السيمر / الأحد 08 . 01 . 2017
هنري كسنجر( Henry Kesinger )
إن هدفنا الحقيقي من الحرب على العراق عام 2003 هو سيطرتنا الروحيه التأريخيه على العراق وبه نضمن سيطرتنا الفعليه على الشرق الأوسط كله ، وبالتالي عموم العالم .. !
في مطلع الألفيه الثانيه إقتضت المرحله الأخيره من مشروعنا التدميري القائم على التقسيم الطائفي للعالم الإسلامي ، أن نفرض الممارسه الفعليه لهذا الصراع أي بلوغ مرحلة الحرب الداميه بين الطرفين .. ! وقد وقع إختيارنا على العراق حيث تتوفر فيه أفضل الشروط الملائمه للصراع الشيعي ـ السُنّي .. فهنالك طائفه شيعيه أكبرعددياً ومظلومه تأريخياً ومجاورة للقطب الشيعي الإيراني ، يقابلها طائفه سُنيّه أقل عديدياً لكنها فعّاله ومتمرسه بالحكم ومدعومه من الجوار العربي وخصوصاً من قبل القطب السُنّي السعودي .. !
إذن موقع العراق الجغرافي المجاور لإيران والسعوديه خصوصاً ثم باقي المشرق العربي بالإضافة الى تركيا ، وإنقسامه الطائفي الواضح جعلنا نختاره كأفضل ساحة للصراع الشيعي الإيراني ـ السُنّي السعودي !
طبعا هنالك أسباب مُكمِّلة داعمه أُخرى ، فهو ليس فقط ملتقى القطبين الطائفيين ، بل أيضاً ملتقى التنوعات القوميه لبلدان الشرق الأوسط : عرب ، أكراد ، تركمان ، مسيحيون ، وغيرهم ..
هكذا ، إننا بعد أن قمنا بإضعاف وخنق العراق حربياً وإقتصادياً وبشرياً طيلة أعوام التسعينات ، نجحنا بفضل دعم أصدقائنا القادة الأكراد والاسرائيليين والإيرانيين والسعوديين ، أن نُقنِع قادة شيعة العراق وباقي الناقمين على صدام من السُنّه ، أن يكونوا أداة طيّعه في مشروعنا التدميري للعراق والمنطقه وللعالم الإسلامي بأجمعه ، بحجة مكافحة الدكتاتوريه وبناء الديمقراطيه !
يتوجب التنويه بدور صدام ، فهو قد خدمنا منذ صعوده الى السلطة عام 1979 ، إذ قام بإعدام القادة البعثيين المناوئين لسياستنا وتخريب الوحدة مع سوريا ، ثم دخول الحرب التدميريه مع إيران ، ثم إجتياح الكويت ، وتوفير كل الحجج لنا بضرب العراق وحصاره وتجويعه وإذلاله حتى إجتياحه وإحتلاله …. بل إن المسكين قد خدمنا دون قصد حتى بعد إطاحتنا به ، إذ نجحنا من خلال مسرحيات محاكمته التلفزيونيه أن نخلق منه بطلاً عربياً سُنيّاً راح ضحية المتعصبين الشيعه ، وهذا الأمر لعب دوراً حاسماً في تغذية الصراع الطائفي !
منذ عام 2003 تمكنا بصورة تفوق التوقع أن نجعل من العراق ساحةً مكشوفةً ومثالاً فاضحاً لكل المسلمين للصراع الدامي المحتدم بين القطبين الشيعي و السُنّي . بل جعلنا منه أرضا لعذابات المسيحيين والصابئه وباقي الجماعات ، بالإضافة الى أُسطورة عذابات الأكراد قبل ذلك … نعم طيلة عقدين من الزمان جعلنا من العراق أرض الخراب ومركزاً للظلام الذي ينتظر المنطقه بأجمعها .. آملين أن نجعل منه فيما بعد أرض النظام والإستقرار والبحبوحة ومركزاً لشرق اوسط ديمقراطي منسجم تماماً مع مصالحنا .. !
إستراتجيتنا الحاليه في العراق :
إن خلاصة سياستنا الحاليه في العراق ، أن يبقى لسنوات طويله قادمه تحت سيطرتنا الكامله ( مباشره وغير مباشره ) سياسياً وعسكرياً … والعامل المهم الذي نجحنا بتأسيسه ونعمل على إبقائه ، إننا جعلنا الدوله العراقيه منقسمه طائفياً وقومياً ، بحيث لا يمكنها أن تكون دوله مركزيه قويه ، وهي عرضة سهلة لتفجيرها والتحكم بها … فترانا دائماً عندما يستقوي الأكراد ويضعف العرب نبادر الى خلق الخلافات بين الأكراد وتسهيل ضربهم من قبل دول الجوار .. وما أن يستقوي العرب حتى نبادر الى تأجيج الصراع الطائفي بينهم ونعطي المجال لبروز الدور الكردي وإستخدام ورقة كركوك والمناطق المتنازع عليها ،
وإذا ما لاحظنا توحد الأطراف العراقيه كلها وبروز نوع من الثقة بالدوله والشعور بالإستقرار وبروز ميول الوطنيه المعاديه للأمريكان ، حتى نبادر بتحريك عملائنا وتسهيل الأمر للارهابيين للقيام بعمليات تدميريه تزعزع هيبة الحكومه وتُحيّ الأحقاد الطائفيه وتشجع هجرة الشباب والكوادر ، وبالتالي تبرير الإعتماد علينا من أجل حمايتهم من الإرهابيين !
هل تعلم ، بأننا نحن من يشجع التغلغل الإيراني في العراق ونعمل إعلامياً على تضخيمه أضعافاً أضعاف ، من أجل إخافة الدول العربيه وتركيا ودفعها لكي تتصارع في أرض العراق ، وأيضاً إخافة العراقيين ودفعهم للتمسك بنا لحمايتهم من الخطر الإيراني … !
خذ مثلاً ، مسألة تأخير تكوين الحكومات خلال أشهر طويله . كان يكفي منا بعض الضغوط البسيطه على قادة الأطراف المتنازعه لكي يضطروا للإتفاق والموافقه على تكوين الحكومة المناسبه .. لكننا تقصدنا الحياديه ولعب دور الأب الناصح الطيب الذي لا يمتلك سلطة حاسمة أزاء الضغوط الإيرانيه والسعوديه والتركيه .. كل هذا من اجل ان يدوم ضعف الدولة ويفقد العراقيين ثقتهم بنخبهم وقادتهم ويدعم شعورهم الطفولي بأنهم بحاجة لدورنا الأبوي الناصح والحامي لأمن البلاد تمهيداً لتنفيذ مشروعنا لتقسيم العراق !!!
ومن أكبر دلائل نجاحنا الكبير في التحكم بعقول العراقيين وباقي العالم ، إننا اوهمناهم بأننا عازمون على ترك العراق بعد أن فشلت سياستنا به …. وبين حين وآخر نجري مسرحيه اعلاميه عن إنسحابات عسكريه خداع , بينما يكفي القليل من الحكمة للتفكير بالأمر التالي :
إننا شيدنا في المنطقة الخضراء في بغداد أكبر وأضخم وأقوى سفاره في تأريخ البشريه .. مساحتها 104 هكتارات وتعد أكبر بستة أضعاف من مجمع الأمم المتحدة في نيويورك ، وبعشرة أضعاف من سفارتنا في بكين .. كلفتها حوالي مليار دولار وتكلفة إدارتها السنويه مليار دولار … فيها 20 مبنى و1000 موظف ، وهي تعتبر مدينه مستقلة حيث تضم السكن والأسواق وكل وسائل الترفيه ومولدات الطاقه والتنقيه والتصفيه ، حتى يمكنها العيش مستقله تماماً لعدة أعوام !
فكيف يصدق إنسان حتى لو كان له عقل طفل ، إننا نشيد مثل هذه السفارة الاسطورية في بلد ندعي بأننا في الطريق لمغادرته ؟!!
متابعة السيمر