الرئيسية / ثقافة وادب / صوت فيروز الحالم يستوحي سمفونية Mozart 40

صوت فيروز الحالم يستوحي سمفونية Mozart 40

السيمر / الاحد 26 . 02 . 2017

عبد الجبار نوري*

يتحتم على الكاتب ثمة تنويع في نمط نتاجاته وكتاباته بين الحين والحين لأبعاد المتلقي من ملل التكرار، فلابدّ من التنويع بين كتابة التراجيديا ومضامين شبكات السياسة العنكبوتية ذات المتاهات اللولبية ، وأرهاصات السوسيولوجية الجمعية لشعبنا المستلب لغرض الأستراحة من عنائها ، إلى فضاءات السكينة الروحية ، وأن نستمتع برشفة تأمل ، ونذعن تلك الروح المتعبة لجلسة أسترخاء تأملية مع ملكة الغناء العربي ، الفنانة ” فيروز ” وما أشهى الحديث عن ” فيروز ” جارة القمر، عصفورة الشرق ، قيثارة السماء ، سفيرة الأحلام ، سيدة الصباح ، المعجزة ، صاحبة الصوت الملائكي والنغم الحالم ، وشاعرة الصوت ” نهاد رزق وديع حداد ” المعروفة بالأسم الفني ( فيروز ) مطربة ومغنية لبنانية الولادة بيروت 1935 ، قدمت مع الأخوين الرحابنة العديد من الأوبريهات والأغاني قد تصل إلى 800 أغنية ، وسرعان ما لمعتْ بالنجومية بعد عام 1952 مع الأخوين في توليف ومزج بين الأنماط الغربية والشرقية مع الألوان اللبنانية في مضمون موسيقاها وأرثها الحضاري ، وفولكلورها التأريخي العريق ، وتمتعنا بمشاهدة (غنية) { يا بياع الخواتم بالموسم اللي جاي / جيبلي معاك شي خاتم ، يابياع الخوتم رح يتركني حبيبي / أحبس لي حبيبي أبخاتم } .
وساعدها صوتها العذب الرخيم الذي يمتاز بأنسيابية وشفافية مخملية عذبة تداعب شغاف القلب طواعية ، مع عرض سلايدات للطبيعة اللبنانية الساحرة بخيال فنتازي ممتع حين تحكي ( غنياتها ) القصيرة بلسان حكواتي لبناني متجلبب لحد الطربوش بذلك الحب والعشق الصوفي المؤطر بالأنسنة وبرومانسية قروية فطرية مجردة من العبثية الصبيانية فهي حقاً ثورتاً في الموسيقى العربية خاصة بعد 1970 بعد الحرب على لبنان ، وذلك لأن أغنياتها بسيطة التعبير مع عمق الفكرة الموسيقية وتنوع المواضيع حيث غنّتْ للحب والقدس – لتمسكها بالقضية الفلسطينية – والأطفال ، وللحزن والفرح والوطن والأم ، وغنّتْ ياجارة الوادي الرائعة من تلحين العبقري المصري محمد عبدالوهاب ، ومن بعد الثمانينات أتجهت موهبتها الفنية إلى الألق والسمو الروحي باستثمار الموهبة الموسيقية الخلاقة لدى أبنها ( زياد رحباني )حيث طلعتْ علينا بتوليفةٍ جديدة بين الموسيقى اللبنانية والموسيقى العربية والموسيقى الشرقية والموسيقى العالمية ، وأبدعت في تقديمها للعمل المسرحي ، وأحياناً تأخذ المسرحية نقداً لحاكم الشعب ، وفي تمجيد البطولة ، وهل في الليلة الظلماء يفتقدُ البدرُ في ( غنيتها) الرائعة : يا أنا — يا أنا وياك صرنا القصص الغريبه ، يا أنا —ياأنا أنسرقتْ مكاتيبي ، وعرفوا أنك حبيبي!!! ، أنها روائع ودرر ما غنّت هذه الشحرورة اللبنانية بمقاربات حسيّة ووترية تبدو وكأنّها مستوحاة من أنغام سمفونية الموسيقار النمساوي المبدع ” موزارت 40 أو 41 ذات الأيقاعات الوترية المتماثلة .
قالوا فيها : *جاءت السيدة ذات الصوت المائي ، هجمت ك— مكتوب غرام من كوكبٍ آخر ، هجمت كتفاصيل حبٍ قديم ، ومررنا تحت أقواس صوتها الحضاري فتحضرنا ، وغمرتنا بالنشوة والوجود ( نزار قباني) * أنها تجعل الصحراء أصغر ، وتجعل القمر أكبر( محمود درويش ) *أن صوت فيروز أجمل صوت سمعتهُ في حياتي ، وهو نسيج وحدة الشرق والغرب( مغنية الأوبرا الهنغارية ” أنا كورسك “) .
وأخيراً/ الذي أخرجني من الحياد ، وأعلان تمسكي ولعقودٍ من الزمن بعشق هذا اللون من الغناء الأصيل وخاصة في أدمان مزج قهوة الصباح ب” صباحيات فيروزية ” أو ربما غنّتْ لمدينتي الحلوة بغداد بأسطورة فنية خلابة رائعة تلهب الحماس والفخر:
{ بغداد والشعراء والصورُ وضوعهُ العطرُ — يا ألف ليلة يا مكملة الأعراس يغسلُ وجهك القمرُ
عيناكِ يا بغداد أغنية يغنى الوجود بها ويختصرُ— لم يُذكرْ الأحرار في وطنٍ إلا وأهلوك العلى ذكروا }
وهكذا الدنيا — العابرون لا يتكررون ، والراحلون لا يعودون ، ربما —- وربما — القادم أجمل

*كاتب عراقي مغترب

اترك تعليقاً