السيمر / الاثنين 10 . 04 . 2017 — التقت طريق الشعب الرفيق حميد مجيد موسى، السكرتير السابق للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ووجهت له سؤالين:
– الفترة التي سبقت الخلاص من الدكتاتورية، شهدت اختلافا في مواقف قوى المعارضة من النظام السابق. فما الذي ميز موقف الحزب الشيوعي العراقي انذاك ؟
– وكيف كان يقيم الحزب، انذاك علاقاته مع مراكز القوى ذات التاثير في الشأن العراقي ؟
تحدث الرفيق موسى قائلا :
النظام المقبور كان عقبة امام استقرار وتقدم بلدنا
ان المعارضة كانت مجتمعة على سفالة النظام وعلى ضرورة اسقاطه، فهي بهذا المعنى متفقة بان نظام البعث الصدامي هو نظام فاشي اجرامي عدواني لا يصلح لادارة البلد ويمثل عقبة امام تطوره وتقدمه واستقراره وذلك ارتباطا بما كان عليه النظام من موبقات وشرور طالت ليس العراقيين وحسب، وانما جيران العراقيين وابعد من الجيران. فالكل كان مجمعا على طبيعة هذا النظام المجرم ولا نستطيع ان نقول انها قد اختلفت بشأن ضرورة زوال هذا النظام ولكن الاختلافات تبدأ، وهي طبيعية، عندما يدور الحديث عن البديل وسماته.فكل طرف من اطراف المعارضة ينطلق من قناعته ومن خلفياته الفكرية والأيدلوجية، من رؤيته السياسية، ومن الاهداف التي يسعى الى تحقيقها. هذه الاختلافات احيانا كانت تؤثر وتعرقل تحقيق وحدة القوى الوطنية المعارضة لصدام حسين. يعني كانت هناك قوى تتحفظ على وتتحسس من المشاركة والعمل المشترك مع الاخر من المعارضة لاسباب واختلافات قديمة.
وكان هناك رأي الحزب المميز بان الكارثة التي يعيشها الوطن والمأساة التي يعيشها البلد تستأهل، بل وتستلزم ترك الخلافات الايدلوجية الى نقاش مستقبلي في ظروف أخرى ارحم لحلها أما وإننا نواجه الكابوس فعلينا توحيد الجهود للخلاص من الكارثة وما يقوم به النظام من قمع واضطهاد وتجلى ذلك في الانفال وفي المقابر الجماعية وعمليات الإعدام الشاملة والابادة وغير ذلك الكثير. أي ان الاولوية هنا هي للخلاص من النظام والشروع في بناء عراق مستقر وهادئ يستطيع أبناؤه اختيار من يمثلهم والحكم الذي يرتضونه وان نتنافس ديمقراطيا عبر صناديق الاقتراع. هذا كان رأينا وبذلنا الجهود الكثيرة من اجل تلاقي قوى المعارضة ولكنها كانت مهمة عسيرة نجحنا الى حد ولم ننجح في حدود اخرى رغم ان الكارثة كانت كبيرة هذا اولا .
وثانيا: يبرز السؤال: ما الذي يأتي بعد النظام، أي نظام نبني بعد سقوط الدكتاتورية وكان سقوطها حتميا ؟ كنا ننطلق، رغم هالة النظام الدكتاتوري في ذلك الوقت كونه بعبعا شريرا ارهب بل أشاع الإحباط واليأس في نفوس البعض، من ان الافق مفتوح أمامنا. كنا متفائلين بان هذا النظام رغم كل ما كان عليه من شر وجريمة لابد انه آيل للزوال. اذن ما الذي يليه، أي شكل من اشكال الانظمة ؟ نحن كنا نؤمن بعراق ديمقراطي مدني فيدرالي هذا كان شعارنا بعد التخلص من الدكتاتورية وآثار القرارات الدولية ونتائج الحروب. ان نبني عراقا ديمقراطياً. كان البعض متحفظاً لان لديه موقفا من مفهوم الديمقراطية او كان مترددا في فهم او الاقرار بالفدرالية او مترددا في صياغة شعار لتلبية مطالب ومطامع القوميات المتآخية في العراق والقوميات الاخرى من غير العرب. واذ نحن في بلد متعدد القوميات فيتوجب ان نرسم ملامح نظام اداري غير النظام المركزي المفرط في مركزيته في ذلك الوقت. كان يجب علينا ان نقوم به ونسعى الى ترتيبه. هذه كانت ملامح ومؤشرات على الخلاف بيننا وبين بعض القوى السياسية. طبعا حول الاطار الاقتصادي والسياسات الاجتماعية كانت هناك تباينات ايضا.
كنا وما نزال نعول على العامل الداخلي
كانت هناك نقطة كبيرة ومهمة وهي دور العامل الخارجي فنحن من القوى، وهذا كان واستمر يميزنا، التي تعول اساسا على العامل الداخلي. نعم هناك من شاع في نفوسهم الجزع من قدرة العامل الداخلي وتوصلوا الى قناعات بانه لا يمكن اسقاط النظام الا بفعل خارجي وكنا نحذر من هذا الفهم ومن استسهال هذه الطريقة في التغيير. كنا نؤكد وهذا ثابت في وثائق الحزب بان التغيير عبر الخارج، وعبر الحروب وغزو القوات الاجنبية لن يأتي بديمقراطية حقيقية وان مثل هذا التغيير سيخلق تداعيات ومضاعفات ترهق الشعب العراقي لاحقا، لهذا كان شعارنا واضحا: لا للدكتاتورية.. لا للحرب. الدكتاتورية يجب ان تسقط لانها ارهقت العراق والعراقيين والعالم ولكن ليس عن طريق الحرب. بل عبر تحالف وطني واسع يشمل القوى الوطنية العراقية والمعارضة المنظمة في جبهة واسعة وفق برنامج واهداف ملموسة وبمساندة الجماهير والجيش وبمساندة الشرفاء من الذين اجبروا على ان يكونوا مع النظام في ذلك الوقت، وبدعم شرعي وقانوني دولي، بمعنى ان يكون للامم المتحدة دور وحيث ميثاقها يدين الدكتاتوريات ويبرر للشعوب حق الانتفاض والثورة على الطغاة والتحرر من أسرهم وهم يقومون بهذه الجرائم البشعة. فهناك ما يستطيع المجتمع الدولي تقديمه للمعارضة العراقية من اسناد معنوي سياسي دولي. وفي الوقت الذي كنا نقف فيه ضد الحصار الاقتصادي على الشعب العراقي، وكان هذا شعار الحزب، كنا مع الحصار على النظام وازلامه واجهزته. وفي السياسة الدولية معروفة هذه الطرائق وكيف يستطيعون ملاحقة ازلام النظام والمسؤولين الكبار فيه، من حجز اموالهم ومنعهم من السفر الى الكثير من الاجراءات الاخرى المعروفة في الدبلوماسية الدولية والعلاقات الدولية. وكان هذا عامل دعم معنوي وفعال لقوى المعارضة وايضا عامل عزل كبير للدكتاتورية وسلطاتها وتحديد لامكاناتها. وبالتالي هذا ما يسهل عمل المعارضة. كما وانه كنا ندعوهم الى اعتماد سياسات بالاستناد الى قرارات مجلس الامن، والقيام بحملات اعلامية تفضح النظام وحقيقته وتساعد الشعب العراقي على الخلاص من اسر الحصار الاعلامي الثقافي الذي فرضه الدكتاتور على ابناء شعبنا لتنويرهم وتحفيزهم لمساندة المعارضة العراقية للنظام. للأسف تصورنا هذا كان يواجه من البعض بان فيه مثالية. نعم صحيح انه طريق صعب ووعر ولكنه مضمون النجاح والنتائج. اليوم تمر علينا 14 سنة منذ سقوط صدام حسين ويتأكد كم كان هذا النهج هو الصحيح وكم كان الاعتماد على التدخل الخارجي ينطوي على مخاطر. وتتجلى الان في هذه الفوضى التي نعيشها الان، هذه الطائفية والمحاصصة والتفجيرات والعمليات الارهابية. وكل ما يترتب على ذلك من مساوئ يعيشها المواطن، فهو لا يشعر بالاستقرار ولا بالأمن، فيما البطالة واسعة والبناء متوقف والاعمار مشلول، لا صناعة ولا زراعة جادة. هذه نقاط اختلاف في تصورات المعارضة العراقية. الأهم كان في الآليات ووسائل وطرق اسقاط الدكتاتورية. نحن كنا قد تبنينا شعار اسقاط الدكتاتورية بالكفاح المسلح كاسلوب رئيس، اضافة الى الوسائل الاخرى المتاحة وقمنا بنشاط مسلح في مناطق عدة من العراق ولكن اساس وجود قوات الانصار في كردستان العراق وكنا ننظم العمل والنشاط السريين في مناطق العراق المختلفة. وايضا كنا نؤسس لحملات اعلام ودعاية واسعة لتعبئة الرأي العام العراقي وتعبئة الرأي العام الدولي لفضح النظام وتعريته وكسب التضامن مع شعبنا. بعض القوى كانت تستكثر هذا وتستعلي على هذا وتستخف بهذه الجهود ولم تبذل ما يكفي من الجهد لانعاش هذه الممارسة ولتطويرها لكي نكون على صلة اوثق بالقوات المسلحة والشعب والجماهير. الشعب المكتوي بنتائج الحرب مع ايران ونتائج حرب الخليج الاولى والحصار الاقتصادي وبالدكتاتورية. اذن كانت هناك ارض خصبة للمعارضة لكن كانت تحتاج من يشجع ويقوي عزيمة الناس ويزيد من اصرارهم وتحديهم للدكتاتورية ويؤشر لهم افاق النجاح كي تنهض الجماهير. هنا كان بعض الاختلاف وقلنا ان اساسه موقف سياسي فكري خاطئ بالتعويل على العامل الخارجي والتدخلات الخارجية.ونحن نتذكر هذه الامور على عجالة نشير الى انه حتى في الموقف من توحيد القوى الوطنية العراقية كانت هناك تباينات في الرؤى. نحن الذين نعول على العامل الداخلي كنا نصر على ان تشكل جبهة وطنية واسعة ولكن فعالة وفق رؤية وبرنامج واهداف واضحة وواقعية قابلة للتحقيق نحشد عليها جماهير الشعب ولكن هذه الفكرة لم تكن تروق للبعض. والسبب لهذه التحفظات هو ايدلوجي – فكري، او ان بعض القوى تريد ان تحتكر النضال وتوجه افاقه وبالتالي الاستفراد بالحصول على نتائجه فأثارت جملة من المشاكل. طبعا الذين يعولون على العامل الخارجي يتصورون هم من سيكونون في مقدمة من سينتفع ويستفيد من السلطة اللاحقة اما الذين يعولون على العامل الداخلي فالبعض يعتبرهم هم المنافسين ولا ضرورة للتعامل معهم وان دورهم ليس اساسا. كانت المعارضة قبل 1991 تجتمع وهي مستقطبة على اسس سياسية بمعنى تيارات ذات طابع سياسي فكري، أي تيار اسلامي (سني – شيعي) تيار قومي (عربي كردي) وتيار ديمقراطي. فكانت هناك تشكيلات عدة للمعارضة العراقية وافضل تشكيلة لها هي لجنة العمل المشترك وهي كانت مؤسسة على اساس الهويات السياسية ولكن البعض لم ترق له هذه الممارسة لانه يريد خلط الاوراق وبالتاكيد تبديل الادوار تحسبا للمستقبل، في الحصص، وفي السلطة السياسية، فجرى استبدال هذه المعادلة الوطنية السليمة الصحيحة بمعادلة المحاصصة الطائفية فبذور المحاصصة الطائفية التي نقول عنها انها اس البلاء لم تأت بعد 2003. فكان لها اساس حين تشكيل المؤتمر الوطني المعد بديلا عن لجنة العمل المشترك والذي تكرس لاحقا في مؤتمر لندن وثم في صلاح الدين. هناك بدأت الاستقطابات وتشكيل الهيئات القيادية وتوزيع المهمات على اساس طائفي قومي ضيع الهوية الوطنية. قد يقال ولماذا تنفون دور الامريكان ؟ لا نحن لا ننفي دور الامريكان فهم يصطادون في الماء العكر. وامريكا لديها مصالح دولة عظمى وتبحث عن ما يسهل لها من مصالح. فحين استصدرت قانون تحرير العراق وتوجهت اجهزتها للتدخل المباشر وتستعد لاحتلال العراق لاحقا، ايضا وجدت من الناحية السياسية افضل جو واخصب تربة لممارسة سياستها ولفرض سيطرتها على القوى المعارضة والتحكم بتوجهاتها عبر اعتماد المحاصصة والطائفية السياسية. هنا تطابقت رغبة امريكا، رغبتها في السيطرة، مع رغبة الاخرين في تقاسم المنافع مع الاخرين وتم التوجه لتعزيز نهج المحاصصة الذي مر بمراحل حتى ترسخ. نحن وقد تدارسنا هذه الامور والتوجهات فقد جمدنا عضويتنا في المؤتمر الوطني الموحد بعد المؤتمر الوطني الخامس للحزب (1993) ثم انسحبنا منه، ولاحقا لم نشترك في مؤتمر لندن ولا في مؤتمر صلاح الدين حتى سقوط النظام. بعد ذلك تبدلت الاحوال وحصل واقع جديد وتعاملنا مع الواقع بطريقة اخرى.
المحاصصة جذورها قبل 2003
واضح من هذا العرض ان مقدمات نهج المحاصصة سبقت 2003 وتكرست تدريجيا وليس دفعة واحده يعني حينما تشكل مجلس الحكم نعم كان في ذهن المحتل وذهن ما سمي بالهيئة القيادية التي تشكلت من 5 اطراف ثم اصبحت 7 من الايام الاولى بعد نيسان 2003، كان في ذهنهم شيء وتطور هذا لاحقا. كانت المحاصصة في بداياتها غير واضحه وغير معلنه ولم تتحول بعد الى سياسة رسمية، والى توزيع متكامل لكل مراكز السلطة في العراق. تشكيلة مجلس الحكم في ذهنية بعضهم ان تكون على اساس المحاصصة ولكن هذا لايعني ان كل من شارك في مجلس الحكم وفي المقدمة الحزب الشيوعي العراقي قد انخرط في مشروع المحاصصة. لا فقسم من الذين في مجلس الحكم شاركوا بصفاتهم وهوياتهم السياسية ولم يكونوا محسوبين على أي جهة لكن بعد ذلك وحينما استمرأ واستلذ الحكام الجدد بمواقع السلطة ومنافعها ومكاسبها تعزز وتكرس نهج المحاصصة الطائفية-الاثنية، وهو نهج ينسجم مع رغبة الامريكان وحلفائهم ونيتهم في ان يجدوا الوسائل للسيطرة والتحكم في الوضع السياسي العراقي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص6
الاحد 9/ 4/ 2017