوحة.
وتابع إنشغاله بالإعداد لسيناريو ما بعد إنسحاب القوات الأمريكية من العراق إذ أفصح في فضائية “الحرة-عراق” / برنامج “حوار خاص” بتأريخ 28/11/2011 عما كان يجول بخاطره وخاطر أصحابه من خطط واعدادات إذ قال:
“بعد خروج الأمريكان، ستسقط الديمقراطية لأن من صاغها وحماها هم الأمريكيون”.
هل ليّن التقدم في السن والهزائم من عريكة المطلك ورفاقه؟ كلا وألف كلا. ففي تأريخ 12/12/2016 في برنامج “حوار خاص” في فضائية (الحرة – عراق) قال المطلك لسعدون محسن ضمد مهدداً: “أفشلنا حكم الشيعة منذ 2006 وسنفشله إذا لن يلغي الشيعة المادة الدستورية التي تحظر حزب البعث…” قال له ضمد : “هذا تهديد يعاقب عليه القانون” إلا أن صالح لم يكترث!!!
هذا وأكثر يثبت وجهة نظري المثبتة في الهامش حول “الطغموية والطغمويين” والتي نصت على: ” كان وما يزال هذا الإصرار من جانب الطغمويين على إستعادة السلطة هو الجوهر الحقيقي للمسألة العراقية ولم تليّن الهزيمة الإستراتيجية الداعشية من إصرارهم بسبب وجود الدفع والدعم الخارجيين لهم …..إلخ”
أعود الى موضوع التحالفات وبيضة القبان فأقول للدكتور صالح المطلك ولجميع رفاقه الطغمويين:
إلعبوا أي دور تريدون شريطة أن يكون دوراً نظيفاً وطنياً وحريصاً على الإنسان والقيم الإنسانية وأنتم بعيدون كل البعد عن هذه المستلزمات منذ اليوم الأول الذي أشرقت فيه شمس الديمقراطية على العراق أي بعد إنتخابات 1/12/2005 وتتحملون مسؤولية إزهاق أرواح مئات الآلاف من الأبرياء؛ ولا تأمل، يا دكتور صالح، بمزيد من النجاحات في التخريب مستقبلاً بالإستناد الى الإبتزاز كما كان الحال سابقاً فقد خسرتم وذهبت ريحكم وأتوقع أنكم ستجدون عصا القانون الغليظة بانتظاركم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*): الطغموية والطغمويون
الطغمويون هم لملوم من جميع أطياف الشعب العراقي حكموا العراق منذ تأسيسه وفق صيغة تبادل المصالح مع القوى الإمبريالية وبالحديد والنار للإنتفاع الطبقي من ثرواته المادية والمعنوية بذرائع مختلفة منها إدعاء القومية. لقد مارسوا في العهد البعثي سياسة ممنهجة للتطهير العرقي والطائفي فاقترفوا جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب؛ ولم يعد قادراً على إطاحة النظام سوى الله أو أمريكا. وأطاحت به أمريكا لأهدافها الخاصة، وفق المشروع العالمي الذي رسمه المحافظون الجدد للهيمنة على العالم، ولكنها ساعدت على تأسيس النظام الديمقراطي الذي جعله السيستاني نظاماً ديمقراطياً حقيقياً عراقياً لا شكلياً، ومن ثم أخرج العراقيون قواتها، أمريكا، واستعاد العراق استقلاله وسيادته في 1/1/2012. غير أن الأمريكيين ركبوا حصان داعش الذي أوجده الطغمويون وحكام تركيا والسعودية وقطر بإيحاء من أمريكا نفسها، ودخلوا العراق من الشباك.
بعد سقوط نظامهم في عام 2003 أجج الطغمويون الطائفية بأعلى وتيرة، بعد أن كانت مبرقعة مبطنة منذ تأسيس الدولة العراقية، وذلك لشق صفوف الشعب والمحافظة على ولاء أعوانهم ودفعهم الى عرقلة بناء العراق الديمقراطي الجديد عبر الإرهاب والتخريب من داخل العملية السياسية إصطفافاً وتنفيذاً للمشروع الطائفي السعودي الوهابي المطروح على نطاق المنطقة والعالم لدرء خطر الديمقراطية الزاحفة على النظام في المملكة من الجار الشرقي ودرء خطر الإحراج الذي سببته إيران للمملكة بعد أن كشفت، إيران، تآمرهم على القضية الفلسطينية حينما مدت المقاومتين الفلسطينية واللبنانية بالسلاح بينما إقتصر الدعم السعودي على المال المسموم ثم إنحدرت الى مستوى التآمر لتصفية القضية الفلسطينية وتآمرت على التضامن العربي.
وقد انتفع الامريكيون من اثارة الطائفية في العراق بقدر كبير جداً وكفاءة عالية مستخدمين الطغمويين أنفسهم في هذا المجال كأدوات طيعة لإضعاف العراق الجديد وتشويه الديمقراطية والإستهانة بها وتحويله، العراق، الى دولة فاشلة؛ وربما كان الأمريكيون هم المحرضين على تأجيجها وذلك من أجل تنفيذ مشروع المحافظين الجدد الحقيقي وهو الهيمنة على منابع البترول في العالم للي أذرع جميع الدول المؤثرة عالمياً للقبول بنتائج ما بعد الحرب الباردة التي جعلت الولايات المتحدة القطب الأعظم الأوحد في العالم، الأمر الذي أوجبته ضرورات معالجة أمراض النظام الرأسمالي المأزوم بطبيعته عبر تصدير أزماته للعالم وخاصة الفقير منه دون رادع.
أفشل العراق، على يد التحالف الوطني، مشروع أمريكا هذا الذي إصطدم مع المصالح الإمبريالية الأوربية أيضاً، ولكن إدارة الديمقراطيين الأمريكية أعادت إحياءه بعد إصلاح التحالف التقليدي مع أوربا الإمبريالية الذي هدده المحافظون الجدد بدافع الإنفراد والإستحواذ.
فرض الطغمويون والأمريكيون، بالإبتزاز، المحاصصة ومفهوم الشراكة والتوافق المغشوشين، مقابل مجرد المشاركة في العملية السياسية أي العملية الديمقراطية المعترف بها عالمياً وهي الوسيلة الوحيدة القادرة على حماية مصالح الجميع وبالتالي تحقيق التعايش المشترك والسلم الأهلي. ولكن الطغمويين لم يتراجعوا ولحد الآن عن رفضهم للديمقراطية وللآخر والسعي الحثيث لتخريبها وإفشالها ولو بإستدعاء قوى إمبريالية وعميلة لـ”ترتيب” أوضاع العراق لصالحهم.
كان وما يزال هذا الإصرار من جانب الطغمويين على إستعادة السلطة بأية وسيلة هو الجوهر الحقيقي للمســـــــألة العراقـيـــــــــــة ولم تليّن الهزيمة الإستراتيجية الداعشية من إصرارهم بسبب وجود الدفع والدعم الخارجيين لهم؛ ذلك الإصرار الذي لم تشخصه سوى المرجعية في النجف والحريصين من المسؤولين الذين تُحتمُ مسؤوليتُهم عليهم عدمَ البوح بهذا التشخيص تجنباً لتثبيت الإنقسامات ونفع المشروع الطغموي؛ ولكن المثقفين والفاشلين أهملوا هذا التشخيص وشوهوه بطروحات منتقصة أو زائفة رغم أن واجبهم المقدس يلزمهم بإبراز هذا التشخيص الذي يمثل الحقيقة الموضوعية الناصعة وتوعية الشعب والرأي العام العربي والإسلامي والعالمي بها وتوجيه الضغوط المعنوية على الطغمويين للحد من تماديهم في التخريب والإرهاب.
شكل الطغمويون والبرزانيون العنصريون تحالفاً غير رسمي مع الأمريكيين وتوابعهم في المنطقة حكام السعودية وتركيا وقطر كل لغايته؛ ولكن يجمعهم دفعُ العراق باتجاه الديمقراطية المشوهة والدولة الفاشلة لتنفيذ المشروع الامبريالي الصهيوني السعودي الذي صاغه المحافظون الجدد والقاضي بتفتيت البلدان العربية من داخلها وتمكين إسرائيل من الهيمنة على المنطقة بقفاز سعودي ولدينا مما جرى في سوريا خير مثال.
فَقَدَ البرزانيون إهتمامهم بالديمقراطية العراقية بعد أن أخذوا منها ما أخذوا ثم إنخرطوا في المشروع الإمبريالي آنف الذكر على أمل تحقيق “مملكة برزانية” على حساب نضال الشعب الكردي لتحقيق طموحاته القومية المشروعة بالتحالف النضالي مع شعوب المنطقة، وعلى حساب إستقرار العراق ومصالحه.
الطغمويون لا يمثلون أية طائفة أو مكون لكنهم يدَّعون تمثيلَهم السنةَ لتشريف أنفسهم بهم والخروج من شرنقة الطغموية الخانقة الى ساحة الطائفة الأرحب. غير أن السنة براء منهم وقد نبذوا الطغمويين خاصة بعد توريطهم الجماهير إذ دفعوا بها الى العصيان لتغطية إحضار داعش الى العراق لإحداث تغيير ديموغرافي، ومن ثم دفعوا بها الى حياة النزوح في المخيمات تحت رحمة البؤس والشقاء وتهديدات داعش.
كانت هذه المغامرة الداعشية الخطرة الفاشلة قد شكلت الضربة الإستراتيجية القاصمة الكبرى للطغمويين ورعاتهم حكام أمريكا وتركيا والسعودية وقطر، وما عادوا قادرين على الإبتزاز وفرض المطالب فهم الفاشلون في معركة “الديمقراطية” الحاسمة.
للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته: “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع الرابط التالي رجاءً: