السيمر / الخميس 27 . 07 . 2017
رواء الجصاني
هل لنا ان نتساءل مشتركين، قبل البدء، هل نحن في مناسبة رثاء؟ .. ام انها استذكار لخالد لم يرحل؟… هل رحل ، حقاً، محمد مهدي الجواهري (1898-1997) ؟! وهو القائل:
أكبرت ُ يومكَ ان يكونَ رثاءَ، الخالدون عرفتهم احياءَ؟
– وإذا ما كانت ملحمة – اسطورة كلكامش، السومرية الغارقة في العراقة، وحتى اربعة الاف عام، قد تحدثت عن الخلود والموت، ذلكم هو الجواهري يجسد الامر حداثياً، وواقعياً، فراح يَخلـدُ، وإن رحلَ، وعن طريق اخرى، هي الفكر والشعر والابداع..
– أما صدحَ – ويصدحُ شعره – كل يوم في قلوب وأذهان كل المتنورين، العارفين دروبهم ومسالك حياتهم ؟.
– أما برحت الاطاريح الاكاديمية، فضلا عن الدراسات والكتابات، والفعاليات الثقافية والفكرية تترى للغور في عوالم شاعر الامتين، ومنجزه الثري؟! .
– الظلاميون ومؤسساتهم، وأفرادهم، وتوابعهم، المتطوعون منهم أو المكلفون، والقابضون، وحدهم – لا غيرهم – ما فتئوا يسعون، لأطباق صمت مريب عن الجواهري، وحوله، ولا عتاب بشأن ذلك، فلهم كل الحق في ما يفعلون، فالضدان لا يجتمعان : تنوير ومواقف الشاعر الخالد، ودواكن الافكار والمفاهيم …
… في التالي مجموعة مساهمات – ننشرها على حلقات – تفضل بها على “مركز الجواهري للثقافة والتوثيق” مبدعون ومثقفون وكتاب وأكاديميون، بمناسبة الذكرى السنوية العشرين لرحيل الجواهري الخالد، والتي تصادف في 2017.7.27… وهنا ماكتبه عدد من الذوات الاجلاء، مع حفظ الالقاب والمواقع: د.أثير محمد شهاب، أ.آرا خاجودور، أ. بلقيس حسن:
——————————————————————
*** الجواهري… عمود الشعر الأخير / أثيـر محمد شهاب (*)
في كل البلدان تحتفي الامم بكبار مبدعيها وتقيم لهم النصب والتماثيل والاحتفالات السنوية التي تنطلق من تأسيس حقيقي وعلمي واكاديمي، رغبة منها بناء قاعدة رصينة لفعل الثقافة، ولعل العراق اجتهد بعد التغيير نحو ذلك، لكن التحولات في المنطقة حالت دون الاستمرار في وصيد دعم أعمدة الثقافة العراقية والعربية.
إن الحديث عن المعرف لا يحتاج الى تعريف، والجواهري اسم مستقر في الذات والوجدان الجمعي العربي والعلمي، قدم للقصيدة العربية الكثير من الامتيازات التي أصبحت قاعدة للكتابة الشعرية، وهذا ما يؤشر طبيعة واهمية الجواهري في الشعرية العربية، فلا يمكن اغفال دور الموضوع والاسلوب في معالجة كثير من القضايا…
واذا اردنا ان نضع الجواهري وشعره ضمن قوانين الشعر العربي، فاعتقد انه جدير بهذا الامتياز، ولا نغفل دور الملكة الشعرية التي صاغة خيال الجواهري في التمرد على النمطي والتقليدي. الجواهري قانون اخر يضاف الى قوانين الشعر العربي… والامة التي لا تحتفي بالجواهري، أمة ميتة وعاقلة عن دورها في الوعي الجمعي.——-
(*) اكاديمي متخصص.
——————————————————-
*** وداع بغداد والغربة / آرا خاجادور(*)
بدأت علاقتي بالجواهري من أيام وثبة كانون 1948 المجيدة، تلك الوثبة العظيمة التي سجلت مأثرة كبرى في تاريخ الشعب العراقي، وعززت الوحدة بين فئاته الإجتماعية ذات المصلحة بالسيادة والإستقلال الوطنيين. كان مشهد التعاون بين العمال والطلبة خلالها ملهماً ومثيراً للإعجاب، وفي الوقت نفسه مخيفاً ومرعباً للقوى الإستعمارية وخدمها، وظلت السلطة غائبة في بغداد لعدة أيام، تحت تدفق وقوة الضغط الجماهيري. ومن أبرز ثمار الوثبة إسقاط معاهدة بورتسموث الموقعة بين العراق وبريطانيا في بورتسموث يوم 15 كانون الثاني 1948، والمعاهدة في الواقع طبعة جديدة لمعاهدة 1930.
كان الجواهري خلال كل حياته منحازاً بقوة للفقراء والكادحين، ومعبراً عن حقوقهم ومظالمهم وطموحاتهم. في أيام الوثبة كانت قصيدة أخي جعفر؛ شهيد الوثبة، بالنسبة لنا قوة دفع معنوي لا يدانى، وكم من المرات إلتقيتُ الجواهري، وسمعتُ وتحسست إصراره على دعم الفقراء من أبناء الشعب العراقي، وكم كانت جميلة ومنسجمة جلساتنا بمشاركة الشهيدين سلام عادل وجمال الحيدري وغيرهما.
لا يمكن لحيز محدود أن يعبر عن علاقات دامت نحو خمسة عقود، شملت لحظات عذبة، وفترات مديدة إنطوت على مصاعب جمة؛ في بغداد المنبت، وبراغ الفسحة المزهرة، وفي دمشق الشعر والسياسة والوجوه الإجتماعية المبدعة في مختلف أوجه النشاط الإنساني.
أتحدث الآن عن لحظة واحدة أسفرت عن تحول مهم في حياة الجواهري. وكما قلت قبل قليل: الجواهري كان نصيراً كبيراً للمنظمات النقابية والمهنية، مثل إتحاد نقابات العمال، وإتحاد الطلبة، ورابطة المرأة وغيرها، ولا يَتَخَلفُ في كل الظروف عن دعم تلك المنظمات.
بعد أشهر الفرح بثورة 14 تموز 1958، أصاب التوتر علاقاتنا مع الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، خاصة بعد خطابه الشهير في كنيسة مار يوسف يوم 29 تموز 1959. وتزامن ذلك مع توتر أصاب علاقة الجواهري بقاسم. في شباط 1960 عقدنا المؤتمر الأول للإتحاد العام لنقابات العمال في الجمهورية العراقية، في قاعة الخلد البغدادية الشهيرة، ووجِهت الدعوةُ الى الزعيم لرعاية المؤتمر، وقد سبق له رعاية مؤتمرنا التأسيسي الذي عُقد في تموز عام 1959، وبديهي أن توجه الدعوة الى الجواهري أيضاً وغيرهما من الضيوف.
تَعمّدَ الجواهري الوصولَ الى قاعة المؤتمر بعد الزعيم عبد الكريم قاسم. لم يكن التصفيق لقاسم عند دخوله القاعة حاراً، بسبب توتر علاقاته مع الإتحاد، خاصة إذا ما قورن ذلك بما ناله الجواهري من ترحيب حار وتصفيق مدوي. هنا إنزعج الزعيم قاسم، وغادر القاعة بعد فترة وجيزة غاضباً. أدرك الجواهري أن العلاقة بينهما وصلت حد القطيعة. وبعد مشاركته في مناسبة مهمة في بيروت، إستضافه إتحاد الأدباء التشيك في العاصمة ـ براغ التي شهدت قسطاً وافراً من أهم وأجمل إبداعاته.——
* سياسي ومناضل عراقي
————————————————
*** أبا الشعــــــراء / بلقيس حسن (*)
في الذكرى العشرين لرحيل الجواهري الكبير .. بلقيس حميد حسن
بهامِ الكون يعلو الشعر بدرا ويسمو في ليال اللحنِ فجرا
فما قُطِعت رؤاه بأي شكٍ وقد سيقت لهُ الآمال تترى
نأى عنّا فما طلعت قوافٍ وغابَ صهيلنا في الناسِ دهرا
وكنّا موطنَ القول الموشّى بتبرِ الأرضِ طرّزناهُ سحرا
ولكنّ الكواكب والليالي تميلُ اليوم في وطني فنعرى
سدومٌ أومأت وإله حربٍ يُطيح بحقّنا فنخيبُ عذرا
لنا وطنٌ يسوس الناسَ فيه شواذٌ، حكمهم ظلماً وعهرا
فلا صُبح الصغار بهِ أمانٌ ولا حلمُ الشباب بهِ استقرا
تزاحمت الطغاةُ على بلادي فهذا خائنٌ بلباس كسرى
وهذا سارقٌ في وضحِ شمسٍ يشرعنُ ذنبهُ والناس حيرى
لعمري مذ تناهبت الأيادي مدائننا وعاثَ الرعبُ شرّا
تحجّرت العقول بثوب دينٍ يُرش به قبيح الفعلِ عطرا
وأوغلنا بقتلِ الله حتى تفجّرت الدما في الأرضِ بحرا
جلبنا النار من سفَرٍ مدمّى وأوقدنا سلاح الموت ثأرا
أفيضُ العشقَ في روح التمنّي ويغري اليأس ساعاتي فأُغرى
لأن الموتَ قد تركتْ يداهُ على أعمارنا وجعاً وقهرا
أجيبي يا خرائبُ يا قبورٌ أبعدَ الخزي نشمخُ هل سنبرا؟
ويا لون الحياة بماء أرضي فراتٌ يسبقُ الأنهار، صبرا
ويا شعباً ترنّم بالضحايا ترجّى دجلةً نخلاً وخيرا
أبا الشعراء مذ عشرين حولاً وذكركَ في النفوسِ نما وقرّا
ونشكو من ضياع في المنافي ونحسو الدمع والآهات حرّى
تكالبت الرداءة في زمانٍ يكسّرُ فيه عظم الشعر كسرا
وضاعَ دليلنا بين التردّي وطعنات غدت سراً
وجهرا فضيمُ العُرْب هذا اليوم يُبكي ويرنو جلّهم للفنِ شزرا
ملأنا صفحة الأيام حزناً وماعدنا نهم ّ الكون طرّا
فلا بذرا ً غرسناه حصدنا ولا جمراً نفخناه فأورى
أبا الشعراء هانت في بلادي مطامحنا وصارَ العيش مرّا
وقوفاً للخلودِ رحلتَ لكنْ حفظنا منك في الأشعار فكرا
أيا ملك القصيد نأت بلادي بعيدا ًعن قوافينا . فعذرا …
(*) شاعرة عراقية
مع تحيات مركز الجواهري
www.jawahiri.net