الرئيسية / مقالات / ماذا وراء تظاهرات اليوم المشؤوم 8 شباط 2 ؟
الكاتب القدير الأستاذ محمد ضياء عيسى العقابي

ماذا وراء تظاهرات اليوم المشؤوم 8 شباط 2 ؟

السيمر / الأحد 26 . 02 . 2017

محمد ضياء عيسى العقابي

موقف قيادة الحزب الشيوعي من الديمقراطية العراقية:
إلتقيتُ، عند زيارتي بغداد في صيف الإعتصامات عام 2016، رفيقاً عزيزاً بعد إبتعادٍ ثم تلاقٍ في الجزائر لعشر سنين تبعه فراق آخر لثلاثين سنة تقريباً وكلانا بقي خارج الوطن. هو، بتقديري، متقدم في صفوف الحزب الشيوعي الذي تركته منذ عام 1991 ولكنني مازلت ماركسي الفكر حتى اليوم رغم ابتعاد الحزب عن هذا الفكر على الأقل في الممارسة حسب تقديري.
دار بيننا الحديث حتى قلت له ما معناه: “الحكومة العراقية منتخبة في إطار نظام يسير نحو الديمقراطية وعلينا دعمه ونقده نقداً بنّاءً لتقويم المسيرة والدفع بإتجاه تطوير القاعدة المادية للمجتمع، وقد أشرفت الأمم المتحدة على الإنتخابات البرلمانية الأولى والإستفتاء على الدستور وراقب الإنتخابات ما يزيد على (300) ألف مراقب محلي وأجنبي وأيدها الإتحاد الأوربي والهند واليابان وروسيا والصين والجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي”.
قال لي: “ألم تمارس الأمم المتحدة الكذب؟”. أجبتُ: “مارسته كثيراً”. قال ما معناه: “إذاً، هذا يدعم قناعتنا بأن الإنتخابات كلها مزيفة وتافهة”.
وفي جزء آخر من الكلام وجهتُ نقداً الى جاسم الحلفي القيادي في الحزب وهناء أدور القيادية في التحالف المدني لوصفهما تظاهرات الرمادي الشهيرة التي نادت بإسقاط الدستور والتي شكلت غطاءً لعبور داعش الى الفلوجة وغير الفلوجة – بكون تلك التظاهرات “تطالب بالحكم المدني ” حسبما صرحا به. رد عليَّ الرفيق بما معناه: “وإذا سقط الدستور، فما المشكلة؟ دعه يسقط”.
لا أنكر أن إستحضاري الحوار أعلاه وذكر الصفة الحزبية لرفيقي العزيز يشكلان تنويهاً من جانبي بأن قيادة الحزب الشيوعي ليس لها أدنى حرص على الديمقراطية الوليدة التي لم يشهد العراق مثيلاً لها منذ فجر التأريخ، بل تتمنى سقوطها لا لسبب إلا لفشل تلك القيادة في تحقيق أي مكسب جماهيري على الأرض العراقية مثلما حققته على شاشة فضائية (الحرة – عراق / برنامج “بالعراقي) حينما قال المأجور عماد جاسم لعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي جاسم الحلفي حوالي منتصف عام 2011 “أنتم تمثلون الشعب” فأجابه الحلفي “وأنتم تدافعون عن الشعب العراقي خيراً مما تدافع عنه حكومته”!!!!
إن هذا الفشل هو نتيجة طبيعية للإبتعاد عن النهج العلمي في التحليل وإستنباط السياسات الناجعة.
لم أكن متجنياً على قيادة الحزب الشيوعي بأي قدر عندما إتهمتُها بعدم الحرص على الديمقراطية الفتية. خذ فهمَ عضو المكتب السياسي جاسم الحلفي للديمقراطية. ففي مقال له في صحيفة الحزب “طريق الشعب” بتأريخ 15/2/2017 كتب ما يلي: “….. غير انها اصطدمت برأي عام واسع، لا يرى جدوى في الانتخابات التي ستأتي بالوجوه ذاتها”.
هنا تبرز الأسئلة التالية: هل يحترمُ الديمقراطيةَ بأي قدر من يرفضُها إذا ما أتت “بالوجوه ذاتها”؟ من يختار الوجوه؟ هل هو الحلفي الذي سمح لنفسه أن يتحدث بإسم “رأي عام واسع”؟ يريدنا أن نصدقه ولا نصدق إنتخابات برلمانية حرة حسب المعايير الدولية وراقبها عشرات إن لم يكن مئات الآلاف من المراقبين المحليين والدوليين وهي إنتخابات باركها وأيدها المجتمع الدولي وعلى رأسه الأمم المتحدة والإتحاد الأوربي؟ أليس القرار الحاسم هو ملك الجماهير عبر صناديق الإقتراع أم هو ملك جاسم الحلفي ورفاقه؟!!
وهل يُعقل أن يُداس على الديمقراطية بأقدام الحلفي بحجة أنها ستأتي “بالوجوه ذاتها”؟ وإذا أتت بالوجوه ذاتها، فما الضير في ذلك إذا كان الشعب هو الذي إنتخبها في ظل واحد من (214) نظاماً إنتخابياً في العالم وإختار مجلسُ النواب إحدَها؟ أليس المقصودون في كلام الحلفي هم الذين صبوا الديمقراطية بقوالب وطنية عراقية وخلّصوها من “الأمركة” وأعادوا الإستقلال والسيادة للعراق وأخرجوا القوات العسكرية الأمريكية الغازية التي بوجودها كان الإرهاب ينفذ (300) عملية يومياً بينما هبط العدد الى (30) عملية بعد إخراج تلك القوات، وحافظوا على ثروات العراق النفطية من الهيمنة الأمريكية عليها والتي ينوح عليها ترامب الى يومنا هذا!!! ومنعوا زج العراق في حرب ضد الجارة إيران ومنعوا إستخدام العراق للإطاحة بالجيش والدولة السوريتين وضرب حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي وتصفية القضية الفلسطينية والمساهمة في قتل اليمنيين وتدمير اليمن وتدمير ليبيا وتأييد قتل الشعب البحريني؟ أليسوا هم الذين حموا الديمقراطية وأنقذوها ووطدوا دعائمها في وجه الطغمويين* الساعين لإسترداد سلطتهم بأي ثمن والمدعومين من جانب الإرهابيين ومن يقف وراء الإرهابيين الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل تهشيم الديمقراطية؟
لم نسمع في تأريخ العالم من طالب بإلغاء النظام الديمقراطي بسبب تكرر الوجوه المنتَخَبة شعبياً. هذه حجة هزيلة ديماغوجية تخفي نوايا سيئة. أشير هنا الى ملاحظة النائب السابق عن إئتلاف دولة القانون إحسان العوادي حين قال للأجير الأمريكي في فضائية (الحرة – عراق) عماد جاسم ولجاسم الحلفي في إحدى حلقات برنامج “بالعراقي” عام 2011 وهما يحاولان دفع النقاش بإتجاه زاوية ضيقة جداً بشأن قانون الإنتخابات – قال إحسان لهما ما معناه: “قولا إنكما تريدان تشريع قانون للإنتخابات يسلّم الحكم لقيادة الحزب الشيوعي بإنتخابات شكلية وبالضد من الإرادة الجماهيرية!!! لماذا لا تحترمان إرادة الجماهير التي تحكم على الأحزاب والجماعات بحسب مواقفها من حكم صدام الأسود الفاشي فتكافئ المناضل وتخذل المتخاذل الذي تحالف مع صدام وهو يصدر قانون إعدام كل من ينتمي لحزب الدعوة وبأثر رجعي يمتد لعشرات السنين؟”
يبرر جاسم الحلفي ورفاقه الكلام عن جسامة “الجرم” إذا ما أتت الجماهير عبر العملية الإنتخابية الحرة “بالوجوه ذاتها” – يبرر الكلام بسَوقِ إتهامٍ “للوجوه ذاتها” يضعه في خانة المطبلين لصالح الإرهابيين وذراعهم السياسي أي الطغمويين(1) ومَن ورائهم أي حكام السعودية وقطر وتركيا وإسرائيل وأمريكا وذلك بقول الحلفي ورفاقه: “ستأتي بالوجوه ذاتها التي أوصلتنا الى هذا الحال المزري”!!! أيّ تبييض هذا لوجه الإرهاب الذي خرّب وأعاق وحصد ويحصد يومياً العشرات من الآرواح البريئة حتى بلغ العدد الكلي قرابة نصف مليون شهيداً وأكثر من ذلك من الجرحى؟!! وأي تبرير هذا لدور حماة الإرهاب أي الطغمويين الذين عطلوا حركة البناء والإنماء، وداعمي الطغمويين من وهابيين واخوان مسلمين؟!!!! هل إحتج جاسم الحلفي وحليفه عماد جاسم على الطغموي أسامة النجيفي رئيس مجلس النواب السابق الذي إمتنع عن أداء واجبٍ روتيني وشكلي بحت وهو عرض طلب مجلس القضاء الأعلى على مجلس النواب لرفع الحصانة النيابية عن (17) نائباً متهماً وفق المادة (4 – إرهاب) تمهيداً للتحقيق معهم؟ هل تفوه الحلفي بكلمة ضد النجيفي الذي ترك وراءه ما يقرب من (9000) قانون بحاجة الى تشريع بدل القوانين الطغموية من العهد البائد مازال العراق يعمل بها لتلكؤ التشريع مما أعاق بناء المؤسسات الديمقراطية؟
الأنكى أن الحلفي وأصحابه حاول قلب طاولة الحقيقة على الشعب فإتّهم غالبيته بفعل الإرهاب يوم راح يهتف داخل مجلس النواب الذي إقتحموه عنوة في صيف عام 2016 “باسم الدين باكونا الحرامية” وأعقبوه بترويج شعار آخر لبّس الإرهاب دون مواربة برأس الإسلاميين الشيعة يوم هتفوا “الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة”!!!. ليُرِنا جاسم الحلفي ورفاقه كلمة واحدة إتهموا بها الإرهابيين وحماتهم بالفساد أو كونهم الوجه الآخر للعملة الواحدة!!! كلا فإن قصدهم كان تجريماً واضحاً في الإتجاه المعاكس!!
لم ينبس جاسم الحلفي ببنت شفة عن كل هذا ثم يأتينا اليوم ويتكلم عن “الذي أوصلنا الى هذا الحال”. أليس هذا الكلام بمثابة تزكية للإرهابيين والطغمويين ورعاتهم من جميع أفعال الإرهاب والقتل والتخريب والدمار الذي أربك ومايزال يربك الدولة والحكومة والمجتمع العراقي وعطل بناء المؤسسات وعرقل عجلة البناء وإعادة الإعمار والخدمات؟ فليرنا كلمة واحدة كتبها الحلفي ورفاقه دفاعاً عن مشروع قانون “البنى التحتية” الذي قدمته حكومة المالكي الى مجلس النواب ورفضه لأنه “سوف يأتي بالدعاية للمالكي!!!”.
يحسب جاسم الحلفي أن مستمعيه أغبياء فيريد إقناعهم بأن “…. رأي عام واسع، لا يرى جدوى في الانتخابات التي ستأتي بالوجوه ذاتها” أي يريد إلغاء الديمقراطية (لأن الإنتخابات تشكل أهم ركن من أركان الديمقراطية على الإطلاق). في واقع الحال هو عدو الديمقراطية ويريد إسقاطها وهذا تخطيط قديم لديه عبّر عنه في فضائية (الحرة – عراق) عام 2011 حين سأله عماد جاسم في برنامج “بالعراقي”: “وإذا استمر الجمهور بانتخابهم”؟ فقال الحلفي نخرج كما خرج المصريون والتونسيون أي “يعمل ثورة”!!!!.
بنفس إندفاع الحلفي لم يكتفِ عماد جاسم بتبرير إقتحام المنطقة الخضراء ومجلس النواب عنوة والإعتداء على البعض كرئيس كتلة الفضيلة الدكتور عمار طعمة، بل راح يحرض بصريح العبارة ودون تزويقات صحفية ودون تحفظ معتقداً أن “الثورة” قد إنتصرت فدعا الجماهير الى السيطرة على المنطقة الخضراء وساق تبريراً لهذا الفعل العنفي الإنقلابي بالسؤال “ألم تخرق الحكومة الدستور؟ فالشعب له الحق في الثورة”!!!
أعود الى أطروحة الحلفي بعدم جدوى الإنتخابات إذا كانت “ستأتي بالوجوه ذاتها”، والبديل هي الثورة كما ثار المصريون.
يذكّرنا هذا بالتهديد الذي أطلقه العقيد إبراهيم الجنابي، المتحدث بإسم “حركة كفاية” الطغموية (المستنسخة ببلادة من حركة كفاية المصرية) لفضائية ألـ “بي.بي.سي” البريطانية باللغة العربية عام 2005: “قلنا لهم …. إذا لا يأتي مجلس نواب متوازن … فالـــ ….” حتى ضحكت من هذا التهديد المذيعة الشابة قائلة له: “سيد إبراهيم، من يقرر إذا كان المجلس متوازناً أم لا؟ هل هو أنت أم صناديق الإقتراع؟!!!”
والآن أسأل الجمهور: من يقرر جدوى الإنتخابات من عدمها؟ هل يقررها الحلفي ورفاقه وهو الذي بارك إعتصامات الرمادي يوم نادى الطغمويون بسقوط الدستور؟ أم يقررها الشعب والدستور الذي إعتمدته الجماهير العراقية في إستفتاء حر أجرته الأمم المتحدة بتأريخ 15/10/2005؟
لو لم يكن الحلفي ورفاقه مصممين على إقصاء الإسلاميين الديمقراطيين دون تبصر ودون فهم علمي يخلط بين السياسة والإيديولوجيا لما تجاهلوا أوليات الأمور وهي التعريف العلمي للطائفية والتعريف العلمي للمحاصصة لتنكشف الجهة أو الجهات التي تنتفع منهما وبالتالي تؤجج الطائفية وتتمسك بالمحاصصة!!
إن الحلفي ورفاقه يعشقون التعميم وخلط الأوراق لخدمة التسقيط ولكي يتملصوا من مسؤوليتهم في كشف الحقائق أمام الشعب وإدانة الجناة الحقيقيين.
لا أريد أن أطيل وأتطرق بالتفصيل الى مراجع قيادة الحزب الشيوعي الفكرية. إن تأثرها بفخري كريم وكاظم حبيب بات واضحاً. فهل هي صدفة أن القيادة لا تملك قدراً يعتد به من الحرص على الديمقراطية الوليدة في حين يطرح الدكتور كاظم حبيب رأياً سطحياً قال فيه: “لا يمكن بناء ديمقراطية في العراق لتخلف إقتصادهً”.
أسأله دون إطالة إيديولوجية وأسأل مَن عمل بهدى إرشاده وأعني القيادة: “كيف بنت الهند أكبر ديمقراطية في العالم حسب شهادة أمريكا والعالم الغربي؟ هل كان إقتصادها متطوراً يوم تحررت من الإستعمار البريطاني؟!!
أخيراً، لماذا لم ينبس أحد من قيادة الحزب أو السيدان فخري كريم وكاظم حبيب بكلمة نقد واحدة لمسعود برزاني عندما إنتهت ولايته الشرعية وظل متمسكاً بالسلطة ومايزال رغم أنف الجميع؟ ولم يحركوا ساكناً عندما طرد رئيس برلمان كردستان المنتخب الدكتور يوسف محمد ومنعه حتى من دخول مدينة أربيل وهي مدينة عراقية لا يحق لأي كان منع دخول مواطن عراقي اليها إلا بحكم قضائي؟ ولماذا لم نسمع منهم كلمة واحدة عن الفساد المستشري والضارب في أعماق الإقليم؟ ولماذا لم نسمع كلمة نقد واحدة لعلاقات البرزاني بإسرائيل وتركيا؟
لم أسمع سوى تبرير واحد من حميد مجيد سكرتير اللجنة المركزية السابق حين إنتقده سعدون محسن ضمد صاحب برنامج “حوار خاص” في فضائية (الحرة – عراق) قبل ثلاث سنوات بسبب سكوت الحزب المطبق حيال إحتكار وإستيلاء عائلة البرزاني على معظم المواقع القيادية في الإقليم. قال أبو داوود “هل جاءوا بالدبابات. إنهم جاءوا بانتخابات ديمقراطية”!!!
أسأل قيادة الحزب: هل تغيرت طبيعة الرأسمالية العالمية من كونها إمبريالية؟ وإذا تغيرت فما هي طبيعتها الآن؟
أيهما الأخطر على المجتمع العراقي الهيمنة الإمبريالية الأمريكية المتحالفة مع الصهيونية أم وجود أحزاب دينية منتخبة على رأس الحكومة وفي ظل دستور مدني؟
خَدَعَنا الإستعمار الإنكليزي بعد الحرب العالمية الأولى بالتركيز على “الحداثة” مع إسقاط “الموائمة بينها وبين التراث” وذلك لخوف الإستعمار من هذه الصيغة الفعالة التي طرحها المصلح الديني الكبير جمال الدين الأفغاني وبعده شيخ الأزهر محمد عبده؛ كما خَدَعَنا المستعمر بالتركيز على “الحداثة” لعزل المرجعية في كربلاء والنجف التي قادت ثورة العشرين ودوخت المستعمِر والتي كانت ستضع القيادة على المحك فأما أن تقود الثورة نحو التقدم وهو المطلوب وأما أن تقودها الى الإخفاق لتنعزل القيادة إنعزالاً طبيعياً مقبولاً بدل أن نضيع قرناً من الزمان تقريباً ونعود الآن الى ما دون نقطة الإنطلاق الأولى.

من الخطأ كل الخطأ التحايل على الحياة لأنها تعود وتصفعك بلا رحمة!!
هل إتعظنا؟….. الأنكى، أننا لم نتعظ.
تناوَلَنا الأمريكيون الآن إذ قالوا لنا إن حكمكم ليس مدنياً فناضلوا ضد دولة الفقيه وأطيحوا بالنظام!!!!
الجميل هو أن وعي الشعب اليوم يختلف عما كان عليه أيام الخديعة الأولى على أيدي الإنكليز.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): للإطلاع على “الطغموية والطغمويون” برجاء مراجعة الحلقة الأولى على الرابط التالي:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=548981

اترك تعليقاً