الرئيسية / ثقافة وادب / قصة طريفه / الله إلهنا إله واحد مُقابل لا إله إلا الله

قصة طريفه / الله إلهنا إله واحد مُقابل لا إله إلا الله

السيمر / الخميس 27 . 07 . 2017

ترجمة / ا. د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي

في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة بالعبرية، رواها راضي بن بنياميم بن صالح صدقة الصباحي (رتصون بن بنيميم بن شيلح بن صدقة الصفري، ١٩٢٢-١٩٩٠) بالعبرية على ابنه بنياميم صدقة (١٩٤٤-) الذي أعدّها ونقّحها. نُشرت هذه القصّة في الدورية السامرية أ. ب. – أخبار السامرة، العددين ١٢٢٦-١٢٢٧، ١٥ كانون ثان ٢٠١٧، ص. ٥٧-٥٩.
هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها: إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية) بالخطّ اللاتيني.
بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، تُوزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين بالدراسات السامرية، في شتّى دول العالم. هذه الدورية، ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة الشقيقين، بنياميم (الأمين) ويفت (حسني)، نجْلي المرحوم راضي صدقة الصباحي (رتصون صدقة الصفري، ٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).
”أقصّ عليك أكثر فأكثر عن هذا الشيخ الحكيم، إبراهيم بن مفرج (مرحيب) صدقة الصباحي (الصفري) ولم أقصّ إلا القليل القليل من القصص، التي ترافق هذه الشخصية المبجّلة التي كرّست جلّ أيامها في حبّ ديانة موسى، في الكتابة وفي نظم الشعر.
هذه المرّة أقصّ عليك قصّة نموذجية للنقاشات الكثيرة التي دارت وما زالت تدور اليوم بين أتباع الديانات المختلفة؛ حول هوية دين الحقّ، التقاليد الحقيقية. في مجال النقاشات هذه كان السامريون معارضين من الدرجة الأولى، في مواجهاتهم مع اليهود والمسيحيين والمسلمين.
تتحدّث مصادرنا ومصادر اليهود عن نقاشات تاريخية بين حكماء السامريين وحكماء اليهود. وبالطبع، كلّ فريق ذكر للأجيال القادمة أنّه المنتصر في النقاش بدون ريب، وأنّه تمكّن أن يُثبت بدون شكّ بأنّ دينه وتقاليده، هما الحقيقيّان. إنّ كتُب الشريعة والتفاسير لخير شاهد على نقاشات مريرة بين علماء السامريين وعلماء اليهود الربانيين، والقرائين، والمسيحيين، والمسلمين في عصور كثيرة. أكتفي بهذه اللمحة التاريخية كمقدمة للقصّة الجميلة التي سأقصّها عليك الآن.
حسنًا، أين كنّا؟ نعم، هذا ما حدث بإبراهيم بن مفرج صدقة الصباحي، الذي سمّاه كلّ معارفه باسم ابنه البكر، أبي فارس. أُضيف لما أسلفت، بأنّ نقاشات صغيرة، كانت تدور دومًا بين سامريي نابلس ومسلميها حول: مَن صاحب الديانة الصحيحة، الحقيقية؟، أهمُ السامريون أم المسلمون. حسنا، قد تكون القصّة القادمة غير قادرة على ترجيح الكفة بجلاء ولكن لا شكّ أنّها جميلة.

أدلّة السامريين والمسلمين
عندما ينوي المسلمون في صلاتهم التأكيد على وحدانية الخالق يقولون ”لا إله إلا الله“، وفي المقابل يستشهد السامريون دومًا بقول الربّ (في سفر التثنية ٦: ٤): إسمع يا إسرائيل، الله إلهنا إله واحد؛ وفي الصلاة يرددون كثيرا الجملة بالآرامية לית אלה אלא אחד أي: لا إله إلا الله.
إبراهيم بن مفرج صدقة الصباحي، بطل القصّة، الذي عاش سنوات كثيرة في يافا وألّف حوالي ألف قصيدة وترنيمة، كان معروفًا بشكل خاصّ بلغته الغنية، ولد في نابلس وعاش فيها سنوات كثيرة وتوفي فيها.
لن أنسى ما كتبه راعينا الصديق الكبير، يتسحاك بن تسڤي رحمه الله، في صحيفة دڤار بعد وفاته بيوم عام ١٩٢٨، قال: لم يخلّف إبراهيم بن مفرج صدقة مثيلًا له في كل طائفته.
ماذا بخصوص القصّة؟ إنّك تسأل. حسنًا، ماذا بوسعي أن أفعل، حينما أتذكّر أبا فارس تتلاشى أفكاري وأنسى كلّ شيء. وقّعتُ مدى الحياة بأنّني مغرم حدّ الجنون بأبي فارس.
طيّب، طيّب، جايّيك بالحكي. في المدّة التي سكن فيها أبو فارس في نابلس كان له جدال مع شيخ مسلم من عائلة دروزة، يبدو لي أنه كان والد سعد الدين دروزة المعروف لنا في نابلس، وكان يقول على كل سامريّ مُعجب به بسبب سيرته الطيّبة سيموت في آخر المطاف مسلما.
هذا الشيخ كان أحد أكبر العلماء المسلمين في نابلس، عندما كان يُلقي خطبة يوم الجمعة كانت أهالي نابلس برمّتها تتدفّق على مسجده. عُرف أبو فارس في أوساط المسلمين، بغيرته على تقاليده السامرية، وحرَص جدًّا على كل صغيرة فيها. لذلك توجّه إليه هذا الشيخ ذات يوم سائلًا: ألم يطرأ ببالك يا أبا فارس، بأنّ دين الإسلام هو دين الحقّ، لأنّ شهادة التوحيد فيه لا مثيلَ لها؟ عندكم أيّها السامريون، لا تأكيدَ كهذا بشكل خاصّ.
أجابه إبراهيم: من المعروف أنّ ديننا أقدمُ من دينكم، هيّا نسمع ما يميّز الله عندكم.
قال الشيخ لإبراهيم: نحن المسلمون، قبل كل صلاة، وفي كلّ مناسبة نذكر عظمة الله بقولنا: لا إله إلا الله، وهذا آخر ما يلفُظه المحتضر قبل موته.
أجابه إبراهيم: أُثبت لك بأنّ لا قيمة لهذا القول: إنّ المحتضر قد لا يتسنّى له لفظ كلّ الشهادة ويقول فقط ”لا“، وهذا حرف نفي ولا إيجاب فيه. وإذا تمكّن المحتضَر عندكم من تِلاوة كلمتين ”لا إله“ فإنّه حينئذٍ يكون كافرًا، ولن يكون له مكان في الآخرة وفق إيمانكم الإسلامي. وإذا تمكّن المسلم من لفظ ثلاث كلمات ”لا إله إلا“ ففيها نفي وغموض: لا إله إلا ماذا؟ ثم في هذه الكلمات الثلاث كفر محض!
إنْ أنهى المحتضَر المسلم فقط تلاوةَ كلمات الشهادة الأربع، عندها يعلم مؤمنوكم أنّ لا إله إلا الله بحسب معتقدكم، ويُقبل في جنّة عدن وَفق إيمانكم، لخّص إبراهيم قوله أمام الشيخ المنذهل. إبراهيم الصباحي لم يشفق على الشيخ دروزة، فأردف قائلا: في المقابل، أنظر كيف أنّ الشهادة عندنا ”الله إلهنا الله واحد“، كلّ كلمة من الكلمات الأربع، فيها إثبات لوجود الله. إذا تمكّن المحتضَر الإسرائيلي السامري من قول كلمة واحدة من الشهادة ”الله“ فهذا اسم الخالق وإن لفظ كلمتين ”الله إلهنا“ فهذا دليل ساطع كالشمس بأنّ الله إلهُنا؛ وإن تسنّى له نطق ثلاث كلمات من الأربع ”الله إلهنا الله“ فهذا شاهد بأنّ الله إلهنا، ولم يرتكب أيَّ كفر أو خطيئة. أنهى إبراهيم الصباحي كلامه مع الشيخ قائلا: إذا تمكـّن المحتضَر الإسرائيلي السامري من نُطق أربع لفظات الشهادة فخيرًا صنع، ولا فرق في ما إذا نطق بواحدة، باثنتين، بثلاث أو بأربع الكلمات.
والآن سأل إبراهيم الشيخَ الذي تجهّم وجهُه: هل تعي الآن لماذا إيماننا هو إيمان الحقّ؟
ماذا أفعل؟ سأل الشيخ واعترف – إنّك تغلِبني ثانيةً وسار كلّ منهما في طريقه.

اترك تعليقاً