السيمر / الجمعة 23 . 12 . 2016
ماجدة الحاج / لبنان
لعلها الرسالة الدموية الأولى إلى موسكو بعد تحرير حلب.. اغتيال السفير الروسي في أنقرة على يد رجل أمن تركي، على وقع “صيحاته الانتقامية لحلب”،
ليس بالحدث العادي الذي يمكن المرور عليه دون التوقف أمام خطورته لناحية مدى الخرق “الجهادي” في المؤسسات الأمنية التركية، وبالتالي أن يتمّ اغتياله على الأرض التركية تحديداً، وما تعنيه هذه الرسالة في التوقيت الحلبي كما بتداعياتها اللاحقة، سيما أن إشارة لافتة تلت العملية كمنت في مسارعة مستشار الرئيس رجب طيب أردوغان إلى اتهام واشنطن وبرلين – بطريقة مبطَّنة – بالوقوف وراءها، عبر قوله إن “تعزيز العلاقات بين تركيا وروسيا أثار سخط الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة وألمانيا”! هذا الكلام أعقب ما كانت لفتت إليه معلومات صحفية ألمانية كشف عنها “مركز فيريل للدراسات” منذ أسبوعين، مفادها أن “برلين وواشنطن تريدان معاقبة الرئيسين بوتين وأردوغان في آن واحد”، وتسعيان إلى “إدخال طيران مجهول” بين دمشق وأنقرة لتمرير ضربة قاسية ضد هدف عسكري تركي في منطقة وجود قوات “درع الفرات” في الشمال السوري، يدفع تركيا إلى مهاجمة الجيش السوري بلا تردد، ما يمثّل بالتالي استفزازاً تركياً لروسيا، يعيد خلط الأوراق جذرياً في العلاقة التركية – الروسية، خصوصاً أن دماء السفير الروسي لم تجفّ بعد على الأرض التركية.
لا شك أن رسالة الاغتيال مزدوجة؛ إلى روسيا وتركيا في آن واحد: إلى الأولى عبر الرد على نصر حلب، وما بعده، وكان جلياً في عبارات من نفّذ “عملية الانتقام لحلب”، وإلى الثانية عشية تحضّرها للالتحاق باجتماع روسيا وإيران في موسكو، لبحث خطط “القضاء على الجماعات الإرهابية في سورية”، عبر القول لها إن هذا التقارب ممنوع، وأي “تكويعة” تركية تساند موسكو وطهران في سحق هذه الجماعات ممنوعة أيضاً.. واللافت أن عملية الاغتيال تزامنت أيضاً مع صدور قرار مجلس الأمن الدولي الذي قضى بنشر مراقبين دوليين في حلب، وعلى متن رسالة سورية “قاسية” وجّهها مندوب سورية في الأمم المتحدة بشار الجعفري “إلى من يهمّهم الأمر”، ردّ فيها على “هستيريا” واشنطن وأتباعها لمعرفة مصير ضباطهم الذين كانوا يديرون غرف عمليات المسلحين في حلب.. الجعفري لم يكتفِ بتحديد أسماء هؤلاء الضباط، بل ذهب إلى التعهُّد بـ”إلقاء القبض عليهم وعرضهم عليكم” في رده على سؤال أحد الصحافيين حول ما ستقوم به السلطات السورية إزاءهم.
تقارير استخبارية تلقّفتها واشنطن قبيل انعقاد جلسة مجلس الأمن لتمرير قرار إرسال مراقبين دوليين إلى حلب، حملت معلومات “خطيرة” عن مصير الضباط الأجانب في المدينة، حيث ذكرت أن عدداً منهم قد قُتل خلال معارك تحريرها، فيما اختفت آثار الضبّاط الآخرين.. مصادر عسكرية ميدانية كشفت لـ”الثبات” أن عدداً من هؤلاء تمّ التعرف عليهم قتلى، ورجّحت أن الباقين وقعوا في قبضة الجيش السوري وحلفائه، كما أكدت أن ثلاثة من قادة جبهة “النصرة” – كانوا يجتمعون بشكل دوري مع الضباط الاستخباريين في حلب الشرقية – قاموا بزيارة فلسطين المحتلة على عجل، عندما تلقّفوا من الدول الداعمة لهم أن معركة “أم المعارك” باتت قريبة جداً، حيث التقوا هناك قيادات استخبارية “إسرائيلية”، بترتيب وتنسيق بين تل أبيب من جهة، والرياض والدوحة من جهة أخرى. وكشفت المصادر أن قادة الجبهة الثلاثة كانوا محط رصد ومراقبة استخبارية سورية دقيقة، وقد قُتلوا بعد عودتهم للمشاركة في إدارة المعارك.
المصادر لم تغفل الإشارة إلى أن إحدى تداعيات تحرير حلب الإقليمية تحمل خطورة قصوى على مصر، التي زادت مؤخراً من وتيرة تنسيقها الأمني والاستخباري مع قيادة دمشق بشكل غير مسبوق، بعد تأكُّد الأجهزة الأمنية المصرية أن الهجوم على كاتدرائية الأقباط في القاهرة نُفِّذ بأمر عمليات سعودي، وهو أول غيث العبث السعودي في الداخل المصري، على وقع خطورة ما وصلت إليه العلاقات المصرية – السعودية، مصحوبة بحرب إعلامية شرسة بين الجانبين، وكشفت أن الاستخبارات السعودية رصدت تعاوناً “أمنياً” لافتاً لمستشارين عسكريين مصريين مع نظراء روس وسوريين في عمليات تحرير حلب، واقتراب “إعلان مصري رسمي” عن عودة العلاقات الدبلوماسية مع سورية، بعد إنجاز تسمية السفير المصري إلى دمشق.. ثمة أسباب “موجبة” باتت تدفع القاهرة إلى توضيح موقفها من سورية أكثر من أي وقت مضى، سيما أن مصادر أمنية مصرية أشارت إلى مرحلة خطيرة قد تواجهها مصر خلال العام المقبل، كاشفة أن اجتماعاً “استخبارياً” جهّز خطة الاعتداء على الكنيسة القبطية في القاهرة، حصل في 13 تشرين الثاني المنصرم في الدوحة القطرية، حضره ضباط قطريون وسعوديون وقادة من حركة “حماس″، خطّط أيضاً لإعلاء وتيرة الأعمال الإرهابية في مصر، وزيادة الدعم التسليحي والمالي للخلايا الإرهابية، واستغلال منطقة الحدود الليبية – المصرية لضخّ السلاح والمرتزقة إلى “جهاديي” سيناء.
الأسد سيكون على الأرجح نجم استقطاب أكثر من رئيس عربي وأوروبي في المرحلة المقبلة، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب السورية، مقابل هزات إرهابية خطيرة في عواصم أوروبية، وفق إشارة المحلل السياسي في صحيفة “ناشونال ريفيو” الأميركية؛ جاي هالين، الذي لم يستبعد تسارع عمليات الحسم العسكري في سورية بالمدى المنظور بشكل كبير ومفاجئ، مقابل هزة عنيفة في العائلة المالكة السعودية، “يبدو أنها باتت وشيكة”.
الثبات