السيمر / الأربعاء 07 . 06 . 2017 — الكاتب اليهودي من أصل عراقي سامي ميخائيل يكتب بحرقة كمواطن حريص على بلده إسرائيل، لكنه يدين كل السياسات اللاإنسانية لحكومته، والثقافة العنصرية الرائجة في بلده.
سامي ميخائيل
بمرور 50 سنة على الاحتلال يجدر بنا أن نجري ميزان وجودنا في هذه الزاوية العاصفة من العالم. فالاحتلال الاسرائيلي، لسوء حظ المحتلين ممن يروجون له، وقع بعد التفكك الاخير للامبراطوريات التي بنيت على اساس الاحتلال لغرض الاستيطان. فالامبراطوريتان البريطانية والفرنسية انحلتا ليس فقط بسبب الهزائم العسكرية. فالاستيطان من خلال العنف في بلاد أجنبية، كما تبين للامبراطوريات، ليس مجديا. فالاستيطان لم يسفك الدم فقط بل وافرغ الصندوق الوطني. وحتى العبودية في حينه لم تنقضي لاعتبارات انسانية، بل لان شراء العبد والاحتفاظ به باتا غاليين وليسا مجديين.
لقد سكبنا المليارات على المستوطنات في الخمسين سنة الاخيرة على حساب صندوق الدولة ولا سيما على حساب تطوير البلدات والقرى، احياء الفقر والسكان المستضعفين، بمن فيهم من شيوخ بنوا البلاد بدماء قلوبهم. ومن ثمار الازدهار الذي حققه الجيل الضائع والمظلوم هذا يتمتع اليوم مئات الالاف ممن اصبحوا أسياد مصيرنا. لقد عشت المخاطر التي حدقت بابناء المظلي والان اعيش بقلق الساعات الخطيرة لحفيدي الذي اختار الخدمة في وحدة مختارة. أعرف شجاعة معظم جنودنا. ولكن على مدى الخمسين سنة من الاحتلال تآكلت القيم الانسانية التي حرصنا على تطويرها. وفي ثقافة الاحتلال يحظى بالتقدير والشعبية جندي يطلق رصاصة فتاكة على خصم ينازع الحياة. هذه الثقافة، التي تروج لمقت وكراهية الخصم الخاضع للاحتلال، تسللت الى مؤسسات عديدة بدء برياض الاطفال وحتى بيوت العجزة، من المدارس وحتى الكنس، من الجيش وحتى الاكاديميا. ثقافة الاحتلال تؤدي الى كراهية داخلية وتفتح مساحة مليئة بالكلام السافل للدعاية الرخيصة.
لقد نزع الاحتلال عن دولة اسرائيل امكانية العيش بحدود ذات سيادة. وبرعاية جعل المناطق المحتلة “اسرائيلية”، لا يحظى الفلسطينيون بالحماية والحصانة اللتين يمنحهما القانون الدولي للخاضعين للاحتلال. نحن ننتهك حقوق الانسان الاساسية: فنسلب الاراضي من اصحابها الفلسطينيين، نفرض على الفلسطينيين حظر حركة في داخل بيوتهم، نحظر عليهم استخدام المقدرات الطبيعية في مناطقهم ونستخدم ضدهم اعتقالات ادارية دون قدرة على الوصول الى المحكمة. وبالمقابل، فان المستوطنين وان كانوا يخضعون رسميا لإمرة الحكم العسكري الا انهم يتمتعون عمليا بالفضائل الديمقراطية لدولة اسرائيل ويتلقون خدمات من الوزارات الحكومية ومن الجيش. خلقنا جهازين قانونيين منفصلين للفلسطينيين والمستوطنين الذين يعيشون في ذات الارض الاقليمية. قبل الاحتلال كانت الحدود واضحة الى هذا الحد أو ذاك، ودارت المواجهات العنيفة الاساسية على الحدود. ولكن بعد الاحتلال اصبحت كل اسرائيل جبهة. نحن ندعو يهود العالم لان يأتوا ليعيشوا بسكينة في اسرائيل، مع أن اسرائيل اصبحت عمليا المكان الاخطر للعالم لليهود بعد الاحتلال. فالانسان العادي يسعى الى بيت خاص به يربي فيه اولاده ويدير فيه حياة هادئة. ورغم الذكريات المريرة والفظيعة هناك من يفضلون العيش حتى في المانيا على اسرائيل. قسم من السكان ممن يفرون من هنا ينتمون في الغالب الى النخبة المثقفة، المبدعة والحيوية.
كل احتلال هو جريمة حسب القيم الانسانية، الكونية والديمقراطية. والافساد الاخلاقي للمجتمع الاسرائيلي وجد تعبيره في تخليد الاحتلال الذي لا يتردد فيه المروجون له من استخدام وسائل تحريض معيبة، بالتخويف والتهديد. والمسؤولون عن الجهاز القضائي يعرضون كخونة في وطنهم ويجدون انفسهم يدافعون عن انفسهم في وجه هجمات بلا لجام من جانب الحكم. في عصر الاحتلال يشرع النواب قوانين مناهضة للديمقراطية على نحو واضح كقانون التسوية المعيب. ووزيرة العدل شكيد تفعل كل شيء في وسعها كي تقوض ما تبقى من منظومة تحمي العدل. قسم هام من حياتي قضيته في العراق، بلاد كان فيها الجهاز القضائي أداة تخدم الحكم. اما المواطن البسيط المستقيم فكان يخاف من القضاة عديمي الضمير اكثر مما يخاف من السلطة. من شأننا في نهاية المطاف ان ننزلق الى ذات الحفرة العتمة للعالم الثالث.
غير قليلين سيعجبون: عندنا؟
نعم، بالتأكيد، عندنا أيضا. ليس فقط لان محبي الاحتلال مرصوصو الصفوف وتوجد تحت تصرفهم مقدرات هائلة. فالايام الظلماء ينتشر الاحتلال في كل شيء ولا يتجاوز أي قسم مهما كان. لاسفي الشديد، فان المثقفين، الفنانين، الكُتّاب والشعراء ورجال الدين يهرعون لخدمة الوحش الذي أكل ولا تزال شهيته مفتوحة. وزير التعليم يسعى الى تقييد الحرية الاكاديمية. شعراء وكُتّاب يتجندون ليكونوا اعضاء في اللجان لتصنيف الكتب المسموحة والكتب الممنوعة للمدارس. وزيرة الثقافة تحظى بمساعدة فنانين بلا ضمير في عملية الرقابة، تقييد حرية التعبير واطفاء أنوار الديمقراطية في مؤسسات ثقافية مختلفة. هجمات فظة من الحكم على صحافيين وارعابهم، وصحافيين غير قليلين يصبحون أداة بيد الحكم. حقوق الانسان اصبحت أمرا منكرا واضفاء الشر على الاخر المختلف آخذ في التزايد. بدء من التحريض ضد المواطن العربي وانتهاء بمعارضي سياسة الحكم. مفكر عظيم قال ان شعبا يستعبد شعبا آخر لن يكون حرا أبدا. وبالفعل، امام ناظرينا، في داخل بيتنا تقع امور فظيعة. لقد اصبحنا مجتمعا ممزقا على نحو مخيف وعنيفا في حياته اليومية. فالعنف ضد الاحتلال يعود الينا كالسهم المرتد. بل ان هناك مستوطنين متطرفين مستعدين لان يصطدموا حتى بعنف مع الجيش الاسرائيلي، الذي بدونه ما كان يمكن لاي احتلال ان يوجد حتى ولا لشهر واحد.
ان حظ البلدان المحتلة هو أنها صحت في الزمن المناسب وعرفت كيف تنسحب وهكذا حققت الراحة والازدهار. في العصر الحديث بقينا الديمقراطية الوحيدة التي تحمل عار الاحتلال على جبينها. ولاسفي، في داخل اسرائيل لا أرى في آخر الافق جهة شجاعة ومصممة تتأزر بالبسالة لسحق الافعى التي تأكل بثبات القيم الانسانية والديمقراطية لدينا وتسمم حياتنا. لم يتبقَ لنا غير الامل للخلاص من الخارج. نصف حياتي قضيتها تحت الظل الثقيل للاحتلال. لا الايرانيين يهددون وجودنا كدولة سليمة وطبيعية. فهم غارقون حتى الرقبة في مواجهة تعود الى الف سنة بين العالم الشيعي والعالم السني. الاحتلال هو العدو اللدود الذي من شأنه ان يبيد دولة اسرائيل.
يديعوت 5/6/2017