السيمر / الاثنين 02 . 10 . 2017
سليم الحسني
أخذت قضية اطلاق سراح النائب السابق جواد الشهيلي بحكم قضائي غريب، ردود فعل غاضبة من قبل المواطنين العراقيين، فقد بدا فيها القضاء العراقي وكأنه يمزح مع قضية كبيرة تتعلق بتهريب مجرم فاسد، اعترف بنفسه على منظومة متشعبة من الفساد وهو (عصام عليوي) مدير عام التجهيزات الزراعية.
تتبعتُ تفاصيل الواقعة والحكم القضائي، عن طريق عدة جهات، وتوصلت الى معلومات تصيب المواطن العراقي بمزيد من الألم والتشاؤم على واقع العراق ومستقبله. ولكن لا بد من قول الحقيقة، ليعرف المواطن قيادات الكتل السياسية، وطريقة إدارة الوزارات وأحكام القضاء.
بعد اعتقال مدير عام التجهيزات الزراعية (عصام عليوي)، شعر بعض قيادات التيار الصدري بخطورة الموقف، وأنه قد يعترف عليهم بصفقات فساد كبيرة عقدها معهم، ومنهم القيادي الصدري والمسؤول البارز في الهيئة الاقتصادية للتيار (أحمد المطيري).
اتفق (المطيري) مع مسؤول كبير في التيار الصدري، على تهريب (عصام عليوي) قبل أن يُحال الى القضاء، وصمم الرجلان خطة محكمة لتهريبه، وذلك بأن يتم توريط النائب السابق (جواد الشهيلي)، بحكم العلاقة بينه وبين عصام عليوي، فاتصلا به وعرضا عليه بضرورة أن يقوم بزيارة صديقه (عصام عليوي) في مخفر الشرطة المحجوز به. وقد بيتّا نية الإيقاع به للتخلص منه، لوجود خلافات بين الشهيلي والتيار الصدري. كما أن الشهيلي نفسه متورط في قضايا فساد، ولذلك تشجع بزيارة صديقه لاستجلاء الأمر.
وصلت السيارات الى مخفر الشرطة، وطلب الشهيلي من الضابط المسؤول مقابلة (عصام عليوي)، وخلال فترة الانتظار، قام (المطيري) والمسؤول الصدري الآخر بإخراج صاحبهما بسياراتهم المظللة من داخل باحة المخفر، بينما بقي الشهيلي في غرفة ضابط المخفر لا يدري ما جرى.
وبعد انتظار طويل، أدرك الضابط بأن الأمر مريب، فاستطلع الأمر واكتشف عملية الهروب، فتحفظ على الشهيلي باعتباره مشترك معهما، لكن الشهيلي أحس بالخطة التي تم توريطه بها، فاتصل هاتفياً بزوجة (عصام عليوي) وعلم منها ان زوجها اتصل بها وانه طلب منها التوجه بسرعة الى منطقة (بدرة وجصان)، وجرت اتصالات سريعة مع الشرطة والمنفذ الحدودي مع إيران، حيث تم إلقاء القبض على الهارب (عصام عليوي).
عند هذه النقطة انتهت الصفحة الأولى من عملية الهروب والمتورطين بها، وقد قدم جواد الشهيلي إفادته التفصيلية لما جرى.
هنا بدأت الصفحة الثانية، وذلك بأن اتصل قياديون من التيار الصدري بوزير الداخلية قاسم الأعرجي، وطلبوا منه ان يسحب ملف اعتراف الشهيلي، ويتكتم عليه، وقد استجاب قاسم الأعرجي لذلك، فهو يرتبط بمصالح شخصية مع قيادات في التيار الصدري، ويرغب ان يحتفظ بمنصبه الوزاري لدورة قادمة من خلال تقديم هذه الخدمة، وفي نفس الوقت قام بالتفاهم مع القاضي لإصدار حكم باطلاق سراح الشهيلي.
كادت العملية ان تتم بنجاح في تهريب المسؤول الصدري الفاسد (عصام عليوي) والايقاع بجواد الشهيلي. لكن اعتقال عليوي واعترافاته السريعة على أحمد المطيري ومسؤولين آخرين، أربكت الوضع، فاختفى عن الأنظار، كما ان بعض المسؤولين في التيار الصدري استبقوا التطورات وهربوا أيضاً. وحصل الشهيلي على حكم قضائي شكلي باطلاق سراحه. ولا أظن أنه سيجازف بكشف الحقيقة، فهو يخشى على نفسه من انكشاف ملفات متورط بها، وهكذا هي الأمور في العراق.
حاول القضاء العراقي الخروج من هذه الورطة، فأصدر المتحدث الرسمي السيد عبد الستار البيرقدار، بياناً يقول فيه ان اطلاق سراح الشهيلي جاء لتعاونه في القاء القبض على الهارب، بينما جاء في قرار المحكمة أن اطلاق السراح لأسباب إنسانية وان المتهم في مقتبل العمر ويواصل دراساته العليا. وفي الحالتين فان التبرير يبعث على الاستغراب لما فيه من استخفاف بعقل المواطن.
قاسم الأعرجي لا يزال يحتفظ بملف اعترافات الشهيلي، ويمتنع عن تسليمه للقضاء، ضمن حسابات خاصة شخصية صرفة لينتفع من ورائها في البقاء بمنصبه.
إن المطلوب من السيد رئيس الوزراء ومن مجلس القضاء القيام بمسؤوليتهم في التحقيق مع وزير الداخلية قاسم الأعرجي، ومحاسبته في الاشتراك بعملية مكشوفة للتغطية على الفساد، والاشتراك في عمل المافيات المسلحة ضد المصلحة العامة.
قاسم الأعرجي وزير جاء الى هذا الموقع الحساس ضمن حسابات العملية السياسية المرتبكة، وقد ذاق حلاوة المنصب، فراح يقوم باجراءات مريبة مخالفة للقانون، وعقد اتفاقات سرية مع مختلف الجهات السياسية، ووصل الأمر الى علاقاته مع السعودية، من اجل ان يبقى في منصبه او ينال أعلى منه.
سأتناول في مقال آخر، تصرفات قاسم الأعرجي وعلاقاته المشبوهة مع جهات سياسية عراقية ودولية.