أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / زاوية سيدي امحمد بن علي.. علم وعلماء

زاوية سيدي امحمد بن علي.. علم وعلماء

السيمر / الأربعاء 05 . 04 . 2017

معمر حبار / الجزائر

كان اللقاء ولمدة 10 أيام من 25 مارس إلى يوم الأحد 02 أفريل 2017، بزاوية سيدنا سيدي امحمد بن علي بمجاجة، رحمة الله عليه ورضي الله عنه وأرضاه. والأستاذ سكحال صاحب كتب: “التعليقات المختارة على كتاب الإشارة”، و “المهذب من الفقه المالكي وأدلته”، و ” “حفيف النسمات على متن الورقات”، و ” أحكام الشركات في الفقه الإسلامي المالكي”، و ” أحكام عقد البيع في الفقه الإسلامي المالكي”، وهو شاب تخرج من المدرسة الوطنية المتعددة التقنيات بالجزائر، ثم واصل تلقيه الفقه من سورية، ومقيم الان بالمملكة السعودية منذ 16 سنة.
وحضر الدورة العلمية 70 من طلبة الزاوية، والأئمة، والأساتذة في مختلف الفروع، والمتقاعدين الحريصين على العلم. وقد شرح الأستاذ سكحال فقه البيوع من كتابه “المهذب في الفقه المالكي” وأصول الفقه من كتابه “حفيف النسمات على متن الورقات”، لسيّدنا الإمام الجويني. ومما ذكره الأستاذ:
من اشترى غير ما وصف له فعقد البيع باطل وله أن يرد تلك السلعة أو ذلك الأمر، لأنك عقدت عقدا أنت مطالب أن تفي به. ولا يجوز الجمع بين الثمن والقرض، ولا يجوز أن يعجّل الثمن مسبقا، ويمكن أن يتطوع به المشتري لكن دون أن يوضع شرطا في العقد، كما أنه لايجوز تقديم الثمن على الوصف، سواء كان عقارا أو غيره لأنه يكتنفه التغيير. وإذا ظهر الطيب في شجرة واحدة أو حبة واحدة من الخضر أو الثمار، جاز بيع الحقل كله والمنتوج كله. وكل ماله قشر كاللوز يباع في قشره. والفقهاء ينظرون إلى علة الأحكام. والشرع لا يتخل في كل جزئية من جزئيات الحياة.
وقال: على المفتي أن يبيّن للناس أنه يفتي على المذهب الفلاني حتى لا يلبس على الناس، وكذا الفقيه وإلا أصبح مقصّرا، وإذا ذكر رأي مذهب آخر فعليه أن يذكر ذلك. والفقه ليس مسألة شخصية إنما تسير عليه الدولة والأفراد، ويعمل به في المحاكم، والمدارس، والفتوى، ولا يستقر الحال إلا بتطبيقه. وإذا تعامل كل إنسان بما شاء أصبحت فوضى. والذي يصلح حال الجزائر هو توحيد الفتوى، والخلاف الفقهي رحمة، واختيار المذهب سعة.
وقال: الزواج مباح، لكن لو امتنع المجتمع عن الزواج وانقطع النسل، يعتبر هذا مضر بالدولة والمجتمع وعلى الدولة أن تتدخل وبالقوة لفرض الزواج، وهنا يصبح المباح واجبا وفرضا لأنه يحمي الدولة والمجتمع.
وقال: الشريعة تجاري الفطرة والأمور الخِلقية ولا ترهق الناس، والشريعة تدخل في صالح الناس ولا تدخلهم في المشقة والعنت. والشريعة الإسلامية تجاري الطبيعة ولا تعاكسها، والشارع لا يدخل الناس في حرج. ومن اشترى سلعة وتأخر في استلامها عمدا ودون سبب قاهر، وأصابت السلعة جائحة كالسيول، والبرد، والنار، فلا ضمان له، ويتحمل مسؤولية كسله وتأخره وعدم الإسراع في استلام سلعته. ولا تكون الجائحة جائحة إلا إذا خرجت عن العادة، أما الخسائر الخفيفة فتحدث باستمرار ولا يعتد بها. والأمر الثابت بالشرع لا يحتاج لعقد.
يقول: حرصت على تخريج نصوص الموطأ، لأنه يعتمد على عمل أهل المدينة، وهو أقوى من النصوص لأنه إعتمد على عمل الصحابة وصغار الصحابة والتابعين، وهؤلاء جلهم فقهاء، وعملهم أقوى من الخبر.
قال: ينبغي على المرء أن لا يتحايل على السلطان، فالسلطان إذا أراد منك أن تكون منتجا فلا داعي للسرقة والحيلة المذمومة والمكر و الخذاع، وينبغي أن نحذّر من مثل هذه التصرفات ، لأن الدولة تقوم على الفرد والسلطان معا، وهذا الإنسان الذي يقوم بمثل هذه المنكرات فهو حقير خسيس وليس شاطر كما يزعم، والمطلوب من المؤمن أن يكون قويا أمينا، ونفس الملاحظة تقال لمن يستلم السكن الاجتماعي ثم يعيد بيعه والمحتاج بحاجة إليه.
على هامش الدروس: ألتقي بمدير الشؤون الدينية بن عيسى، وأطلب منه أن يقوم بتدوين الفتاوى التي تقدم عبر إذاعة الشلف من طرف الإمام الفقيه يوسف العجري، والإمام الفقيه آدم خلوفي من بوزغاية، وكذا جمع خطب الأئمة كخطبة الجمعة والأعياد عبر المسجد الكبير كبداية في انتظار تعميمها على المساجد. وأقول له: “الدين كذلك يحتاج لجٙدٙارْمِي”، فلا يعقل أن تمنع المساجد من دعاء القنوت، والقراءة الجماعية، والسبحة، وحمل العصا لخطيب الجمعة، وقراءة ورش ، وهذه الخصال الحميدة تربى عليها المجتمع منذ 14 قرنا، وقد تبدو ثانوية لكنها حين تكثر تتحول إلى تيار جارف يهدد العمران والإنسان.
وقال: عملت في المملكة السعودية 16 سنة وما زلت، فرأيتها حريصة كل الحرص على المذهب الحنبلي ولا تقبل بحال مذهبا آخر. فالتعليم، والمساجد، والفتوى، والقضاء كلها حسب المذهب الحنبلي بل الأرجح من المذهب، ولا يمكن بحال القبول بمذهب آخر، ولا توجد فوضى في الفتوى بسبب توحيد المذهب وفرضه بكل الوسائل. ثم يتساءل قائلا: لماذا نحن في الجزائر لا نكون على مذهب واحد كما كنا من قبل وهو المذهب المالكي عوض هذه الفوضى السائدة التي أفسدت الجميع؟.
مازلت وللمرة الثالثة أستنكر على الطلبة عدم تدوينهم للدروس، وفي كل مرة أدعوهم لجلب كراسا للتدوين، حتى أني عرضت عليهم أن أشتري لهم كراريس وأقلام، فيجيبون في كل مرة أنهم يعتمدون على الكتاب والحفظ، فأجيب بأن فائدة الكراس في ضبط المعلومة، وإمكانية مراجعتها، وكذا تدوين ملاحظات شخصية كما نفعل الان ومنذ سنوات.
الأستاذ صبايحية هو مفتش في الرياضيات، أعرفه من قبل عبر الساعات الإضافية التي كان يقدمها في كلية الاقتصاد، لكن هذه الأيام عرفته بأنه تلميذ نشيط، كثير الأسئلة والتدخلات، أفضى جوا من المرح والفرح على الدروس، حتى أن الأستاذ ينهي حصته بابتسامة شديدة طويلة بمجرد ما يختم صبايحية المجلس بقوله بارك الله فيك. أقول له: واضح جدا أنك تحمل في جنباتك التلميذ المجتهد، فأجاب بأني كنت على هذه الحالة في مراهقتي وشبابي، كثير الأسئلة وأدخل السرور على القسم. وأقول على إثرها: يتصرف المرء كما كان يتصرف في الصغر. وأعظم ما في الكون أن تتعلم للعلم كما يفعل الان الأستاذ صبايحية والأستاذ بن يمينة وزميلنا الأستاذ عبد الكريم .
كتبت منذ سنتين فيما أتذكر، أن نسبة كبيرة من أدباء الجزائر، وكذا الروائيين، والشعراء، والمفكرين، لهم تكوين علمي في علوم دقيقة كالهندسة المدنية، والكهرباء، والفلاحة،، وليس تكوينا أدبيا. واليوم أضيف قائلا: بعض فقهاء الجزائر لهم تكوين علمي في علوم دقيقة وليس تكوينا دينيا كما هو الحال مع الأستاذ الفقيه سكحال باعتباره خريج المدرسة المتعددة التقنيات بالحراش. وحين يقترب منهم المرء يلمس فرقا واضحا لمن يحسن التفريق، وليس هذا مجال شرحه والخوض فيه.
أقول للأستاذ الفقيه الجزائري: كما أنكم تطالبون الناس بتعلم دينهم والحرص عليه وهذه من مهامكم النبيلة التي تشكرون عليها، كذلك الفقيه مطالب أن يعرف القضايا التي يفتي فيها، كأن ينزل للبستان ويعرف فنونه، ويتصل بالمستشفيات ويقف على حقائقها، ويدخل الأسواق ويعرف خباياها، وكذا الشركات، والمطارات، والموانئ، والوزارات، والسفارات، والمصارف، والبناءات، ويحتك بالناس ويسأل عن يومياتهم. وهذا الاحتكاك يمكّنه من معرفة الأمر عن علم وبينة، فبطون الكتب وحدها لا تكفي، ولا بد للفقيه أن يتممها بمعرفة بطن المجتمع، وما يحتويه من تخصصات، ومعاملات، ونزاعات، ووجهات نظر مختلفة، وأنواع، وأشكال. أعجب الأستاذ الفقيه الجزائري بملاحظتي، وراح يثني عليها بين الحضور، ويعطي أمثلة تعززها وتؤكدها.
صلينا يوم الجمعة صلاة العصر بزاوية سيدي امحمد بن علي، رحمة الله عليه ورضي الله عنه وأرضاه. صلى الإمام بالسدل، ورفع يديه عقب الصلاة بصوت يسمعه الجميع، ورفع المصلون أيديهم مع الإمام. وقبل الصلاة قرأ الطلبة قراءة القرآن جماعة أي الراتب وبصوت واحد. هكذا علّمنا سادتنا في الصغر وهكذا قرأنا في كتب أسيادنا في الكبر.
تم عصر الأحد إختتام الأيام الدراسية العشر الخاصة بأحكام البيوع وشرح الورقات للإمام الفقيه سيّدنا الجويني من طرف الأستاذ محمد سكحال المجاجي، بزاوية سيدي امحمد بن علي رحمة الله عليه ورضي الله عنه وأرضاه، وبحضور جمع من الفقهاء والقراء وطلبة العلم والفقه. وقال شيوخ الزاوية من أهل العلم والفقه الذين تداولوا على الكلمة: كانت مجاجة قبلة العلماء والفقهاء إلى أن جاء الاستدمار الفرنسي فأمات العلم وأهل العلم والفقه، في انتظار أن يقيّض الله لها من يحي فيها العلم والفقه.
إحفظ اللهم الجزائر بحفظك للعلماء، وأعد اللهم زوايا العلم والفقه لما كانت عليه من علم وفقه، واحفظ سادتها وطلبة العلم. واحفظ اللهم الجزائر في دينها، وأبعد عنها كل من يسىء لفطرة أبنائها وصفائهم.

اترك تعليقاً