أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / الكوت نت ومهرجان الإبداع الواسطي

الكوت نت ومهرجان الإبداع الواسطي

السيمر / السبت 04 . 02 . 2017

صالح الطائي

إذا ما كنا قبل 2003 لا نعرف معنى منظمات المجتمع المدني لأننا نرزح تحت حكم الحزب الدكتاتوري الواحد، فإن عدد هذه المنظمات والمشاريع الأخرى المنضوية تحت مسماها، بلغت بعد هذا التاريخ عددا يفوق التصور والخيال؛ تحت مسميات وشعارات وأجندات وسياسات واهتمامات وغايات، ثم مع تقادم الأيام، اختفى الكثير منها، وحل مكانه منظمات أخرى، ليبقى العدد فوق التوقعات.
لكن الآلاف من هذه المنظمات عجزت عن تحقيق ولو جزءً بسيطا مما كانت تطمح إليه، سواء كان خيرا أم شراً، فتهاوت، معلنة إفلاسها الفكري والمادي، ليطويها النسيان، ومئات أخرى منها، أعاقها العوز المالي عن تحقيق أهدافها، فنكست رؤوسها، وقبعت في مكانها تبحث عن منقذ فلم تجد!.
وسط هذا الركام كان (كوت نت) وردة بيضاء تبحث بعيدا عن الأضواء والدعاية عن التميز بفكر وجهد شبابي بعيد عن الحزبية والفئوية والمصالحية والمذاهبية، وكل ما له علاقة بالتكتلات. كان يسعى لأن يعيد الفرح إلى قلوب شح فيها الفرح، والبسمة إلى وجوه فارقتها الضحكات، والثقة لمن ظن أن أحد يلتفت إلى عطائه الإبداعي. وحينما طوت الحكومات المحلية والمركزية دونها ودون الإبداع والتألق كشحا، أسفر كوت نت عن وجهه المشرق ليطارد المبدعين، ليكرمهم ويرفعهم إلى الواجهة لترى الناس أعمالهم وتعرف بوجودهم، فأبتدع فكرة (مهرجان الإبداع الواسطي) عام 2007 ليكرم من خلاله: أفضل دائرة، أفضل جامعة، أفضل كلية، أفضل موظف، أفضل إنجاز، أفضل باحث، أفضل أديب، أفضل رياضي، أفضل فنان، أفضل مشروع، أفضل أم، أفضل أب، أفضل عامل نظافة، أفضل طالب.
وعلى مدى السنوات، كان القائمون عليه يسعون وبجهد شخصي غير مدعوم وراء المتميزين والمبدعين ليطلعوا على أعمالهم، ويركضون وراء الممولين لإقناعهم بضرورة رعاية دورة المهرجان ودعمها ماديا، وحينما كانت خطوات البحث تتعثر، كانوا يقتطعون من لقمة عوائلهم، وبدعم بسيط من محبيهم وأصدقائهم ليقيموا دورة المهرجان في وقتها المحدد رغم قسوة الظروف.
يذكر أن (كوت نت) عبارة عن مجتمع الكتروني، تأسس في عام 2006 على الانترنت، ثم تحول عام 2013 إلى تجمع شبابي يسعى إلى تنمية وتطوير المجتمع ولاسيما في مجال استخدام تكنولوجيا المعلومات والإفادة منها للإسهام في تقدمه في جميع المجالات.
إن أجمل ما في دورات المهرجان أنه تخلى عن أسلوب التعظيم حسب المركز، ذلك الأسلوب المسخ؛ الذي تمتاز به أغلب المهرجانات الأخرى، تلك التي تحجز الخطين الأول والثاني من القاعة للضيوف المميزين بنظرها، وهم: المسؤولين في الحكومات المحلية وكبار المسؤولين والحزبيين ورجال الدين وشيوخ العشائر والوجهاء، حيث طلب المشرفون على المهرجان أن يكون الجلوس متاحا لأي شخص في أي مكان دون تمييز. وكم كان جميلا أن تجد المحافظ يجلس في الخط العاشر، والشيخ يجلس في الخط الثامن، والفقير البسيط يجلس في الخط الأول، ليتحولوا بمجموعهم إلى درجة واحدة من الرفعة والسمو، تحت شرف (المواطنة في محافظة واسط). والأحلى والأجمل أن جميع هؤلاء كانوا يُخاطبون بصفة مواطن، ليقول عريف الحفل حينما يقدم المحافظ مثلا ليلقي كلمته: والآن يتقدم المواطن مالك خلف وادي ليلقي كلمة، ولا يخاطبه بصفته الرسمية!
على مدى عشر سنوات تحول مهرجان كوت نت من مجرد فكرة بسيطة، حكم عليها البعض على أنها ظاهرة سوف تختفي قريبا مثل غيرها، ويمحى ذكرها، إلى علامة مضيئة في سماء التألق الواسطي، فباتت الجماهير تنتظر موعد انعقاده بشغف، لتتوافد إليه زرافات ووحدانا، لا يمنعها برد أو مطر، ليحقق المهرجان في دورته العاشرة أكبر حضور في المحافظة من بين جميع المهرجانات الحكومية والدينية والحزبية وغيرها لدرجة أن قاعة الإدارة المحلية على وسعها، ضاقت بعدد الحضور؛ الذين قضى بعضهم الحفل وقوفا، وهي ظاهرة تفتقد إليها جميع المهرجانات الأخرى بدون واستثناء.
في دورته العاشرة التي عقدت يوم الجمعة 3/2/2017 لتكريم مبدعي عام 2016 حقق المهرجان والقائمون عليه نجاحا فاق كل التوقعات، لدرجة أن ممثلين عن المحافظات الأخرى، حضروا بحثا عن إلهام التجربة لنقلها إلى محافظاتهم.
وفي هذه الدورة أيضا، قرر القائمون على المهرجان إطلاق اسم (دورة الشاعر حسين البهادلي) عليها، وهي المرة الأولى التي يتبع فيها مثل هذا الإجراء، واخفوا أمر التسمية حتى عن المحتفى به وهو رئيس جمعية الشعراء الشعبيين في واسط وأحد أعلام الشعر الشعبي الواسطي لتكون المفاجأة بعد رفع الستارة عن الاسم لا للحضور وحدهم فحسب، بل للشاعر حسين البهادلي أيضا!
وقرروا تكريم عامل نظافة بسيط حاله حال العلماء وكبار المتميزين لتكون سابقة ليس لها مثيل في وطننا العربي كله، وكان لي الفخر أن أكلف من قبل إدارة المهرجان بتسليم هذا العامل المميز الجاد درع المهرجان وشهادة التقدير.
إن المهرجان بالرغم من تميزه وروعته وتنوع فقراته إلا أن فقراته ممكن تطويرها وتنويعها لو حصل القائمون عليه على دعم الممولين والمتمكنين ماديا من أهل المحافظة، لذا أنتهز هذه الفرصة لأدعو المواطنين إلى دعم (كوت نت) ماديا ليتسنى للقائمين عليه تطوير بعض فقراته بما يدخل الفرح والسرور إلى نفوس المكرمين ولاسيما البسطاء والمعوزين منهم، قال تعالى ذكره: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون}

اترك تعليقاً